أقف اليوم أمام الابتدائية التي درست بها لكن بصفتي أستاذة لا تلميذة، ادخل لها فتتهاطل عليّ الكثير من الذكريات الجميلة، أستأذن للدخول لمكتب المدير وحين رأيته نعم إنه هونفس الملامح، شاخ بعض الشيء لكن تلك العينين لا يمكنني أن أخطأهما، سافر بي عقلي هذه المرة للذكرى، لكنها سوداء، أتذكر جيدا حضورك القوي وصوتك الخشن الذي لن يتجرأ أحد أن ينطق بحرف بعد سماعه، وأتذكر جيدا تلك القصاصات التي طلبت منا أن ندون فيها عمل والدنا، عمل والدي الذي جعلني أجلس في الطاولة الأخيرة طوال السنة، لم أكن أدرك حينها ما السوء في مهنة «عامل نظافة» وأن هنالك فرق بيني وبين ابن «الطبيب»، فخورة أنا بعمل والدي ولازلت لا أفهم ما الذي جعلك تحكم عنا بمناصب ابائنا ؟ يوم نسيت تحضير واجبي عاقبتني بشدة لازال ألم الضربات كلما تذكرت القصة.. والعبارة التي ختمت بها عقابك لم أكن لأنساها «فاشلة عودي لمقعدك». كم كرهت المدرسة أنذاك تحوّلت أيامي لكوابيس في تلك الابتدائية. مضّت السنين ودرست بعدها عند العديد من الأساتذة غيروا نظرتي لكلمة «أستاذ» كان لهم الفضل في تكويني ونجاحي، أستاذ اللغة العربية في الثانوي الذي كان يقدم رسالته بصدق وضمير كان في مقام الوالد والأخ بالمدرسة جعلني أحلم بأن أصير أستاذة شجعني على تحقيق حلمي وها أنا اليوم بفضل الله في هذا المكان ظلت تلك الذكريات تأسرني وأنا أكلمك، قدمت له نفسي - اليوم هوأول يوم لك في المدرسة، كوني حازمة مع التلاميذ، تفضلي هذه العصا ستكون عونا لك. اعتذرت عن أخذها واصريت على أنها لا تلزمني اتجهت لقسمي وأنا أردد: «عفوا ولكن لن أكرر أخطائك وسأتجنب أن أشبهك يوما، ستكون غايتي توصيل الرسالة بشرف، سأجعل من المعلم حلما يريدون الوصول له، لا شبحا ينفرون منه سأسعى جاهدة لأكون من الذي قال عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم «كاد المعلم أن يكون رسولا»، فهذه أسمى مهنة يحظى بها الإنسان فيستغلها في بناء عقول ورجالاً لخدمة المجتمع أولتهديمه إذا فلنوصل رسالتنا بضمير وأخلاق.