الكتاب يتعامل مع مفهوم أمن الخليج العربي الفارسي كردة فعل على التحديات الجديدة طويلة المدى وغير العسكرية، في الوقت الذي يستعمل فيه المؤلف مصطلح “الخليج الفارسي العربي” أحيانًا، وهو يعود إلى مصطلح “الخليج الذي يراه محايدًا، ونلفت نظر القارئ إلى ملاحظتنا الهامشية في نهاية هذا العرض بخصوص المسألة. أما المؤلِّف، كريستيان كوتس أُلركسن، فهو يشغل منصب نائب مدير برنامج الكويت للبحث في التطور والإدارة والعولمة في دول الخليج، وهو تابع لجامعة “مدرسة لندن للاقتصاد والسياسية / LSE “ . المحتوى قسم المؤلف كتابه إلى ثلاثة أجزاء تتصدرها مقدمة، ويليها فصل خاص عن أحداث اليمن بصفتها دولة “فاشلة” وربما الوصف ب«هشة” أفضل من الذي يستعمله المؤلف، ثم خاتمة عن مفهوم جديد للأمن. وقبل عرض محتوى كل جزء على حدة من المفيد الإشارة إلى أسماء الفصول. فالجزء الأول يضم ثلاثة فصول هي: تاريخ بنى الخليج الأمنية 1903 2003، الأمن بصفته خطابا: العراق، إيران والتطرف العابر للأمم؛ نطاقات قرينية ونزعات المستقبل. في هذا الجزء يقدم المؤلف استعراضًا للبنى الأمنية الخليجية ويتفحص أمثلتها المتغيرة. والكاتب يميز فكرة أو مفهوم الأمن كبنية اجتماعية من الأمن بصفته تهديدا ماديا. ومن هذا المنطلق يبحث في محركات المجتمع وأهدافه عند صياغة أجنداته الأمنية المحلية والإقليمية. ويلفت الكاتب إلى أهمية هذا التمييز من خلال البحث في دور الوكالات المحلية، المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بدائرة صغيرة من كبار رجالات العائلات الحاكمة فيها، في مسألة تحديد مواد الأجندات الأمنية في كل دولة على حدة. يضم الجزء الثاني أيضا ثلاثة فصول هي: غياب التوازنات السكانية والبنيوية في اقتصادات الخليج، الاقتصاد السياسي لمصادر قلقة، الأمن المناخي والتحديات البيئية. هدف هذا الجزء، الذي يعتمد السابق له تمهيدا، رسم الخطوط بين التحديات “التقليدية” و«الجديدة” والعلاقات بينها. وهذا يأخذ في الاعتبار أن منطقة الخليج شهدت ثلاثة حروب منذ عام 1980، يضاف إليها الثورة الإسلامية في إيران وصعود التحديات المتعددة للشرعية المحلية والإقليمية والاضطرابات في كل من البحرين والسعودية. ويضاف إلى هذه التحديات، برأي الكاتب، تحديات آنية مصدرها العراق وإيران ومسائل التسلح النووي والتطرف الفكري والعَقدي العابر للحدود، تشكل مصادر عدم استقرار لدول مجلس التعاون. وهي التحديات الجديدة التي تهدد دول مجلس التعاون في الصميم، وتضاف إلى هذه، تشكل مكمن قتل للعقد الاجتماعي، ما لم يتم وقفها أو معالجتها على نحو غير كامل. وتكمن التحديات الجديدة، كما ذكرنا آنفًا، في توفير الغذاء والماء وأمن المصادر الوطنية والضغوط الديموغرافية الناتجة عن نمو عدد السكان ومقدار الشباب بينهم، والتصور الاقتصادي المستقبلي وأنموذج الدولة الهشة في اليمن والتدمير البيئي وتحديات نتائج التغير المناخي. يضم الجزء الثالث الفصل السابع والأخير: انتقال اليمن المتصارع عليه، واستنتاجات: مقاربة جديدة للأمن. في حين خصص المؤلف الفصل السابع لتحليل كل مصادر هموم دول المجلس، وربطها باستحالة اليمن دولة هشة أو “فاشلة”. أما خاتمة الكتاب “مقاربة جديدة للأمن” فتحوي تصورا متغيرا لأمن الخليج والدور الذي يمكنه تأديته بالعلاقة مع الاستقرار وضرورة نقل الاقتصاد السياسي إلى مرحلة ما بعد النفط، الذي يجب أن يرتكز على أمن المواطن بدلاً من الأمن الوطني، وهذا يعني بالضرورة توسيع القاعدة الشعبية لشرعية البنى الحاكمة والمسيِّرَة للدولة. وقد أثرى المؤلف كتابه بفصل إضافي خاص، لم يذكره في المقدمة، عن الانتفاضات العربية. مواجهة التحديات المستقبلية التحديات الجديدة، طويلة المدى، التي يرى المؤلف أنها تواجه دول الخليج تكمن في مصادر غير عسكرية، وتتضمن مسائل الغذاء والماء وأمن الطاقة والتآكل البيئي والتغير المناخي، إضافة إلى الضغوط الديموغرافية أو السكانية وارتفاع عدد المواطنين الشباب وتآكل الدولة في اليمن، وغيرها. التحديات هذه، تحديات ما بعد النفط، تتطلب، دوما برأي المؤلف، بالضرورة إعادة صياغة علاقة الدولة بالمجتمع وإعادة تعريف أعمدة شرعية الحكم في هذه الدول “الموزِّعَة”، تماما كما يحصل حاليا في اليمن الذي شهد القضاء على