من زار الباهية وهران قبل التغيير الحاصل على رأسها في أكتوبر من العام الماضي ويعود إليها اليوم، يدرك من الوهلة الأولى أن الأمور بدأت تتحرك إيجابا بعد أن أخذت السلطات الولائية المشاكل المطروحة وشؤون التنمية بالولاية بجدية و حزم، بعد أن شابها الجمود،ومسحة التشاؤم تسود، وصورتها تهتز في أعين الكثيرين. فالصورة اليوم تبدو مختلفة -إلى حد ما- عما كانت عليه قبل تنصيب السيد عبد المالك بوضياف على رأس أهم ولاية على المستوى الوطني بعد ولاية الجزائر ، إثر الحركة الأخيرة التي أجرها فخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة في سلك الولاة ، حيث تعد هذه الصورة لعاصمة الولاية بصفة خاصة انعكاسا لما ستكون عليه خلال السنوات القليلة القادمة بعد أن تستكمل بها المشاريع الهامة ذات العلاقة بالتنمية وتحسين الإطار المعيشي للمواطن والبني التحتية وغيرها من المشاريع الأخرى بما فيها تلك التي تندرج في إطار العصرنة والتحديث، سواء التي يجرى إنجازها حاليا، أو المبرمج منها وفق نظرة مستقبلية ثاقبة تمثل العقل الجديد الذي يجب أن يسود بمسايرة عصر لم تعد العقول القديمة صالحة للتعامل معه في عالم جديد تسعي الجزائر أن تجد لنفسها مكانا فيه بين الدول الحية.وتبدو المهمة في الواقع صعبة ورفع التحديات القديمة- الجديدة أقرب إلى المستحيل وذلك بالنظر إلى المشاكل الموروثة المتراكمة على امتداد سنوات طويلة، لكن تبقي العزيمة أقوى من هذه التحديات كما أن توفر النية الصادقة للعمل الجاد والعطاء والتضحية يقهر المستحيل، متى أتيحت بالخصوص الإمكانيات المادية اللازمة للمضي قدما على درب التحديث و العصرنة والإقلاع. ويعد قطاع السكن من القطاعات التي تتمحور حوله هذه التحديات والرهانات في وقت يتطلع فيه آلاف المواطنين ممن يعانون الأزمة إلى تمكينهم من سكنات تأويهم وتحفظ كرامتهم، بعد استفحالها بشكل حاد خلال السنوات الأخيرة وكادت أن تتحول إلى معضلة لولا الشروع في استدراكها على مراحل. وقد علمنا بهذا الصدد أن ما لا يقل عن86الف ملف طالبي سكن مودعة على مستوى المصالح المعنية بمدينة وهران لوحدها وان الجاهز من السكنات ذات الطابع الاجتماعي -الايجاري لا يتجاوز 1300شقة، ولكم أن تقدروا الفارق الكبير بين الرقمين حيث يفوق الطلب العرض بما لا يقل عن 73 ألف طلب؟!. ويتوقع السيد عبد المالك بوضياف والي وهران خلال لقاء جمعنا به الأسبوع الماضي بمكتبه حدوث انفراج في أزمة السكن بصفة تدريجية بعد 3سنوات على أقصى تقدير بفعل البرامج السكنية التي استفادت منها الولاية وشرع في إنجازها والمقدرة بنحو 39الف وحدة سكنية اجتماعية، نصيب “الباهية “ منها 21 ألف شقة. واللافت للنظر أن ولاية وهران وخصوصا عاصمتها سجلت تأخرا كبيرا في هذا القطاع إذ لم تستفد منذ نحو 15 عاما من أية مشاريع سكنية اجتماعية، وهو ما يفسر العجز الحاصل لأسباب عدة، بعضها منطقي في مقدمتها: نقص الأوعية العقارية الذي تعاني منه مختلف الولايات والمدن، فما بالكم بمدينة مثل وهران، تتوفر على مقومات وإمكانيات هائلة ترشحها لتكون عروس البحر الأبيض المتوسط؟! وبحكم تجربته الطويلة التي اكتسبها عندما كان واليا بكل من غرداية و قسنطينة على وجه الخصوص يدرك السيد بوضياف جيدا -أن حل مشكل العقار- صعب، و استرجاع الأوعية العقارية أصعب وأشد-، ويكفي التحلي بالجرأة والشجاعة والإقدام لتحقيق الغرض المطلوب،ويعرف عنه أنه لا يتردد أبدا في تنفيذ أي مشروع وتجسيده على ارض الواقع ، يدخل في إطار المنفعة العامة ، أو له علاقة بالتحديث و العصرنة ، مهما كانت الصعوبات والضغوطات وقوة اللوبيات، وما إطلاق مشروع حي “الباردو” الشهير بأحد الأحياء العتيقة والشعبية بمدينة قسنطينة بعد أن حظي بموافقة السلطات العمومية في البلاد، إلا دليل قاطع على ذلك. وفي هذا السياق تبذل حاليا جهود لدعم مشروع إنجاز 5الاف وحدة سكنية على مساحة أرضية عامرة بالسكنات القديمة والهشة بحي الحمري العتيق إضافة إلى مشاريع حضارية أخرى مرافقة لها ذات صيغة اجتماعية وتربوية.