الأيام الجزائرية ( وكالات): إفريقيا... صور ستبقى شاهدة على مسلسل الجوع المخيف المستمر منذ عدة عقود في هذه القارة المنكوبة بعاهات الفقر والجوع والأمراض مقابل تجاهل شبه واعي من طرف العالم. ففي منطقة بحر الغزال بجنوب السودان حيث لقي ما يقارب من 70 ألف شخص حتفهم في عام 1998، هناك بوادر نقص شديد في المواد الغذائية. أما في منطقة الجنوب الإفريقي حيث ترتفع معدلات الإصابة بالإيدز بشدة وتعانى عدة بلدان من الجفاف، فيما تواجه أثيوبيا وإريتريا أيضا مخاطر أخرى. ويلقي البعض، ومن بينهم منظمة الأغذية والزراعة بمسؤولية هذا الواقع الإفريقي على الحكومات الإفريقية، ويرى هذا البعض أن "ضعف الإرادة السياسية هو من بين الأسباب التي حالت دون تحقيق تقدم كاف على طريق الكفاح ضد الجوع منذ مؤتمر القمة العالمي للأغذية العام 1996". لكن كثيرين آخرين، ومن بينهم أكاديميين ومسؤولين في برامج مكافحة الجوع والفقر من أمثال المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة البرفسور "جيفري د. ساكس" والذي أشار إلى أن هناك العديد من العوامل المعقدة التي ينبغي أن تؤخذ في الحسبان، من بينها "زيادة حجم مساعدات الجهات المانحة بقيمة 0.05 في المئة من الناتج القومي الإجمالي للبلدان الغنية". إذا هذه النسبة الضئيلة من الدخل القومي للدول الغنية بوسعها أن تكون من العوامل الرئيسية في الحد من تفاقم أزمات الجوع في مناطق شاسعة من قارة كبيرة مثل إفريقيا. وتربط بعض المنظمات مثل منظمة "الخبز للعالم" وهي مؤسسة أبحاث غير حكومية تعنى بنصرة الفقراء ومقرها واشنطن بين الفقر وتردي مشروعات التنمية في الدول الفقيرة وفي مقدمتها الدول الإفريقية. ويشاركها في ذلك البنك الدولي الذي يرى أن "الجوع يتصل اتصالا مباشرا بأهداف الألفية التنموية مثله مثل تحقيق التعليم الأساسي العام. وأن انعدام الأمن الغذائي والفقر يمكن أن يؤديا إلى التغيب عن المدرسة وخصوصا بين الفتيات". تلقي العائلات الأمريكية 30 بالمئة من الطعام في صناديق القمامة بدلا من أن تمارس الدول الغنية، وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة دورا إيجابيا في مساعدة إفريقيا على الحد من فقرها وجوعها، نجدها على العكس من ذلك تماما من خلال تشجيعها على اللجوء إلى الوقود الحيوي الذي تلتهم محاصيله مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية في إفريقيا. هذا ما أعلنه مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي، الأكاديمي الألماني "كلاوس شواب"، حين قالها صراحة إن "زيادة إنتاج المحروقات الزراعية تعتبر واحدة من القضايا الرئيسية التي يتعين على صانعي السياسات تناولها، "مؤكدا أن" الوقود الحيوي يؤثر على إدارة المياه.. يؤثر على كيفية استخدام الأراضي الزراعية... يؤثر على الأمن الغذائي مسفرا عن قضايا اجتماعية جوهرية لأنه يصيب الأهالي الفقراء أكثر من ذوي الدخل الأكبر". ويشارك "شواب" فيما ذهب إليه المفوض الأوروبي المسؤول عن مساعدات التنمية "لويس ميشيل"، الذي قال في تصريح له مع وكالة الأنباء العالمية "آي بى أس" إن هناك خطرا "من أن تضرر الزراعية التقليدية في إفريقيا إذا ما زرعت محاصيل المحروقات في أراضى سبق وأن استخدمت لإنتاج الغذاء". ولم تتردد بعض الشركات العالمية ممن تنفذ مشروعات لإنتاج الوقود الحيوي، وكما ذكرت إحدى الناشطات في شبكة "الغذاء أولا" للمعلومات والعمل "جيرترود فولك" "أن الفلاحين في أوغندا قد طردوا مؤخرا من أراضيهم لإتاحة إنتاج زيت النخيل، وهو الذي يعتبر المصدر الرئيسي للمحروقات الزراعية المستخدمة في أوروبا". لكن