ينظّم المجلس الأعلى للغة العربية، على مدار يوميْن، ملتقى وطنيا حول «اللّغة العربيّة بين اللّسانيات الحاسوبيّة واللّسانيات العرفانيّة». ويأتي هذا الملتقى، الذي انطلقت أشغاله أمس الثلاثاء بالمكتبة الوطنيّة بالحامة، في شكل جلسات علميّة بالموازاة مع ورشات عمل، تعالج عدّة قضايا تتعلّق بالموضوع. وأكّد البروفيسور صالح بلعيد، في هذه السانحة، أن الحوْسبة هي الوسيلة الأمثل لتمكين اللغة العربية من مواكبة التطور العلمي والحضاري. شهد الافتتاح كلمات لكل من د صلاح الدين يحيى، رئيس اللجنة العلمية للملتقى، أ.عمّار مانع رئيس جامعة الجزائر 2 والمدير العام للوكالة الموضوعاتية في العلوم الاجتماعية والإنسانية، وكذا د مراد عباس مدير المركز العلمي والتقني لتطوير اللغة العربية. ربط العربية بعلم الحاسوب لإعطائها صيغتها التّفاعلية أما البروفيسور صالح بلعيد، رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، فاعتبر أن الاقتناع بأهمّية اللسانيات العرفانية وبقيمة البحث فيها، والحرص على استفادة اللغة العربية من النظريات الحديثة، هو ما دفع المجلس إلى تنظيم هذا الملتقى الوطني، «قصد مزيد من التعرّف على هذه النظريات اللسانية، وإتاحة الفرصة للباحثين في اللغة العربية لاختبار مناويل لسانية عرفانية في دراسة علوم اللسان العربي»، إلى جانب «فهم كيفية اكتساب الطفل للغة العربية بالاستناد إلى علم تشريح الدماغ مثلا، فضلا عن تأكيد قدرة مناويل لسانية عرفانية على تطوير دراسة مستويات مختلفة من اللسان العربي: صوتية، معجمية، تركيبية دلالية»، وغيرها. ورأى البروفيسور بلعيد، أنّ هذا الموضوع «جدّ متخصّص، باعتبار أن اللسانيات، في بعض تخصّصاتها لا تزال لم تُفهم فهما متكاملا». وأضاف أنّه «ممّا وصلت إليه اللسانيات الحاسوبية من مدارك أن نقلت العلوم اللغوية نقلات جبّارة في إدراك بعض المجاري الذكية التي يقوم بها الذكاء البشري»، مضيفا أن علم اللسانيات يتكوّن من رافدين، أولهما «اللسانيات العامة»، وهو العلم الذي يدرس اللغات الطبيعية الإنسانية في ذاتها ولذاتها، سواءً مكتوبة منطوقة أو منطوقة فقط. أمّا «اللسانيات العرفانية» أو «العرفنية»، فالحديث عنها معاصر جدا، يؤكّد البروفيسور بلعيد، مشيرا إلى التركيز على علاقة بنية اللغة بالأشياء الخارجة عنها، وهو ما كان «وراء تفنيد الادّعاء بأن المكوّن التركيبي Syntax منفصل عن سائر مكوّنات اللغة، ومحكوم بمبادئ خاصة به». وأشار البروفيسور بلعيد إلى ارتباط هذا الموضوع بالتقنيات والمفاهيم الحسابية بهدف توضيح المشكلات اللغوية والصوتية، «حيث الكثير من المجالات قد تطورت، بما فيها إنتاج أصوات كلامية بوسائل اصطناعية عن طريق توليد الموجات الصوتية ذات الترددات اللازمة، وتمييز الكلام والترجمة الآلية، وفهرسة الأبجديات، وإجراء اختبارات قواعدية، إضافة إلى مجالات أخرى تستدعي الإحصاء والتحليل». وعبّر رئيس المجلس الأعلى للغة العربية عن أمله في أن تسفر نتائج تقارير المداخلات واللجان عن «معطيات ربط اللغة بعلم الحاسوب لإعطاء العربية صيغتها التفاعلية التي يخدمها منطق اللغات الطبيعية بشكل عام»، وبما أن «العربية لغة انصهارية، فإنها أسبق من غيرها إلى أن تلج إلى الآلة، بحكم التضخم التكنولوجي الذي يشهده العالم حاليا». من أجل ذلك، «تمّ التفكير في جعل اللغة العربية لغة مواكبة للتطور الحضاري والعلمي، وليس هناك وسيلة سوى حوسبتها». حضور قويّ للجامعيّين الجزائريّين تضمّن برنامج الملتقى مداخلات لأكاديميين وباحثين من مختلف جامعات الوطن، منها ما تعلّق بالتحليل الحاسوبي للغة العربية على المستوى النحوي، وهو ما تطرّقت إليه أسماء بن سليمان من جامعة المدية، ومنها ما عرّج على اللسانيات الحاسوبية وأهمية الحاسوب في صناعة المعجم الإلكتروني، كما في مداخلة حواء بيطام من جامعة جيجل. ومن المواضيع الأخرى نذكر «المعجم اللساني العربي المحوسب، قراءة في المنهج والمنهجية» للثلاثي آمنة مناع، إيمان شاشة، وحسام الدين تاوريرت، أما نور الدين مذكور من جامعة سطيف فتحدث عن حوسبة اللغة وأثرها في النهوض باللغة العربية، برنامج الخليل الصرفي أنموذجا. من جهتهما، ذهب بنا كل من عمر ديدوح وفاطمة رحماني من جامعة تلمسان إلى موضوع أكثر تعمقا في البيولوجيا البشرية، بالتطرق إلى موضوع «الصفات التميزية للسيالة العصبية في إنتاج الكلام عبر الإرسال والاستقبال» بدراسة حالة تطبيقية على منطقتي بروكا وفيرنيك. ومن المواضيع التي تتطرق إليها مداخلات الجلستين العلميتين لليوم الثاني نجد «مشكلة معاينة اللسان العربي لأغراض البرمجة الحاسوبية»، والتعرف الآلي على اللغات المكتوبة بالحرف العربي»، و «اللسانيات العرفانية والاستعارة الحاسوبية»، و«انفتاح اللسانيات العرفانية على العلوم الأخرى وتأثير ذلك على اللغة العربية في الجامعة الجزائرية».