ينتظر من حركة التغيير والتنقلات التي أجراها فخامة رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، نهاية سبتمبر الماضي في صفوف ولاة الجمهورية، أن تنعكس إيجابا على قطاع التنمية المحلية بعدة ولايات، ولكن بدرجات متفاوتة من النجاح، حيث أن نسبة التوفق في تطبيق أي مخطط تنموي مهما بلغ حجم المبالغ التي ترصدها الدولة له، ترتبط بمدى قدرة السلطات الولائية على التفاعل مع متطلبات التنمية واستعدادها للإصغاء للمواطن، والتكفل بإنشغالاته وفق المتاح من الإمكانيات المادية والمالية. وقد لا تكون المبالغ الهامة المخصصة سنويا للتنمية، ذات جدوى كبيرة على التنمية المحلية، إذا لم يكن هناك حسن التدبير والتصرّف والتصوّر والقدرة على الآداء ومواجهة المشاكل واقتراح الحلول الملائمة لها. تعيش ولاية المسيلة التي ظهرت إلى الوجود، إثر التقسيم الإداري الذي جرى سنة 1974 حسب المؤشرات الأولية والبوادر الظاهرة للعيان مرحلة أكثر نشاطا وديناميكية في تاريخها، تجعل المواطن المسيلي يستبشر خيرا لمستقبل هذه الولاية ذات الطابع الفلاحي الرعوي، تمكّن من إمكانية الإرتقاء بها إلى مصاف أفضل مما هي عليه اليوم تنمويا، اقتصاديا، اجتماعيا، بيئيا... وهي في ذلك تتحدى النقائص والمشاكل المعقّدة نسبيا التي تواجهها وما تزال في مختلف القطاعات، رغم ما بذلته السلطات التي توالت على إدارتها من جهود وما صُرِف من أموال طائلة لزرع النّماء عبر إقليمها، تقدّر بعشرات الملايير من الدينارات لا نبالغ لو قلنا أنها تضاهي ميزانية دولة كاملة من الدول الإفريقية. وتكفي الإشارة في هذا السياق، إلى رصد 153 مليار دينار بعنوان المخطط الخماسي الحالي 2010 2014، وهذا المبلغ غير بعيد عما رصدته الدولة، أي 186 مليار دينار، لفترة 10 سنوات منذ 1999 إلى غاية 2009، للمخططين الخماسيين السابقين. تعثر في إستهلاك الغلاف المالي للمخطط الخماسي السابق وما يجب التوقف عنده بهذا الخصوص حسب ما أكده لنا مصدر مأذون من ولاية المسيلة أن الغلاف المالي الذي إستفادت منه الولاية لحساب المخطط الخماسي السابق لم يستهلَك كلّه، حيث توجد مشاريع معطّلة وأخرى عالقة لأسباب مختلفة، بعضها موضوعي، يعود أما إلى عراقيل بيروقراطية أو لنقص في مؤسسات إنجاز كبيرة، مؤهلة، وكذا في يد عاملة كفؤة، ناهيك عن عدم تسوية المستحقات المالية للمقاولات التي نفذت المشاريع المسندة إليها، الأمر الذي اضطرّها في النهاية بسبب التماطل في الدفع إلى مغادرة الولاية، ربّما دون رجعة..! لكن احتمال إعادة هذه المقاولات لتنفيذ مختلف العمليات المدرجة ضمن المخطط الخماسي الحالي، واستكمال مشاريع المخطط السّابق يبقى قائما، بالنظر إلى الإجراءات والتدابير التي اتخذها المسؤول الأول على الجهاز التنفيذي لولاية ''الحضنة''. الوالي يعمل على دفع مستحقات مؤسسات الإنجاز وكان السيد عبد اللّه بن منصور حسب ذات المصدر قد انكبّ بعد تنصيبه مباشرة في أكتوبر الماضي على رأس الولاية، على دراسة هذا