تشكّل مساعي مكافحة الفساد في الوقت الراهن إحدى الأولويات القائمة، بهدف تعميق جهود تطهير المشهد السياسي والاقتصادي من مختلف الشوائب والتجاوزات، ومن ثمّ السير نحو تكريس الشفافية وإرساء دولة الحق والقانون التي يتطلّع إليها الجميع، وما تجدر إليه الإشارة، فإن قطاع العدالة ينتظر منه الكثير في هذه المرحلة الراهنة والتي توصف بأنها مفصلية وحاسمة، من خلال لعب دوره المنوط به، وبالتالي استعادة هيبة دولة الحق، عن طريق تطبيق القانون على الجميع وفرض مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية على وجه الخصوص. من المفروض أنه في إطار مكافحة الفساد ينبغي أن تلعب كل من المنظمات المهنية الاقتصادية على سبيل المثال نذكر منتدى رؤساء المؤسسات والاتحاد الوطني للمقاولين العموميين ومختلف التنظيمات القطاعية الأخرى، سواء كانت وطنية أو محلية من جمعيات السياحة والبنوك والمقاولين وغرف التجارة وما إلى غير ذلك، في الانتقال بالفعل الاقتصادي إلى مستوى يتناسب مع طموحات وتطلعات المرحلة الجديدة، من خلال إطلاق المبادرات في ظل الشفافية في المعاملات، وبالإضافة إلى السير نحو فتح الأفق أمام الكفاءات التي من شأنها أن توفر أسباب وعوامل إنتاج واستحداث الثروة بمعايير عالية وباحترافية، وكذا ترشيد النفقات وحوكمة تسيير المشاريع والصفقات والأسواق وبرامج الشراكة، لأن هؤلاء الفاعلين اليوم حتى وإن كان من بين أعضائهم من تورطوا في الفساد من سرقة للمال العام وتهريب للعملة الصعبة، فبالتأكيد على مستوى الصف الثاني والثالث من باقي الأعضاء، هناك مقاولين ورؤساء مؤسسات لا ينبغي أن يوضعوا في خانة المتورطين وتمنح لهم الفرصة في بناء اقتصاد وطنهم. ولا يخفى أن المسؤولين الذين لازال لديهم أدنى حدّ من الاحترافية والمصداقية، يجب أن يأخذوا زمام الأمور من خلال الحرص على الخروج للساحة بهدف محاولة التقاط الخيط الرفيع أي خط الثقة، حتى يستأنفوا العمل والقيام بمهمتهم على أكمل وجه، عن طريق المساهمة في تطوير آلة الإنتاج والرفع من حجم التحديات الاقتصادية التي تحتاج إلى إعادة الاعتبار لقيمة العمل والانضباط بالاحترافية والعمل على ضوء الشفافية، حتى يتسنى تقييم الأداء وتشجيع من ينجح في كسب الرهانات وتمنح فرصة أخرى لكل من يخفق بالدعم والمرافقة وتصحيح الخلل. وبهدف تفعيل جهود مكافحة الفساد، لا ينبغي أن نعول على القضاء وحده في استئصال شأفة الفساد بل الجميع مطالب في المشاركة في معركة مكافحة الفساد حتى تكون فعّالة وعميقة لذا المنظمات والأحزاب مدعوة بدورها ويجب أن تتحرك من جهتها وتعمل بدورها على محاربة الفساد كون استئصاله صار حتمية، من أجل التفرغ لمسار التنمية وتخليص الاقتصاد الوطني من قبضة الفساد، التي استنزفت المبادرات والأموال خاصة بالعملة الصعبة، وأهدرت المال العام تحت طائلة القانون من خلال تضخيم الفواتير، وكذا انجاز المشاريع بتكلفة عالية لكن من دون احترام معايير الجودة. دون شكّ فإنها بداية مكافحة الفساد، ومن الضروري أن تبقى مستمرة بل تكون ملازمة لجهود التنمية ومستمرة ترافق خطوات تجسيد خطط الإنعاش وترقية الأداء الاقتصادي، ولا يكفي أن يحارب الفساد على مستوى القمة بل عملية التطهير، يجب أن تسري على مختلف المستويات، حتى يمكن قطف ثمار عملية تجسيد البرامج التنموية من دون عرقلة، كون الفرص مازالت قائمة بهدف التحرّر من التبعية النفطية. ويرتقب أن تسقط شأفة البيروقراطية وتختفي هيمنتها التي تخيّم على الإدارة، بتراجع الفساد الذي كان أحد الأطراف التي تغذيها وتشجع استشرائها.