لا يمكن أن يكون الإقلاع الاقتصادي في الطريق الصحيح، ويستحيل أن تفعل جهود التنمية بعيدا عن الصرامة في مكافحة الفساد بلا هوادة ومن خلال تطبيق القانون بشفافية ونزاهة، حيث يتحمل قطاع العدالة جانب واسع من المهمة والكثير من المسؤولية، على خلفية أن جهاز العدالة يملك القوة والتفويض في تطبيق القانون بحذافره في جو شفاف، وحتى لا تتكرر صور ومشاهد سابقة على غرار أخطاء سجن الإطارات بشكل عشوائي، تفاديا لحدوث شرخ في نسيج المنظومة الاقتصادية بمختلف مكوناتها، سواء تعلق الأمر بالقطاع العام أو الخاص. إن المرحلة الجديدة ينبغي أن يكون فيها جهاز القضاء بحجم تطلعات المواطنين، التي من المفروض أن يقبل فيها الجزائريون في بناء وطنهم بصدق ونزاهة ولا يدخرون جهدا من العطاء في معركة البناء المستمر والتنمية المستدامة السليمة والسلسة، حتى تتوارث الأجيال مكاسبا حقيقية وتقليدا صحيحا يخلو من الاختلالات والنقائص الفادحة والخلافات المضرة التي تحدث تصدعات تؤثر على الأداء، لذا بات من الضروري أن ينظف القضاء بيته من الشوائب التي تكبله وتضرب مصداقيته لدى الرأي العام، وبالتالي إعادة الشفافية المنشودة لآلياته، بل و مطالب في الوقت الراهن أن يتقبل رقابة المجتمع المدني والإعلام، لأن المهمة حساسة وتترتب عليها نتائج حسب طبيعة أدائها، تفاديا الوقوع في أخطاء ستكون لديها آثار وخيمة وكلفة اقتصادية واجتماعية باهظة الثمن. يمثل القضاء الآلية المثلى التي يرسى بقوتها ونزاهتها وشفافيتها دولة الحق والقانون، حيث كل شيء يتوقف على طبيعة دواليب القضاء، الذي لم يسلم نفسه من النقد حيث خرج القضاة للتعبير عن إرادة جديدة وتطلعات تتطابق تماما مع تطلعت الشعب الجزائري بمختلف فئاته وتوجهاته ومشاربه، لكن كل هذا غير كافي لأنه ينبغي إحداث التغيير داخل المنظومة القضائية، مثل الجدية والاحترافية وخضوع القاضي وأدواته إلى قوة القانون، ويجب أن يقبل النقد ولا يختبأ تحت سلطان القانون أي «السلطة التقديرية» للقاضي حتى لا يرتكب أخطاء وربما تؤدي إلى حدوث تلاعبات وتصنف ضمن خانة الفساد، الذي من المفروض صار صفحة من الماضي ويحتاج إلى قطيعة الجميع خاصة بعد الهبة الشعبية التي عبرت عن استنكارها لكل مظاهر الفساد، ودعت في نفس الوقت إلى فرض الشفافية واقتلاع جذور الفساد. إذا بناء قاعدة اقتصادية صلبة، يتطلب حوكمة التسيير وإدارة كل الجوانب ذات الصلة بإدارة المال العام أو تسيير مؤسسة أو إنجاز استثمار، ويتصدرها تطهير مناخ الأعمال وإرساء العدالة في منح القروض ونجاعة التحصيل الجبائي والرقابة الاقتصادية وتحويل الأموال بالعملة الصعبة لقطع الطريق في وجه مهربي المال العام، والمسؤولية تبدأ من العامل البسيط إلى الإطار وكذا المسؤول لفك عقد التحرر من التبعية النفطية وبلوغ سقف مقبول من النمو والسير بخطى صحيحة وثابة لإقلاع اقتصادي لا يشوبه أي انحراف. إن إرساء قواعد الممارسة الاقتصادية الصحيحة تجعل من مهمة التمييز والقدرة على التفريق بين المتعامل الحقيقي والمزيف، وكذا المستثمر الذي يحرص على تقديم القيمة المضافة والمستثمر الذي يغش في المعركة التنموية ويبحث فقط عن مصالحه الشخصية الضيقة سهلة المنال وواضحة للجميع، فلا يعقل أن يقتحم مستثمر ينطلق من العدم الحياة الاقتصادية، حيث ينال ما يحتاج من القروض وتفتح في وجهه أبواب العقار الصناعي ويستفيد من اليد العاملة التي لا تكلفه كثيرا ويستغلها في الإنتاج ثم يسوق منتوجه بسعر مرتفع لا يأخذ بعين الاعتبار القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة، وفوق كل ذلك يحول كل أرباحه للعملة الصعبة ويهربها تارة بطرق شرعية مثل التخفي وراء استيراد مواد أولية من الخارج، وتارة أخرى يهرب أمواله بطرق ملتوية في الخفاء.. فهل الأمل قائم لطي هذه الصفحة السوداء وإزاحة الفساد والمفسدين؟