بعيدا عن كل المؤتمرات التي عقدت في العديد من عواصم الدول الغنية ومن أهمها المؤتمر العالمي للغذاء الذي ينعقد بصورة دورية في العاصمة الإيطالية "روما"، يمكن، إذا ما حاولنا تناول موضوع الفقر في إفريقيا بشكل ساخر ولكنه مؤلم في آن، أن نشير إلى أن ما يرمى في قمامة دولة غنية مثل الولاياتالمتحدة يمكن أن يساهم بشكل فعال في محاربة الفقر في إفريقيا. هذه ما يؤكده تقرير علمي أورده موقع وكالة الأنباء العالمية في حين يقول "تلقي العائلات الأمريكية في صناديق القمامة، 30 في المئة من الطعام، ما يعادل تبديد 03.48 مليار دولار سنويا، ويساهم مع ظاهرة الإفراط في الطعام تفاقم أزمتي الغذاء والماء في العالم، إذ يستهلك إنتاج "هامبورغر" واحدة 2400 لتر من المياه". ويواجه برنامج الأغذية العالمي معاناة الجوعي كل يوم، فالنيجر ليست جزيرة اليأس في أفريقيا، بل هي جزء من من أرخبيل معقد من المشاكل تعاني منه القارة. وفي بلدان مجاورة للنيجر مثل موريتانيا ومالي يعانى أطفال كثيرون من سوء التغذية حيث ضاعف جفاف مدمر من الأثر الفادح لأشرس هجوم لأسراب الجراد يتعرض له هذان البلدان منذ 15 عاما. إن المفارقة المحزنة في هذه البلاد هي أنها ليست في حالة حرب بل تعيش في سلام نسبى. وهذه البلدان أيضا لا تعانى من نزاعات أهلية على الموارد الطبيعية الشحيحة. مصيبتهم تكمن في فقر مدقع لا يراه العالم من حولهم. لقد قام برنامج الغذاء العالمي بالتحذير طوال شهور من تفاقم الأوضاع الإنسانية في موريتانيا ومالي، أسوة بالنيجر، بيد أن العالم اجمع صار بإمكانه كما يبدو أن يتعايش مع الكثير من الماسي دون أن يتحرك، ولم تسعد هذه البلدان المصابة بعد بحظها من التغطية العشوائية لكاميرات التليفزيون. ويبدو أننا لم نستظهر بعد أهم الدروس المستفادة من كارثة المجاعة في أثيوبيا في عقد الثمانينات وهو ببساطة انه من الأفضل أن يستجيب المجتمع الدولي بسرعة إلى الإنذارات المبكرة بدلا من أن يتحرك بعد أن يتأخر الوقت. ساعتها يزيد عدد الضحايا وترتفع تكاليف المساعدات بشدة. لقد لعبت بريطانيا دورا كبيرا في الحد من أعباء الديون، بيد أن الإعفاء من الديون لا يعني الكثير لطفل يحتاج إلى الطعام الآن. فمهما كان ما ننوى القيام به، فان المنظمات الإنسانية العالمية بحاجة إلى تبنى "سياسة الغذاء أولا" من أجل ضمان تغذية أفضل للعائلات الفقيرة في إفريقيا. ودون هذه السياسة، فلن يستفيد الجوعى من الفقراء كثيرا من إلغاء الديون والمساعدات التنموية لأنهم عاجزون عن العمل والمشاركة في الفرص الاقتصادية المتاحة بسبب ضعفهم الجسماني الناتج عن الجوع. ويرى خبراء أن الوقت حان الوقت لتبني رؤية استراتيجية، هناك العديد من حالات الطوارئ التي تتفاقم مع مرور الوقت في إفريقيا وتتطلب مزيدا من المساعدات بشكل ملح. ولذا فإذا ما حذرت الوكالات الإنسانية من كوارث متوقعة، يتعين أن تحتاط الحكومات والجهات المانحة على الفور. يقول "غارودي" المفكر الفرنسي أن تحويل أفريقيا إلى قارة مستهلكة وإبقاءها عالة على غيرها في كل شيء مع تفشي الفقر والبطالة أدى إلى قتل الملايين جوعاً ومثلهم بالحروب العرقية والمناطقية القبلية. ويقول الزعيم الليبي "معمرالقذافي" أمام القمة الأخيرة المنعقدة في روما أن الدول الغنية تشتري حاليا أراضي في إفريقيا وتحرم الشعوب الإفريقية من حقوقها وقال أن ذلك سيحدث أيضا في أمريكا اللاتينية. وأضاف أمام الاجتماع المنعقد في مقر منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة "الفاو" انه يجري تجريد صغار المزارعين من أراضيهم بسبب قوى الإقطاع الجديدة التي تأتي