كشف معرض »الجزائر صناعات« في طبعته ال 5 الفجوات الكبيرة التي يعرفها القطاع الاستراتيجي في مجال الاستثمار في الموارد البشرية في تسيير الأخطار والأزمات وتهيئة مناخ الأعمال لمواجهة تحديات الظرف ومتطلبات المرحلة.وأظهر كم هو استعجالا التحرك السريع لإصلاح هذا الخلل الرهيب الذي يستحيل تحقق النمو والتشغيل بالاستخفاف به في وقت أدركت فيه الوحدات حتى الأكثر إلحاحا على توظيف التكنولوجيا في رفع الإنتاج وتوسيع النشاط أن العامل البشري عصب كل إستراتيجية وبناء ودونه تسقط حسابات التقويم والتجدد في الماء. والمؤسسات الجزائرية التي تسابق الزمن من اجل التموقع في الخارطة الاقتصادية المتغيرة واقتحام الفضاءات البعيدة لا يمكنها البقاء على الهامش وتشد على القاعدة، بل أنها أكثر الهيئات مطالبة باعتماد هذا النهج لاستدراك التأخر الكبير في تكوين موارد بشرية من طراز عال تمنحها القوة والحصانة، وتعطيها إضافة في التنافسية الشرسة. شددت على هذا الجانب اللقاءات والندوات المبرمجة على هامش معرض »الجزائر صناعات« المختتم يوم الخميس بعد 4 أيام من النشاط شكل صورة حية لواقع الاقتصاد الجزائري الذي ما زال بعيدا عن الطموح ولم يخرج من الندرة والكساد بالرغم من البرامج المتعددة والأموال المرصدة وتوجيهات الخطاب السياسي الملح على الإقلاع الصناعي والعودة إلى أيام زمان حيث فرضت الصناعة نفسها قوة وواجهة لخلق الثروة والقيمة المضافة والعمل مساهمة في فترة وجيزة من تحسين القدرة الشرائية والاستقرار الاجتماعي. ليس في الأمر اكتشافا إذا شددت ندوات النقاش في معرض »الجزائر صناعات« المنظم من شركة المساهمة »باتماتيك اكسبو« وبشراكة مع الغرفة الجزائرية للصناعة والتجارة ونظيرتها لمقاطعة مرسيليا، على تسيير الأخطار الصناعية وأمن المنشآت والمرافق والاعتماد على الخبرة المختصة في هذا المقام، وهي مجالات لم تنل حقها في الإستراتيجية المنتهجة من المؤسسات الجزائرية التي لم تتحرر بعد من ذهنية »البايلك« ولم تبتعد عن طابع »العائلية« المتمادية في الانغلاق على الذات ورفض الانفتاح على خدمات أهل الاختصاص بداعي السرية المطلقة. في هذه الوضعية التي تعيشها المؤسسات الخاصة المنغلقة وراء حواجز وممنوعات مبالغ فيها لا يسمح بتسرب أي معلومة مهما كانت بسيطة، ولا يقبل لأحد الاطلاع على سير العمل وتقسيمه واختصاصات النشاط بحجة »سري للغاية« يتحول المسير إلى الكل في الكل، ولا يعتمد خطة عمل دقيقة تتقاسم فيها المهام حسب درجة الاستحقاق والاعتبار والمهنية. ولم تفلح اللقاءات الإعلامية والمنتديات في إقناع المؤسسات العائلية بجدوى الانفتاح والاندماج في التحول والتجاوب مع البرنامج الوطني للتأهيل الذي يساعدهم في كسب قوة ومناعة يحتاجونها في تحسين العمل ومهنيته ومواجهة منافسة لا تقبل بأي علامة غير مسجلة ومنتوج لا يحمل المواصفات رأس المال الذي لا يحول ولا يزول. من جهته كشف الإحصاء الاقتصادي الأول عن هذه الحقيقة متوقفا عند الأسباب التي أدت بمتعاملين ورؤساء مؤسسات عائلية الاختفاء وراء حواجز صنعوها لأنفسهم رافضين الاندماج في المحيط الاقتصادي المتفتح إلى أبعد الحدود، وكان السؤال المحير هل تتمكن الوحدات الرافضة الاستثمار في الموارد البشرية وعدم قبول اقتراحات حلول المختصين في تطوير العمل وإعادة هيكلة النشاط واقتحام التكنولوجيا المتطورة من فرض الوجود؟، وهل تمتلك قدرات خارقة للعادة تجعلها في منأى عن التطور في زمن باتت فيه السيطرة الكلية للعلامات المسجلة صاحبة التجربة الغارقة في القدم؟. المؤكد أن هذه الحالات تعاكس الخطاب السياسي ومحتوى السياسة الوطنية التي وضعت برامج ومشاريع كبرى تراهن على الإستراتيجية الوطنية الصناعية في إنجاحها دون اتكالية مفرطة على الأجنبي المتردد في تحويل التكنولوجيا والمعارف، المتمادي في النظر إلى الجزائر على أنها مجرد سوق استهلاكي. 1052 وحدة جديدة والوضع يراوح مكانه الحالات المذكورة تسير عكس الإجراءات المتخذة في سبيل مرافقة الصناعة الجزائرية وتسليحها بالمعارف والعلوم وأبجديات المواصفات، وهي مسألة أساسية للصناعة الجزائرية التي لم تخرج من النفق رغم الموارد المالية والبشرية، ولم تستغل الظرف لبلوغ أحسن النتائج مثلما تترجمه الأرقام التالية، فقد عرفت الصناعة الجزائرية تراجعا في النمو العام الماضي ب9،0 في المائة بعدما ظلت مستقرة في تحقيق الانتعاش على مدار السنوات الثلاثة الأخيرة بالغة عتبة نمو 5 في المائة 2009. ورغم تعزيز الحظيرة الصناعية ب 1052 وحدة جديدة العام الماضي تضاف إلى 147800 مؤسسة لا زالت الصناعة الجزائرية بعيدة عن الأهداف، وتعد الأضعف في خلق الثروة مقارنة بالقطاعات الأخرى. من أجلها تخوض الجزائر معركة مصيرية من اجل تمديد التفكيك الجمركي مع الاتحاد الأوروبي إلى 2020 بدل 2017، ورفض الضغوطات من كل جانب اعتقادا راسخا منها أن هذه المهلة ضرورة حتمية للاقتصاد الوطني الذي خرج منهكا من سياسة التعديل الهيكلي ومخططات التقويم والنجاعة، ويحتاج إلى فترة زمنية لشد الأنفاس والإقلاع. تحمل الجزائر في عرض ملفها على الطرف الأوروبي أدلة قاطعة على جدوى الطلب وتوازنه واستقامته بالتأكيد على الخلل الكبير في تطبيق اتفاق الشراكة لا سيما من جانب بقاء تدفق السلع عليها دون مرافقتها باستثمارات منتجة تكسر النظرة الماركنتيلية الضيقة، فقد ارتفعت حجم المبادلات الأوروبية مع الجزائر منذ تطبيق الاتفاق إلى 20 مليار دولار بينما ظلت إيرادات الجزائر خارج المحروقات في أدنى مستوى دون تجاوز 01 مليار دولار، ومعناه أن الجزائر تصدر ما قيمته دولار وتستورد بعشرين أمثاله، ومطلبها الملح من أجل تمديد أجل التفكيك الجمركي يستند إلى أسس واقعية جديرة في الأخذ بالحسبان.