الثروة يحققها العمل في ظل حرية المبادرة والتنافس النزيه في سوق تستوجب الشفافية، غير أن الفساد، بمختلف أشكاله، خاصة إذا استشرى وتغلغل في كافة مفاصل المنظومة الاقتصادية والإدارية يعرقل حتما مسار النموويعطل ديناميكية التنمية ويهدد بالتأكيد الأمن المالي للبلاد فيعرض الأجيال لمخاطر لا يمكن تحملها، خاصة في ظل شحّ الموارد وارتفاع حدة شراسة العولمة. حقيقة ليس ممكنا ترك الأوضاع تنزلق أكثر باتجاه تدمير أوسع لمقدرات الأمة وتعريض مكاسب الدولة الجزائرية إلى خطر لا يترك أدنى فرصة للأجيال القادمة في مواجهة عالم لا يقبل للبلدان الناشئة بالتموقع في الأسواق، بل تسعى القوى الكبرى لفرض سيطرة شركاتها ذات الأذرع العابرة للحدود على مصادر الطاقة بما فيها المتجددة والأسواق لتستمر علاقة هيمنة أحادية. الضربة القوية التي تم توجيهها لبؤر الفساد على مختلف المستويات ومراكز التخطيط لجرائمه وأدوات تنفيذها توقع نهاية مرحلة وبداية أخرى تؤسس لتوجه جديد يجب أن ينتهجه الاقتصاد الوطني، بحيث يرتكز الأداء في كل القطاعات، خاصة التي يراهن عليها في إنتاج القيمة المضافة، على معايير الشفافية في تعامل الإدارة مع المؤسسات والمتعالمين. حقيقة يشكل التأخر في معالجة الجانب السياسي للأزمة الراهنة معضلة تلحق ضررا بالغا بالدينامكية الاقتصادية، وبالذات بالنموالذي يواجه تحديات مالية واستثمارية وإنتاجية ينبغي أن تنطلق مواجهتها في الميدان من خلال إعطاء دفع قوي لعمل المؤسسات الاقتصادية التي تتوفر على مؤشرات النجاعة وفقا لقواعد السوق، ويمثل معرض الجزائر الدولي في هذه اللحظة، رغم صعوبات مؤشرا صحيا يؤكد وجود إمكانيات وطاقات تؤسس لبعث الحركية مجددا وفقا «لمناجمنت» يراهن على العنصر البشري والكفاءة. لذلك فان الوضع الراهن لا ينبغي أن يعطّل كثيرا عجلة النمو، التي تحتاج إلى أن يدرك جميع الشركاء وبالذات الطبقة السياسية مدى الخطر الاقتصادي المحدق، وذلك بتغليب خيار الحوار السياسي بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية، ضمن المسار الذي يقود إلى إعادة تشكيل البنية الاقتصادية الجديدة الكفيلة بأن تضع المؤسسة الإنتاجية في جميع القطاعات في مقدمة قاطرة التغيير الشامل الذي يحمل تطلّعات «الحراك». إن تلك التطلّعات التي يعبّر عنها الشعب يجب أن تبقى في نطاق الحرص على مستقبل البلاد، وهوما يتطلب حتما الإسراع في صياغة مخرج توافقي في أقرب الآجال، مما يقود إلى بناء وتعزيز التقاطع الحيوي والفعال بين المسارات السياسية والاقتصادية التي تفضي في النهاية إلى إعادة تشكيل منظومة اقتصادية جديدة، ترتكز على قواعد واضحة تضمن الشفافية بين دواليبها المفصلية، تتقدمها المنظومة البنكية وصولا إلى المؤسسة ورجال الأعمال.