وضمن التصور الجديد لإستراتيجية التنمية على مستوى ربوع الولاية وتحديث وعصرنة مدينة وهران بالخصوص ?تقرر في المرحلة الأولى إعادة تهيئة وتأهيل- موقعي “سكاليرا” و«كوشة الجير” الواقعتان بحي سيدي الهواري، وذلك بإنجاز مشاريع سكنية بدأت بإزالة العشوائيات بهما. وقد رصد في هذا الاطار مليار دينار لحي الحمري و1.4مليار دينار لحي سيدي الهواري وذلك ضمن برنامج طموح بدأ تنفيذه لإعادة تهيئة وتأهيل بعض الأحياء العتيقة بالمدينة. وتم في مرحلة أولى لهذا البرنامج الشروع في ترميم71بناية من حصة 200بنايةرصد لها غلاف مالي قدره 700 مليون دينار مقابل 1500 مليون دينار ل400 بناية أي ما مجموع 600بناية معنية بهذه العملية التي تتولاها شركات أجنبية مختصة من فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، في انتظار التحاق خبرات من الولاياتالمتحدةالأمريكية،كما سيقع ترميم 336عمارة تضم 6607شقة تمول من طرف الرسم على السكن للصندوق الخاص 302/144تمول من طرف الرسم على السكن، كما تمس هذه العملية المعالم التاريخية والأثرية من أجل تأهيلها وإعادة الاعتبار إليها وفق أجندة ضبطتها السلطات الولائية. ويظل مشروع الترامواي لمدينة وهران الذي سيشق بعض شوارعها ، من بين أهم مشاريع البني التحتية، وبالنظر إلى تقدم نسبة الأشغال حاليا يتوقع أن يكون جاهزا للتشغيل في ظرف أقصى عام 2014، إضافة إلى مشروع المطار الجديد الذي كان الأسبوع الماضي محل معاينة من طرف السيد عمار تو وزير النقل علما أنه بقي يراوح مكانه منذ تسجيله سنة 2006 قبل الاهتمام به مجددا. عودة الروح للباهية يبدو لمن يعرف مدينة وهران خصوصا سكانها وأولئك الذين تعودوا على زيارتها أن “الباهية” دخلت مرحلة الحركية النشطة والدينامية بصفة ملحوظة وذلك بفضل المبادرات والعمليات العديدة التي يجري تنفيذها والتي أعادت إليها الروح بعد أن كانت في شبه سبات. هذا ما وقفت عليه شخصيا خلال زيارة خاطفة قمت بها الأسبوع الماضي إلى هذه المدينة الجميلة،ولكنها كانت كافية لاكتشف وجه جديد، حيث تبدو الشوارع نظيفة وتحف الأشجار بعضها من الجانبين، ويزينها البساط الأخضر، كما باتت الطرقات “رحيمة” بأصحاب السيارات الذين كانوا يعانون الأمرين لشدة المطبات والحفر التي كانت تشكل (ديكورا) لها قبل تزفيتها،بما فيها الطرقات التي تقع في محيط مقر الولاية من ضمنها احد الشوارع الخلفية له، والتي كان على ما يبدو موكب الوالي السابق يتحاشى المرور عبرها بما يحمل على الاعتقاد بأنه ربما كان يعيش في كوكب أخر بعيدا عن المواطن و همومه وانشغالاته؟. وليس في هذا الكلام أية مبالغة أو تحامل على أي احد كان بقدر ما هو مستمد من الواقع المزري الذي كان عليه الوضع العام في وهران وشوارعها بالخصوص، على عكس ما هو واقع اليوم مما يجعل التفاؤل بإطار معيشي أفضل في ظل مؤشرات التغيير أمرا ممكننا يشاهدها المواطن بالعين المجردة . وفي هذا السياق عبر لنا مواطنون إلتقيناهم بمدينة وهران عن مدى تفاؤلهم وارتياحهم لهذه البوادر وللتحسن الملحوظ وهي “لا تحتاج- حسب- قول احدهم إلى فلسفة، فكل شيء واضح