الملف، موليا إياه أهمية كبرى، حيث مكّنته دراسته له من الوقوف على مكمن الأسباب وتشخيص الوضعية ومعالجتها، مع الحرص في ذات الوقت على دفع المستحقات المالية للمؤسسات الدائنة لاسترجاع ثقتها ومصداقيتها في الإدارة. ويراهن الوالي الجديد القادم من المقاطعة الإدارية لدار البيضاء بولاية الجزائر على تفعيل المشاريع المعطلة وبعث أخرى بهدف تنشيط الدورة الاقتصادية والاجتماعية والتنموية بإقليم الولاية بما يساهم في خلق مناصب عمل من شأنها أن تقلل من حدّة البطالة المتفشية بها على غرار الولايات الأخرى، مع ضمان توفير الشفافية في طرق التشغيل والتوظيف ووجوب تمريرها عبر لجان تشكل لهذا الغرض. وأكد ذات المصدر أن عددا كبيرا من مناصب الشغل وقع تجميدها عبر مختلف بلديات الولاية، تمّ الإفراج عنها مؤخرا، بفضل تدخل الوالي شخصيا، مع العلم أنه كانت تتوفر على المناصب المالية التي تسمح بالتوظيف والتشغيل. و بالموازاة مع هذه الجهود المبذولة تعمل السلطات الولائية من جهة أخرى على إعادة النازحين إلى مناطقهم الأصلية مع الحرص على تمكين هذه المناطق بما فيها المناطق الأخرى المحرومة من حقها في التنمية بما يضمن لسكانها الحياة الكريمة مع الأخذ بعين الإعتبار خصوصياتها لإقتراح مشاريع تنموية خاصة بها نتائج دراسية مخيّبة للآمال و1198 قسم مهجور ملف آخر حظي حسب ذات المصدر باهتمام خاص من السيد عبد اللّه بن منصور، يتعلق بملف التربية الوطنية الذي يفرض ذاته، على إعتبار أن نتائج الإمتحانات الرسمية لنهاية السنة التي تحصلت عليها الولاية، كانت مخيّبة للآمال وتتطلب وقفة جديّة من السّلطات المحلية والمركزية وحتى من أولياء التلاميذ، في وقت يوجد فيه 1198 حجرة دراسية مهجورة بمدارس ما تزال موصدة بسبب نزوح الأهالي عن مناطقهم في الأرياف والقرى النائية، بسبب الأوضاع الأمنية المترديّة التي كانت سائدة في التسعينيات. وكان السيد عبد اللّه بن منصور،قد رفع بعد مباشرة مهامه على رأس الولاية، تحدي تحسين النتائج المدرسية في الإمتحانات الرسمية، حيث أنشأ يوم 4 نوفمبر 2010، أي بعد أقل من شهر على تنصيبه خلية تفكير حول تحسين النتائج الرسمية يرأسها الأمين العام للولاية، وضمّت المدراء التنفيذيين لمختلف القطاعات الولائية على غرار قطاعات التربية، التكوين، والشبيبة والرياضة. وحسب السيد رشيد عبيد رئيس ديوان والى الولاية فإن المقترحات التي تقدمت بها هذه الخلية، قد اعتُمدت من قبل اللجنة المشتركة بين وزارة التربية والولاية التي نصبت يوم 29 ديسمبر 2010 كبرنامج عمل لها، حيث اتخذت على ضوئها الإجراءات الإستعجالية لتحسين النتائج المدرسية، خاصة على مستوى الأقسام النهائية. سباق ضد الساعة لتدارك التأخر يستنتج من خلال الاتصالات التي أجريناها مع بعض المسؤولين بولاية المسيلة، يتقدمهم الأمين العام السيد حجار، ومدير التخطيط والتهيئة العمرانية السيد مقدود، أن السلطات الولائية في سباق ضد الساعة لتدارك التأخر الحاصل في بعض القطاعات، «حتى