من خارج إفريقيا وتشتري الأراضي بأسعار زهيدة. وأردف انه يجب مكافحة هذا الإقطاع الجديد ووضع نهاية لانتزاع الأرض من الدول الإفريقية. ودفع ارتفاع أسعار الغذاء التي سببت شحا في إمدادات الغذاء عام 2008 دولا مثل المملكة العربية السعودية والصين وكوريا الجنوبية إلى شراء أراض زراعية في الخارج. وتعتزم الفاو وضع خطوط استرشادية في محاولة لحماية مصالح المزارعين المحليين من جانب ومصالح المستثمرين العاكفين على إدارة الأراضي الزراعية وغيرها من الموارد الطبيعية من جانب آخر وتجرى مشاورات مع شركات ومزارعين وخبراء مستقلين. وقال وزير الزراعة الفرنسي "برونو لومير" على هامش القمة أن "اقتناص"الأراضي الزراعية من خلال تملكها في البلدان الفقيرة ينبغي أن يتوقف. ولكن مسؤولين بالامم المتحدة قالوا أن الاستثمار في الأراضي قد يعود بالنفع أيضا على صغار المزراعين بالبلدان النامية. وقال "كانايو نوانزي" رئيس صندوق الأممالمتحدة للتنمية الزراعية "وصف ذلك بأنه اقتناص للأرض لغة خاطئة. أنها استثمارات في أراضي زراعية مثل الاستثمارات في التنقيب عن النفط". وفي وقت سابق هذا العام قال المعهد الدولي لأبحاث سياسات الغذاء ومقره واشنطن انه منذ 2006 بيع ما بين 15 و20 مليون هكتار من الأراضي الزراعية في دول فقيرة أو تجري مفاوضات لبيعها إلى مشترين أجانب. ويقول أنصار مثل هذه الصفقات أنهم يقدمون البذور الجديدة والتكنولوجيا والأموال اللازمة للزراعة في اقتصادات تعاني من قلة الاستثمارات منذ سنوات طويلة. لكن جاك ضيوف المدير العام للفاو أكد أمام القمة انه "يجب تشجيع الاستثمار الخاص" المحلي والأجنبي لكن هناك حاجة لقواعد "فضل ان تتفق مع روح قواعد السلوكيات في الاستثمار الزراعي بالبلدان النامية". وأفادت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "FAO" بأن التوقّعات المحصوليّة لعام 2009 قياساً على معدلاتٍ دون المتوسط من سقوط الأمطار، فضلاً عن استمرار النزاعات والتشرُّد السكاني إنما تشكِّل جملة عوامل مُفاقِمة لوضعيّة الأمن الغذائي المُزعزع فعلياً بمنطقة القرن الإفريقي. وإذ يعتمد ما يقرب من 20 مليون نسمة حالياً على المعونة الغذائية بالإقليم، فقد يرتفع هذا الرقم مع انقضاء الوقت خلال موسم الجوع خصوصاً في صفوف المُزارعين الحَديين، والُرعاة، وسكان المناطق الحَضَرية من ذوي الدخل المنخفض. وثمة ظاهرة مستجدة هي تيار "النينيو" البحري الدافئ فوق السطح البحري- وعادة ما يستتبع استهطالٍ غزير قبيل انتهاء سنة الموسم الزراعي - من الممكن أن تزيد الأوضاع سوءاً على سوء، لما يترتّب عليها من سيولٍ وفيضانات وانهيارات طينية، ودمارٍ للمحاصيل في كِلا الحقول ومستودعات خزن الغذاء، وكذلك من خسائر في قُطعان الماشية علاوة على إلحاق الأضرار بالبُنَى التحتية والمساكن. وحتى إن كشفت أسعار الذرة الصفراء كمحصولٍ أساسي على امتداد إقليم شرق إفريقيا، عن اتجاه هبوطي منذ بداية العام فقد ظلّت الأسعار الفعلية مرتفعةً على نفس المستوى السائد قبل عامين. ففي أوغندا وكينيا، على سبيل المثال، سجلت أسعار الذرة في جوان 2009 ضِعف مستوياتها قياسا على الأسعار السائدة قبل 24 شهراً. وفي العاصمة السودانية الخرطوم، سجَّلت أسعار الذرة الرفيعة بوصفها محصولاً رئيسياً آخر، خلال جوان 2009 أكثر من ضِعف مستوياتها السائدة منذ عامين. وبالمثل، فلم تزل الأسعار في العاصمة الصومالية مقديشيو، أعلى مما كانت عليه قبل الأزمة رغم الاتجاه الهبوطي الذي بدأ منذ منتصف عام 2008. وبناء على ضعف القوة الشرائية للأسر الزراعية، ليس مستبعدا البَتة أن تتدهور حالة الأمن الغذائي أكثر فأكثر. وفي حالة الُرعاة بالذات، فإن قِلة المراعي المتاحة تفاقِم أوضاع الماشية وتقلص فرص التسويق، مما يقوِّض بالتالي مستويات الدخل وقدرات الحصول على الغذاء. وقد عانت معدلات تكاثر القطعان من جرّاء رداءة مواسم الأمطار المتعاقبة منذ عام 2007، فيما ألقى بمزيدٍ من الصعوبات في وجه محاولات تحسين سُبل المعيشة المُعتمدة كليّاً على القطاع الحيواني... فضلاً عن مُفاقَمة وضعيّة انعدام الأمن الغذائي عموماً في الأجل الطويل.