اختتمت الخميس الماضي في باريس قمة وزراء زراعة مجموعة العشرين ''أكبر تكتل صناعي للدول من نوعه في العالم'' على خطة لإدارة الأزمة الغذائية التي يتوقّع أن تتفاقم مع العام 2050، وكان البنك الدولي على لسان رئيسه روبيرت زوليك أشار قبيل انعقاد القمة إلى خطورة وضعية الغذاء في العالم وأنه خلال عام واحد أي بين جوان 2010 وجوان 2011، زاد عدد ناقصي التغذية في العالم ب 44 مليون شخص، قبل أن يضيف: ''إننا نمر بفترة من التقلبات غير العادية في أسعار الغذاء، الأمر الذي يثير خطرا حقيقيا من وقوع أضرار لا يمكن إصلاحها للبلدان الأكثر ضعفا، إن أعظم تهديد منفرد يواجه الأشد ضعفا في البلدان النامية هو ارتفاع أسعار الغذاء وتقلبها''. حقيقة، أن تلتفت مجموعة العشرين في أول قمة لها من نوعها إلى ملف الزراعة، وأن تعلن مؤسسة البنك الدولي تخوفها من مصير 80 بالمائة من سكان المعمورة يعيشون في الدول النامية، في نفس الوقت الذي تتحرك فيه منظمات المجتمع المدني في الغرب معبرة عن خيبة أملها في مسعى الدول الصناعية الكبرى تجاه السياسات الزراعية في العالم، يعني أننا «فعلا» مقبلون على مشهد يسوده الغموض، وعلى الجزائر «إذن» تثمين ما تملك من أفكار وموارد وخبرات زراعية تحسبا للعام 2050، وهو نفسه العام الذي قال عنه روبيرت زوليك: ''يجب أن يزيد معروض الغذاء في العالم ب 70 بالمائة على آفاق العام 2050 عندما يبلغ السكان 9 مليار نسمة''. فماذا يعني أن تجتمع مجموعة العشرين على ملف الزراعة الخميس الماضي؟ وماذا أعدت المؤسسات الدولية والمنظمات الإقليمية والأهلية من عدة لمواجهة خطر ارتفاع أسعار الغذاء في الأسواق العالمية؟ وماذا على بلادنا فعله حتى تتجنب أزمة أخرى في الأفق هي في طور التشكل؟ السياسات اللازمة أوصت «قبل سنة» ندوة الأمن الغذائي التي انعقدت بمقر البرلمان الجزائري بتكثيف البحوث الزراعية وتطوير البذور وبأولوية الغذاء والاستثمار الفلاحي في سياسات الحكومة، وبعدها ب 6 أشهر بالضبط ارتفعت الأسعار المحلية للغذاء وخرج السكان في احتجاجات عنيفة كلّفت الاقتصاد الوطني حسب شركات التأمين 5 ملايير دينار أي 70 مليون دولار، وكلفت من جانب ميزانية الدولة تخصيص 2 مليار دولار أخرى لدعم سلة من 4 مواد غذائية للعام 2011 وحده، مبلغ كاف لإطلاق استراتيجية وطنية لتحسن انتاجية الهكتار الواحد من الحبوب ودعم انتاج الحليب والبطاطا، إضافة إلى القدرة المالية للخزينة في إطلاق صندوق التأمين من مخاطر ارتفاع أسعار الغذاء وتحسين تمويل الاستثمار في الغذاء الاستراتيجي. وتخشى الدول الصناعية ''اليوم'' من تكرار مشهد قيام روسيا العام الماضي من حظر تصدير الحبوب حفاظا على أمنها الغذائي وهو ما فعلته فرنسا أيضا، مما سرّع من ارتفاع الأسعار، وربما أدى ذلك إلى توسع الاحتجاجات لتطال مصالح الدول الرأسمالية في الجنوب، وخاصة الاستثمارات المباشرة، وقالت الجمارك، الجزائر في آخر احصائياتها بأن واردات الجزائر من الغذاء خلال الربع الأول من العام الجاري زادت ب 10 بالمائة وليس بالضرورة أن يعني ذلك زيادة حقيقية في حجم الاستيراد تحت ضغط الطلب الداخلي، بل يعني أن القيمة النقدية زادت تحت ضغط الأسعار. الشيء الذي دفع بفرنسا خلال الاجتماع الأخير لوزراء زراعة مجموعة العشرين في باريس الخميس الأخير، إلى الدعوة إلى مزيد من الإفصاح عن مخزونات الغذاء، ودعت دول أخرى إلى التنسيق بين سياسات الدول في مجال إنتاج الغذاء وزيادة الانتاجية، وباختصار اتفق كبار العالم على خطة تاريخية لتأمين الغذاء ل 9 ملايير ساكن قوامها تطوير السياسات. والملاحظ أن ذات الدول الصناعية الكبرى، تكثف استثماراتها في الوقود الحيوي القائم على المنتوج الزراعي وتعيق تنفيذ بروتوكول ''كيوتو'' للحد من الاحتباس الحراري المضر بالزراعة، وتجمد عمل جولة الدوحة الخاصة بتنظيم تجارة المنتجات الزراعية. يبدو أن السياسات الوطنية الملائمة لأهداف الأمن الغذائي في دول الجنوب هي الأفضل اتباعا من طرف الجنوب نفسه وخاصة في مجال تثمين السلالات، تحرير الأسواق، دعم البحوث الزراعية وتنسيق السياسات بين دول تصلح لأن تشكل تحالفا زراعيا مهما مثل: السودان، مصر، سوريا والعراق. التمويل وإدارة المخاطر اقترح البنك الدولي قبيل انعقاد اجتماع الخميس في باريس آلية تمويل جديدة تستهدف إطلاق صندوق تأمين مخاطر الاستثمار الزراعي ودعم المنتجين والتحوط ضد ارتفاع أسعار الغذاء، الآلية من إطلاق البنك وتنفيذ مؤسسات مالية وبنكية أهمها بنك ''جي بي مورجان'' الأمريكي للاستثمار وحجمها 4 مليار دولار. آلية موجهة للدول الأقل نموا ويمكن طلب الاستفادة منها من قبل الحكومات، وهي شبيهة بآليات سابقة أخرى تخص التنمية البشرية ومحاربة الفقر ونشر التعليم وتأهيل الاقتصاد، ولكنها في هذه المرة تخص قطاعا محددا هو المنتوج الغذائي، ولحد الساعة لا أحد يدري هل تخدم الآلية الجديدة قدرات الإنتاج المستديم في الجنوب أي الأمن الغذائي للمدى البعيد أم فقط توفير الغذاء بأسعار مناسبة أي التحكم في تذبذب الأسعار ليس إلا. وفيما يخص الجزائر، فإن فوائد توظيف جزء من احتياطي صرف الدولة في سندات الخزانة الأمريكية وحدها تزيد عن كل ميزانية آلية البنك الدولي المذكورة والموجهة لعديد الدول، ما يعني أن الموضوع جزائريا لا يخص تمويل مشاريع الغذاء بل تنظيم السوق على آفاق نصف قرن أي ضمان توازن العرض والطلب وترشيد نموذج الاستهلاك الذي لازال يضخ في السوق طلبا سنويا على البطاطا وحدها قدره 100 ألف طن، ومن الجانب الفني إدارة المخزون وتطوير البذور، ومن جانب السوق تحرير تجارة الغذاء من الاحتكار وإطلاق شركات وطنية عملاقة لتوجيه هذه التجارة كما فعلت البرازيل وتفعل أوربا.