يرى الخبير في الشؤون الأمنية والأستاذ بجامعة الجزائر الدكتور أحمد عظيمي، في هذا الحوار الذي خصنا به، على هامش ندوة فكرية حول «العلاقات الجزائريةالأمريكية، آفاق مستقبلية»، نظمها مركز «الشعب» للدراسات الإستراتيجية، أمس أنه آن الأوان لكي تطور الجزائر علاقتها مع الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد القضاء على مشكل الإرهاب، بشكل يسمح بخدمة مصالحها الداخلية، معتبرا أن إرساء نظام سياسي ديمقراطي ومحاربة الفساد ومنح المناصب العليا للكفاءات عوامل من شأنها أن تضع حدا للتدخل الأمريكي في الشأن الداخلي، وبالتالي تفادي ما يحدث في بعض الدول العربية. وشدد عظيمي على ضرورة استغلال الجزائر لخبرتها في مجال مكافحة الإرهاب من خلال إصدار كتب تعرف بالظاهرة وبنظرتها في هذا المجال، وتقيم ثرواتها حتى يمكن مبادلتها مع الأمريكيين. @@ $: كيف تقيمون العلاقات الجزائريةالأمريكية في ظل التطورات التي تعرفها المنطقة العربية ودول الساحل؟ @ الدكتور أحمد عظيمي: يمكن الحديث عن العلاقات الجزائريةالأمريكية من خلال ثلاث مجالات أساسية، المجال الأول الاقتصادي وهذا معروف فمنذ استعادة الجزائر لسيادتها الوطنية أرست علاقات اقتصادية قوية جدا مع هذا البلد، ارتكزت على عنصر أساسي هو البترول وهي العلاقة التقليدية التي استمرت إلى غاية اليوم حتى لما كانت العلاقات مقطوعة بعد حرب 67. أما في المجال السياسي فبدأت العلاقة في وقت الثورة التحريرية، حيث كان هناك بعض الشيوخ الأمريكيين الذين وقفوا وساندوا الثورة الجزائرية ومنهم كنيدي الذي أصبح رئيسا فيما بعد وبعد استعادة الجزائر لسيادتها الوطنية تأثرت هذه العلاقات في أحيان كثيرة بالموقف الأمريكي المدعم لإسرائيل في اغتصابها لفلسطين بحيث وصلت الأمور كما قلت سابقا إلى قطع العلاقات في1967. الآن نحن في زمن العولمة وفي هذا الزمن العلاقات السياسية تختلف في طبيعتها وممارستها عن الزمن السابق، ففي هذه المرحلة يبدو لي أن من خلال متابعتي للعلاقات الجزائريةالأمريكية أن الطرف الأمريكي يعرف ما يريد وله إستراتيجية واضحة في هذا المجال ويبذل مجهودات في إطار معين ليخدم مصالحه، مقابل هذا الطرف الجزائري أرى أنه لا يعرف ماذا يريد وليست له إستراتيجية واضحة محددة كما كانت في مرحلة الستينيات والسبعينات فهو لا يحاول أن يفعل أي شيء من أجل أن يتواجد في أمريكا التي لا يحكمها الرئيس ولا وزير الخارجية بل تحكمها اللوبيات والمصالح والجزائر كانت لها علاقات مع بعض اللوبيات في مرحلة الثورة التحريرية والستينيات والسبعينات واليوم لا، صحيح أن فترة الإرهاب جعلتنا نبتعد عن السياسة الدولية لكن الإرهاب اليوم انتهى والمفروض أن تعود الجزائر بقوة إلى تطوير العلاقات الجزائريةالأمريكية بما يخدم المصالح الجزائرية. المجال الثالث، في العلاقات الجزائرية-الأمريكية ظهر خاصة في 2001 في مجال محاربة الإرهاب بحيث أن الولاياتالمتحدةالأمريكية أصبحت تعتبر الجزائر كدولة لها تجربة جدا في هذا المجال وهي تحاول أن تستفيد منها كما تحاول أن تنسق بعض الجهود معها لمحاربة الإرهاب العابر للأوطان. في هذا المجال بالذات هناك اختلافات تبرز من حين لآخر منها أن الجزائر ترفض رفضا قاطعا أي تدخل عسكري أجنبي في المنطقة بينما الولاياتالمتحدةالأمريكية تبحث عن مصالح لها، كما أن الجزائر تهدف إلى القضاء على الظاهرة الإرهابية بكل الوسائل ومسحها من العالم، بينما هدف أمريكا ليس هذا وإنما السيطرة فهي تستعمل الإرهاب من اجل التواجد في المنطقة، حتى لما خلقت الولاياتالمتحدةالأمريكية الأفريكوم وبدأت تبحث عن موقع لها في شمال إفريقيا الجزائر كان لها موقف هو الرفض الكامل لتواجد هذه القوى في المنطقة مما اضطر الولاياتالمتحدة أن تضعها مؤقتا في مقر الحلف الأطلسي بألمانيا، والاختلاف الثاني الذي وقع التدخل العسكري في الساحل والصحراء بالنسبة للجزائر ترى انه بإمكان دول المنطقة في إطار تنسيق عسكري وامني بينها أن تقضي على هذه الآفة في دول الساحل في وقت أمريكا تريد بكل الوسائل أن تتواجد عسكريا لتسيطر عليها ونحن نعرف في الجزائر أن التدخل الأجنبي لا يحل الأزمة بل يؤزمها لذلك كان موقف الجزائر رفض التدخل العسكري الأجنبي. واليوم هناك عنصر في نفس الإطار طرأ أخيرا هو ما يجري في ليبيا فالولاياتالمتحدة وفرنسا اختارتا ودعتما تغيير النظام بهذا البلد في حين الجزائر موقفها كان متذبذبا بحيث لم تدرك من البداية ما الذي ينبغي فعله. @@ كيف تفسرون إزداوجية الخطاب الأمريكي اتجاه الجزائر ففي الوقت الذي تشيد فيه السلطات الأمريكية بمجهودات الجزائر في مجال مكافحة الإرهاب تصدر ممثلتيها الدبلوماسية بيانات تحذر فيها رعاياها من التنقل في بعض المناطق بحجة الخطر الإرهابي؟ @ هذه الازدواجية ليست متعلقة بما ذكرت فقط، ونتذكر قبل أكثر من سنة لما قررت الولاياتالمتحدة إدراج الجزائريين ضمن قائمة من رعايا الدول التي ترعى الإرهاب حسبها وكان هناك رد فعل كبير من طرف الجزائريين، لأنه لا يمكن أن تكون من جهة هناك تصريحات من طرف السياسيين والخبراء الامريكين تقول أن الجزائر لم يعد فيها إرهاب وان لها دور في محاربته، ومن جهة أخرى يخضعوننا لتفتيشات معينة في المطارات، هذه الازدواجية موجودة لديهم ويحاولون استغلالها في إطار خطة معينة لتحقيق أكبر المصالح لبلدهم. من جهة ثانية، المسألة الأمنية بالنسبة للأمريكيين هي مسألة لها أهمية كبيرة جدا فالمواطن الأمريكي ليس كالمواطن الجزائري أو العربي له قيمة كبيرة وعندما لا يقوم أي مسؤول بدوره يعاقب، لذلك يكون أسهل على السفير أن يكتب بيان يحذر فيه من انفجارات أفضل من ألا يقول هذا. وهنا اعتقد أن المشكلة أعمق من هذا، فمن جهة يحاولون الاستفادة من التجربة الجزائرية واستنتاج الدروس منها، ومن جهة أخرى لا يمنحوننا أي شيء وهنا لا ألوم الأمريكيين لأنهم يبحثون دائما عن مصالحهم ومصالح بلادهم، بل ألوم الجزائري الذي لم يعرف كيف يثمن ما لديه من معلومات ولم يعرف كيف يبيع ما لديه من خبرة ولم يعرف كيف يجعل لثرواته قيمة يبادلها مع الأمريكيين. المشكلة إذن عندنا وليس عندهم هم بلد كبير يعمل من أجل مصالحه ونحن لم نعرف لحد اللحظة كيف ندافع عن مصالحنا، فلحد اليوم لم ننتج كتابا واحدا حول كيفية محاربة الإرهاب رغم أننا ضحينا بالكثير من أجل القضاء على هذه الآفة ورغم أننا لدينا المئات من العسكريين ورجال الأمن الذين شاركوا في محاربة الإرهاب ولديهم خبرة في هذا المجال ومع ذلك ليس لدينا ولا وثيقة واحدة تبين لنا كيف تتم محاربة الإرهاب، بالمقابل تحاول أمريكا استغلال هذه الثروة التي لم نستغلها نحن ولم نكتبها ولم نعرف بها لتصبح الخبيرة في هذا المجال. من جهة أخرى لدينا إمكانيات اقتصادية معتبرة وجغرافية مهمة جدا ولدينا رجالات في العالم لم نعرف نحن كيف نستغلهم لذلك نلوم أنفسنا. @@ ألا ترى أن مواقف الجزائر الثابتة اتجاه ما يحدث في العالم ما يجعل الساسة الأمريكيون يتحاملون عليها في كل مرة من خلال نشر تقارير سلبية عن وضعية حقوق الإنسان والحريات الدينية؟ @ أكيد أن الولاياتالمتحدة تستعمل كل الوسائل للسيطرة على منطقة معينة بما فيها الضغط، الرشوة، و خلق مشاكل داخلية، ونحن نعرف الولاياتالمتحدة وسياستها وندرك ما تهدف إليه ونعرف أيضا العلاقات الأمريكية مع إسرائيل، فهي تريد أن تضحي بجميع العرب من أجلها، لكن مقابل هذا هناك ضعف عندنا فالأمريكي مثل التاجر الشاطر الذي لديه سلعة معينة ولها قيمة معينة فيحاول أن يبيعها لك بضعف سعرها، فإن كنا أذكياء وحذقين يمكننا أن نأخذ السلعة بثمنها وليس بأقل من ثمنها، وان لم نكن كذلك يبيعنا السلعة بضعف سعرها ونفس الشيء في السياسة هو يحاول أن يضغط علينا فإن وجد فرصة للتغلغل دخل وفرض سيطرته ولكن لما نكون أقوياء ولدينا الشرعية ونظام سياسي ديمقراطي مرتبط بالشعب والشعب يحمي النظام فذلك لن يكون، ولنا دليل في إيران فهم يريدون إسقاط النظام منذ ثلاثين سنة ولكنهم لم يتمكنوا من ذلك لان النظام السياسي نابع من وسط الشعب وهو من يحميه وهذه القوة الحقيقة، لذلك نقول باستمرار أنه لا بد من محاربة الفساد، وإرساء نظام سياسي ديمقراطي، ومنح المناصب العليا للكفاءات ولحظتها الولاياتالمتحدةالأمريكية لا تستطيع فعل أي شيء فهي عجزت في الفيتنام عسكريا وفي الكثير من الدول التي تسير أمورها بمنطق ومن طرف خبراء ومختصين لكنها عندما تجد ضعفاء في الحكم تستغل البلد وثرواته وهذا ما يقع في الكثير من الدول العربية وفي كل مرة تصفع العرب وآخر شيء هو الاعتراف بالدولة الفلسطينية بحيث تهدد باستعمال الفيتو وستستعمله لعدم السماح بوجود دولة فلسطين في الأممالمتحدة.