ويكفي أن نجري مقارنة قبل أكتوبر 2010 وسبتمبر 2011 لندرك الفرق ،واجمع الكل على أن هذا ينعكس إيجابا على يوميات المواطن سواء تعلق الأمر بالنظافة و إعادة التهيئة والتجميل وحتى من حيث الخدمة العمومية ومستواها في الإدارات ذات العلاقة المباشرة بالمواطن، ناهيك عن العناية بالمرافق العامة ومستوى الخدمة المقدمة،مشددين في ذات السياق على أن هناك الكثير يجب القيام به لإعادة الأمور إلى نصابها. ويذهب هؤلاء في تفاؤلهم- إلى حد الحلم- لدى استعراضهم لورشات البناء الجارية ولبعض المشاريع التي كاد النسيان أن يلفها بحكم السنوات الطويلة التي مرت على انطلاق أشغالها لتتوقف فيما بعد قبل أن تنتشلها أيادي الإنسان ، ويتعلق الأمر على وجه الخصوص بمسجد ابن باديس والذي من المقرر أن يفتح أبوابه خلال الأشهر القليلة القادمة بالنظر إلى تقدم وتيرة الأشغال الجارية به،شأنه في ذلك شأن المسجد الأمير عبد القادر) بحي جمال الدين بوهران. ونفس المصير كاد أن يعرفه قصر المؤتمرات بحي الصباح الذي بقي مهملا فترة طويلة بسبب نقص المال وغياب اهتمام الإنسان، إلا أن السلطات الولائية أعادت إليه الحياة من جديد بعد رصد غلاف مالي له بنحو 70مليار سنتيم. أما قطاع الشباب والرياضة فسيتعزز بدوره بمركب جديد بالمنطقة المسماة بلقايد بإقليم بلدية بئر الجير يتضمن ملعبا لكرة القدم بسعة 50الف متفرج إلى جانب منشآت رياضية وشبابية أخرى مختلفة. وإلى جانب اهتمام السلطات الولائية لوهران بكل ما له علاقة بالتنمية وترقية الولاية وتدعيمها بكل المنشات الضرورية وفي مقدمتها البنى التحتية على مستوى ربوعها، أخذت السلطات الولائية على عاتقها بجدية انشغالات المواطن لحل المشاكل المطروحة بصفة تدريجية، وفي هذا الإطار تم ربط العديد من أحياء المدينة وبلديات أخرى بشبكة الغاز الطبيعي، وقنوات الصرف الصحي لأول مرة منذ إنشائها،و تدعيم قدرات الولاية بالمياه الصالحة للشرب من خلال توسيع الشبكة وربطها بالسكنات، وهو ما سمح في أوت الماضي برفع نسبة التموين بهذه المادة الحيوية إلى 74بالمائة بعد أن كانت في حدود 67 في المائة وصولا خلال الأشهر القليلة القادمة إلى ضمانه على مدار الساعة طيلة أيام الأسبوع. ولم يخف السكان- الذين تحدثنا إليهم- فرحتهم بانفراج أزمة المياه، حيث صرح بعضهم ل “الشعب “ بأنهم “يتطلعون إلى تحقيق المزيد من الانجازات في عدة قطاعات ،ومن حقهم اليوم أن يطمحوا إلى الأفضل مادام أن الدولة لا تبخل على أبناءها من أجل تحسين الإطار المعيشي وتوفير سبل الراحة والعيش الكريم للمواطن”. وفي الواقع فإن هذه الصورة المقدمة بعجالة لا تشمل كل القطاعات،كما أنهالا تتعرض إلى المشاكل المزمنة و النقاط السوداء التي تشكو منها الولاية و مازال بعضها قائما إلى حد الساعة، على اعتبار أن حلها والقضاء عليها يتطلب مزيدا من الوقت و تظافر جهود الجميع،خصوصا و أن عملية إعادة ترتيب البيت لازالت في بدايتها،كما أن مرحلة تشخيص الوضع برمته لم تنته بعد. الأكيد أن السيد عبد المالك بوضياف يتعامل مع كل الملفات المطروحة بجدية و مرونة في ذات الوقت، محددا الأولويات،و على الجميع أن يدركوا بأن القضاء على المشاكل المطروحة -لحدتها وتعقيدها - يتطلب خاتم سيدنا سليمان أو عصى موسى،و عليه يمكن القول انه يستحيل إرضاء الناس جميعا، ومهما كان حجم الإمكانيات المرصودة فإنها تظل غير كافية، ما لم يكن هناك حسن التدبير و التصرف فيها،و رجال قادرين تتوفر فيهم صفات المسؤولية و الخبرة و الإقدام ينأون بأنفسهم عن المصالح الشخصية الضيقة لصالح المصلحة العامة.