كثير من مصادره الطبيعية وفي مقدمتها النفط والماء. إن التحديات الجديدة التي ستواجه دولة الخليج أو لنقل دول “مجلس التعاون الخليجي”، تختلف اختلافا جوهريا عن تلك التي رافقت دخولها عالم منتجي النفط. الضغوط الاجتماعية الاقتصادية والديموغرافية التي على دول المجلس مواجهتها مرتبطة بمقدرة أنظمته على تأمين الدعم الداخلي والحد من تأثير الجماعات والحركات المعارضة فيها. ويرى المؤلف أن غياب عامل النفط واستخدامه لضبط الوضع الداخلي، الذي يصفه بأنه “عقلية محاولة الاستئجار “ rent-seeking mentality”، سيؤدي إلى تغير علاقات هذه الدول بمحيطها وسيؤثر في موقعها من منظور “المجتمع الدولي” وأهميتها له. ووفق الكتاب، فإن إنفاق دول المجلس كميات هائلة من الأموال على الأسلحة المتطورة لا يعني مقدرتها على مواجهة التحديات العسكرية كما أثبتت حرب عام 1990. كما يربط المؤلف مصير اليمن بالتحولات اللازمة في الخليج بسبب ارتباط الأولى بالصومال وبالقرن الإفريقي. ملحق استدراكي أثرى المؤلف كتابه بملحق عن “الانتفاضات العربية” واضح أنه كتبه بعد إنهائه الكتاب، لأنه لم يذكر محتواه في “المقدمة”. ورأى المؤلف في اندلاع الانتفاضات العربية دليلا على صحة تحليلاته وتوقعاته، لافتا النظر إلى أن الانتفاضات العربية أو الحراك، سمها ما شئت، بدأت في عام 2010، في كل من الكويت والبحرين، وقبل اندلاعها الجماعي في العديد من الدول العربية في أعقاب ثورة البوعزيزي في تونس نهاية العام الماضي، مذكرا القارئ بالقمع الشديد الذي رافق انتفاضة البحرين (1894 1999) المسكوت عنها. إضافة إلى ذلك، عبر المؤلف عن عميق قلقه من تطور الأوضاع السياسية في الكويت التي تعد أكثر دول المجلس انفتاحا، حيث لجأت السلطة هناك إلى قمع المتظاهرين وسجنهم، مستحضرا قضية الكاتب الكويتي محمد عبد القادر الجاسم الذي حكم عليه بالسجن بتهمة التشهير بأمير البلاد، مما دعا منظمة العفو الدولية إلى إعلانه “سجين رأي”، والذي تكرّر بالعلاقة مع الأستاذ الجامعي عبيد الوسمي وتفريق مظاهرات ديسمبر 2010، أعضاء مجلس النواب بالقوة وضربهم ووفاة أحد السجناء تحت التعذيب، كما قال الكاتب. يذكرالكاتب هذه الأحداث للتذكير بالعواقب المترتبة على عدم التعامل مع التحديات العميقة التي تواجه دول المجلس في حال عدم التعامل مع المتغيرات على نحو صحيح وكامل. وهو يرى أن لجوء بعض دول المجلس إلى محاولة إسكات التململ بمنح غذائية ومالية للسكان في دول المجلس ابتياع وقت ليس غير، منوها بأن الاضطرابات التي تصاعدت في كل من الكويت والبحرين سبقت عقد الانتفاضات العربية وليس بتأثير منها. كما يلاحظ الكاتب أن الحراك في البحرين لم يتخذ منحى طائفيًا، أي سنة شيعة، وإنما تجلى بكونه أزمة وطنية حيث شاركت مختلف مكونات المجتمع في الحراك الشعبي. كما يلتفت المؤلف إلى الأوضاع في السعودية وانعدام الاستقرار فيها بسبب التحديات والأخطار المحدقة، كما عبرت عنها سياسة المملكة تجاه اليمن وانعكست، وفق تعبيره، على نحو جلي في “النتيجة غير الواضحة” مع الحوثيين، وعدم اتخاذها موقفا واضحا من تلك الأحداث. ويخلص المؤلف، في كتابه إلى نتيجة أن دول مجلس التعاون الخليجي ليس لديها مناعة ضد التغيير وعليها الاستعداد له كي لا تجرفها الأحداث. وعليه فالكتاب مهم، وسيكون من الضروري البناء عليه، حيث إنه اعتمد على أعمال سابقة عن الإقليم ذكرها في الكتاب. وليس البناء على ما جاء فيه يأتي من مصدر “خليجي” ينظر إلى الأمور من منظور داخلي أيضا، وهو ما افتقدته في هذا المؤلف. ملاحظة جانبية إن صفة “الخليج فارسي” تاريخية قديمة تعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد، بل إلى ما قبل ذلك في العهد الإغريقي، ولا علاقة لها بالسياسة. أما صفة “الخليج العربي” فأطلقها المؤرخون الإغريق في المرحلة ذاتها على شمالي البحر الأحمر، تماما كما عرف العالم القسم من المحيط الهندي الذي يقع جنوب جزيرة العرب باسم “بحر العرب”. والأسماء نابعة ليس من منطلق عنصري وإنما اعتمادا على مدى سيطرة هذا أو ذلك من شعوب الإقليم عليه في تلك الأزمنة الغابرة. لكن هذه الالتباسات والحساسيات ذات الأبعاد السياسية، وربما العصبية والقومية أيضا، تعكس مدى حساسية موضوع الكتاب، حتى في الخطاب العلمي.