عكست الأرقام المخيفة التي صدرت عن وزارة التربية الوطنية تنامي ظاهرة اللاأمن داخل المؤسسات التربوية وارتفاع حدة العنف بين التلاميذ والمحيط الداخلي فيها خاصة بين المربي وتلاميذه، في جميع أطوار مراحل التعليم من الابتدائي إلى الثانوي مرورا بالإكمالي أين تشهد الظاهرة ارتفاعا يكاد يكون غير مسبوق. وان كانت هذه الظاهرة الخطيرة لا تعود إلى الأمس القريب إلا أن استفحالها على نحو مقلق، مثلما عبر عنه وزير القطاع، توحي أن الإجراءات المعتمدة بهدف التقليل من تنامي هذه الظاهرة لم تكن فعالة، وفي بعض الأحيان كان التغاضي عنها يعد أحد أهم الأسباب وراء انتشارها على نحو سريع مثلما هو عليه الحال في العديد من المؤسسات التربوية، وتزيد حدتها من سنة إلى أخرى. مشروع المؤسسة الذي طرحته الوزارة قبل سنوات كان من بين أهدافه التكفل بالعنف وبحالة اللاأمن التي تسود المؤسسات التربوية، غير أن حالة العنف المتبادل، أي بين التلميذ ومعلمه والعكس صحيح تؤكد مرة أخرى، أن جملة المشاريع والإجراءات والتوصيات التي تتحدث عنها الوزارة لا تجد في غالب الأحيان طريقها نحو التطبيق الفعلي، وكم هي عديدة. ولا تتذكر إلا عندما يضطر الوزير إلى تقديم توضيحات عنها في البرلمان في شكل تشخيص دون الحديث عن الإجراءات الملائمة للتكفل بها بشكل عملي وملموس. من المهم جدا الإلحاح على طرح ظاهرة اللاأمن داخل المؤسسات التربوية، لكن من المهم أيضا ربط هذه الأخيرة، بظاهرة أخرى أكثر خطورة قد تتعدى أسوار المدرسة، لكنها تؤثر بطريقة مباشرة على تلاميذ المؤسسات التربوية، ويتعلق الأمر بظاهرة اللاأمن خارج محيط المدرسة، التي تعرف بدورها ارتفاعا غير مسبوق إلى درجة أن البعض منها يتعرض إلى هجوم في وضح النهار من أجل السرقة والاعتداء، كما حدث قبل أيام في إحدى الثانويات الواقعة في منطقة براقي، حيث تمت مهاجمتها من قبل شابين ملثمين. أما عن المتاجرة بالمخدرات في محيط المؤسسة التربوية وترويجها وسط التلاميذ، فقد انتشرت على نحو سريع رغم جهود الأمن في تطويق هذه الظاهرة، في غياب تغطية أمنية شاملة، تبدو في الوقت الراهن أكثر من ضرورية لتوفير الأمن خارج أسوار المؤسسات التربوية. لطالما وجه أولياء التلاميذ نداءات عديدة لكل المعنيين بالأمر لتوفير الأمن داخل المؤسسة وفي محيطها والعملية لا تبدو مستحيلة أو مستعصية، ويكفي فقط ضمان الحد الأدنى من التغطية الأمنية خاصة في تلك المناطق التي تنتشر فيها العديد من الظواهر السلبية. أما عن تلك العلاقة المقدسة التي تربط التلميذ بالمربي والتي عرفت اختلالات مقلقة منذ سنوات، فإن المسؤولية المباشرة تقع على وزارة التربية في إيجاد الحلول المناسبة في شكل إجراءات ردعية، ولكن بالتنسيق والتشاور مع كل المعنيين بالأمر، داخل الأسرة التربوية، بما فيها جمعيات أولياء التلاميذ لدرء ظاهرة التعنيف المتبادل، خاصة العنف اليومي الذي يتعرض له التلاميذ ولا سيما في المرحلة الابتدائية، على الرغم من أن الأرقام الرسمية تشير إلى أن عنف التلاميذ ضد الأساتذة عموما يفوق بكثير عنف الأساتذة ضد التلاميذ أي 4555 اعتداء مقابل 1942 حالة عنف. هذه الأرقام، لا تبدو مقنعة، ولا تعكس الواقع اليومي لحالات العنف في المؤسسات التربوية، حيث أن العنف بشقيه الجسدي واللفظي ضد التلاميذ، يمارس بطريقة آلية، ويكاد يكون معمما ويحدث يوميا، أو حتى من قبل أولياء التلاميذ، الذين عادة ما يخشون ردود الفعل السلبية كحالات الانتقام التي يتعرض لها التلميذ في القسم، من أولياء التلاميذ، لهذا يتحاشى هؤلاء رفع شكاوى ضد تعنيف أطفالهم حتى لا ينعكس سلبا على تمدرسهم العادي أو مستقبلهم الدراسي. اما عن العنف ضد الأساتذة، فهو في غالب الأحيان إن لم يكن في جميعها يتم التصريح به، ليأخذ الشكل المغاير ويترجم في أرقام رسمية.