وإن كان الوالي الجديد كما يقول بعضهم يميل إلى الترّوي والتعمّق في تشخيص الأوضاع لمعالجة كل المشاكل القائمة بعيدا عن الإرتجالية، حيث تفرض المشاريع ذات الأولوية ذاتها في أجندته من أجل تسجيلها على ضوء النقائص المسجلة والحاجيات التي يعبّر عنها المواطنون بواسطة مختلف قنوات الاتصال التي وقع فتحها على مستوى بلديات ودوائر الولاية، من أجل التعرّف عليها والعمل على التكفل بها وبالإنشغالات المطروحة، مع الحرص الشديد على ضمان الشفافية في تسيير وتوزيع الإعتمادات التي ترصدها الدولة لفائدة التنمية المحلية والإعانات الموجهة لمختلف الجمعيات الشبانية التي تنشط في الميدان». وفي خانة الأولويات التي يتم التركيز عليها في هذه المرحلة مشاريع وعمليات لها علاقة مباشرة بتحسين الإطار المعيشي والحضري للسكان، و عملا بالمقولة: «مدينة أفضل = حياة أفضل»،فإن من ضمن مايشدد عليه الوالي هو الإعتناء بالمحيط والنظافة، حيث يبقى استلام المشاريع الجديدة مرهون بغرس الاشجار. وطبقا للمثل القائل «أول الغيث قطرة»، فقد شرع في ترميم الطريق الوطني رقم 45 الرابط بين مفترق «بئر سويد» بالقرب من عاصمة الولاية إلى حدود ولاية الجلفة عند إقليم بلدية بوغزول، وذلك عبر أجزاء عديدة لهذه الطريق على مسافة 70 كلم، وهو ما يضع بعد الإنتهاء من الأشغال الجارية به حدا لمعاناة حقيقية لمستعمليه، ليتنفسوا الصعداء، علما بأنه في إطار المخطط الخماسي (2004 / 2009) تم بالنسبة لقطاع الأشغال العمومية ترميم 3300 كلم، حسب السيد مقدود. ومن ضمن هذه الأولويات أيضا تدارك النقص الفادح في السكن علما أنه سجل وجود عدد لايستهان به من السكنات الجاهزة مايزال شاغرا ، وكذا التهيئة العمرانية والجانب الحضري، وتعميم التغطية الكهربائية على كافة التجمعات السكانية بمجموع بلديات الولاية ال47 وأريافها، وكذا شبكة الغاز الطبيعي، والصرف الصحي، ناهيك عن توفير الماء الشروب. ولكن لا يعني هذا إهمال قطاعات أخرى هامة كانت أو ثانوية على غرار المرافق الرياضية وفضاءات الشباب. وتشكل المتطلبات الكبيرة للسكان والنقائص العديدة المسجلة في مختلف القطاعات تحديات ليس من السهل رفعها في ظرف زمني محدود، خصوصا وأن «الإرث ثقيل جدا»، وهو ما يفرض وقوف المسيليين كرجل واحد، وتظافر جهودهم، والتعاون مع السلطات الولائية والبلدية بما يعود على هذه الولاية الاستراتيجية بالنتائج الإيجابية المرجودة، كما على المنتخبين المحليين وضع خلافاتهم وحزازاتهم جانبا. والإبتعاد عن الشعبوية التي لا تخدم الصالح العام. يبقى القول، أن تحريك عملية التنمية بولاية مسيلة تصبح اليوم أكثر من ضرورة، خاصة وأن هذه العملية تشكل من جهة تحريك الوضع الاقتصادي بالولاية مطلبا شعبيا ملحا خاصة من حيث إحداث أكبر عدد ممكن من مناصب العمل التي يلحّ الشباب عليها.. وأصبح بالتالي أحد المطالب المطروحة على الساحة الوطنية، والذي يعدّ التحرك في إتجاهها على المستوى الولائي أحسن وسيلة للإستجابة لها.