في أوغندا، ترجح التقديرات أن أكثر من مليون شخص يواجهون أمناً غذائياً مزعزعا، وقد يزداد هذا العدد بمرور الوقت في غضون موسم الجوع لحين حلول منتصف نوفمبرمن العام الجاري. وتقدّر التوقّعات أن الإنتاج المحصولي لمواسم عام 2009، التي استُكمِلَت في مطلع أوت، جاءت أوطأ بكثير من متوسط المستويات السائدة سابقاً، فيما يمثّل رابع حصادٍ رديء على التوالي. وفي مقاطعة "أتشولي" بشمال البلاد على وجه الخصوص، من المُرجّح أن تأتي أول مواسم إنتاج الحبوب والبقول دون المتوسط بما يصل إلى 50 بالمائة. ومن شأن هذه التطورّات السلبية أن تَحدّ بقوّة من قُدرات الأسر على إعادة تكوين أرصدتها الغذائية، أو تحسين حالة أمنها الغذائي الهشّة إثر سنواتٍ من ظروف التشرُّد السكاني بسبب القلاقل الأمنية والنزاعات. وفي كينيا، لا غَرو أن يؤدي الأداء الرديء لما يعرف باسم محصول ذرة "موسم الأمطار الطويل" لعام 2009، مقروناً بنفاد مخزونات الحبوب الوطنية وحظر الصادرات من البُلدان المجاورة، فضلاً عن استمرار الارتفاع في أسعار الحبوب... إلى تقويض قدرات الحصول على الغذاء في صفوف قطاعاتٍ واسعة من السكان. والمقدَّر أن محصول الذرة الصفراء، الذي يغطّي ما يصل إلى 80 بالمائة من مجموع الإنتاج السنوي الكليّ للبلاد سيبلغ 1.84 مليون طنّ، أي ما هو دون المستويات الاعتيادية بنسبة 28 بالمائة. كذلك أدّت عمليات النزوح الجبري بحثاً عن إمدادات المياه والمراعي المتناقِصة إلى تفاقُم حالة الإنتاج الحيواني ورعي القطعان، مع تزايُد فاشيات الأمراض واشتداد النزاعات الناجمة حول الموارد المحدودة. أمّا في إثيوبيا، فالمُقدَّر أن إنتاج محصول ذرة "الِبلغ" الموسمي سيأتي أوطأ من المتوسط بفارقٍ كبير. بل أن نُدرة الأمطار قد ترتّبت عليها خسائر محصولية بحدود 75 بالمائة في بعض المناطق الأشد تضرراً في البلاد. وعلى افتراض فشلٍ جزئيّ لمحصول ذرة "الِبلغ" من المقدَّر أن يرتفع عدد من يتطلّبون معونات طوارئ بحدود 1.3 مليون شخص ليبلغ 6.2 مليون نسمة في المجموع، وفقاً لتقديرات المنظمة "فاو". كما تحذِّر المنظمة من أن فُرص محصول موسم أمطار "الكِرمِت" الرئيسي بإريتريا ليست باعثةً بحالٍ على التفاؤل. تفيد وحدة المنظمة المختصة بتحليل أوضاع الأمن الغذائي والتغذية بأن الصومال تواجه أسوأ أزمةٍ إنسانية منذ 18 عاماً، إذ تمِس حاجة نصف مجموع سكان البلاد، أي ما يقرب من 3.6 مليون شخص إلى مساعدات الطوارئ لإنقاذ حياتهم وسُبل معيشتهم. ويندرج تحت هذا الرقم نحو 1.4 مليون شخص من سكان الريف المتضررّين من جرّاء الجفاف الحادّ، ونحو 655000 نسمة يعانون تحت وطأة ارتفاع أسعار المواد الغذائية وغير الغذائية الضرورية، و1.3 مليون من المشردين النازحين داخلياً نتيجةً للقتال والنزاعات. يذكر أن منظمتا الأغذية والزراعة "فاو" وبرنامج الأغذية العالمي كشفا عن الآثار الجسيمة للأزمة الاقتصادية العالمية التي أضافت أكثر من 100 مليون جائع جديد حيث دفع بعدد الجوعى في العالم إلى 02. 1 مليار نسمة في سابقة تاريخية غير معهودة 265 مليونا في أفريقيا جنوبي الصحراء.