نقاط مشتركة جمعت بين المثقّفين والمثقّفات الذين طرحنا عليهم إشكالية الملف، والذين عبّروا عن أسفهم الشديد على التهميش الذي يطال النخبة الجزائرية منذ سنوات عدة، وإبعادها و غيابها عن الساحة السياسية الأمر الذي خلق نوعا من اختلال التوازن انعكس بالسلب على المشهد الثقافي الجزائري، وبالتالي كشف عن الثغرة الكبيرة التي تركها غياب النخبة عن الساحة السياسية في البلاد. الإعلامية حياة بن بتقة: ٬ علينا الاستثمار وبجد في بناء الإنسان المثقّف
لو قيّمنا المشهد الثقافي في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، نجد أن المعرض الدولي للكتاب الذي يتم تنظيمه مرة كل سنة هو المحطة الوحيدة التي يمكن الحديث عنها، حيث أن المعرض يعد المتنفس الوحيد والموعد الذي يجمع العديد من الكتاب والمبدعين داخل وخارج الوطن ومن كل المستويات..وخارج هذا الموعد، هناك ركود شبه تام للنشاطات الإبداعية في الجزائر عدا بعض المواعيد الثقافية، على غرار المهرجان الدولي للشريط المرسوم FIBDA ومهرجاني تيمقاد وجميلة، التي تنفرد بتنظيمها بعض الولايات، فيما تشهد ولايات أخرى ركودا تاما. أما إذا بحثنا عن الأسباب فهي كثيرة وأهمها أن الفساد الذي عرفته البلاد طيلة 20 سنة كاملة والذي مس كل القطاعات، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يستثني قطاع الثقافة، رغم ما يقال عن ضآلة الميزانية التي تمنح للقطاع، إلا أن الفساد هو الفساد. الفساد الذي يؤكد المنتسبين إلى هذا المجال، أنه دمر فرص النهوض بالقطاع، فالمتأمل في الواقع الثقافي بالجزائر، لا يمكن إلا أن يخرج بنتيجة مؤلمة، ذلك أن المشهد السائد لا يعكس حجم القدرات الثقافية البشرية والمادية ولا يعكس كل ذلك التنوع الثقافي الكبير الذي تتميز به الجزائر. المثقف ابن بيئته لذا لا يمكن أن يفكر خارج «نص الحراك»، بمعنى أن الأوضاع التي تعرفها الجزائر، السياسية والإقتصادية، لا يمكن في الوقت الحالي أن تساهم في إثراء هذا المجال، لأن المواطن والمثقف كلاهما منشغل بالحراك والإنتخابات أي بمصير الجزائر. زد على ذلك أن الجميع ينتظر فتح ملفات الفساد في هذا القطاع، كما أن هناك مطالب بتجميد النشاطات الثقافية أو إلغائها، بحجة أن الوضع الراهن لا يسمح بصرف أموال في ما يعتبره البعض «الشطيح والرديح» في ظل الأزمة المالية التي يتنبأ بها الكثير من العارفين بالشؤون الإقتصادية. والحقيقة أن حادثة حفل «سولكينغ» كان لها الأثر السلبي على النشاطات الثقافية، ويمكن القول أن الحادثة رهنت برمجة النشاطات في هذا القطاع. كل هذه العوامل وأخرى ستحول دون انتعاش الساحة الثقافية في الجزائر في الوقت الحالي هناك حقيقة مرة يجب أن نعترف بها، وهي أن السلطة طيلة 20 سنة كاملة عزلت المواطن عن المشهد الثقافي كان من المفروض أن يكون المواطن جزء من المشهد، باعتبار أن الثقافة تمثل هويته الجزائرية، لكن التهميش كان سيد الموقف والنتيجة حدوث شق كبير بين المواطن والقطاع. القطاع يحتاج فعلا إلى انتفاضة ضد تراجع الحالة الثقافية، الحالة التي تترجم فشل استراتيجية الدولة، من خلال وزارة الثقافة في تسيير القطاع..استدراك ما يمكن استدراكه، لن يكون إلا برد الاعتبار للمثقف، ذلك أن الاستثمار في المورد البشري هو أهم استثمار على الإطلاق، لهذا لابد من وضع سياسات ثقافية كفيلة ببناء الإنسان المثقف، على اعتبار أن العمل الثقافي في أي بلد هو رافد من روافد التنمية، ومرآة عاكسة لدرجة وعي أهلها ومواطنتهم. وإذا تحقق ذلك أي تم احتواء المثقف والاحتفاء به من خلال تشجيعه وتثمين قدراته، تحققت الانطلاقة وكسبنا رهان الهوية الثقافية وطبقنا في الواقع المادة 45 من الدستور «الحق في الثقافة مضمون للمواطن». الشّاعرة سعاد كاشا: على المثقّفين مواكبة كل الأحداث بإيجابية الثقافة جزء لا يتجزأ من المشهد العام في البلاد، في كل زمان وتحت أي ظروف، عليها أن تواكب الأحداث بكل إيجابية، وأعتقد شخصيا أنه لا ينبغي إيقاف برمجة الأنشطة الثقافية عبر الولايات بل استمرارها شأنها شأن التعليم، الصحة....وكل ما ينفع الفرد والمجتمع. أما الإبداع فهو ليس مرهونا بظرف أو بآخر، بل بالقدرة الإبداعية لكل مبدع. المبدع أو المثقف يرتكز بالأساس على أدواته الإبداعية والتي هي كامنة فيه، من مواهب وملكات فنية، أو إلى دراساته الأكاديمية، وهي التي تعطيه هذا اللقب باستحقاق، لان النشاط الثقافي هو فعل إنساني استثنائي، يواكب كل الظروف والمعطيات، المشكل يكمن في إبراز هذا الإبداع وهذا العطاء الثقافي المتنوع، وهل تعطى الفرصة للمثقفين الحقيقيين أم لا؟ المثقف لا يحتاج سوى تكثيف النشاطات الثقافية بكل أطيافها، يحتاج أيضا إلى مرافق مفتوحة دائما، وطموحه الأكبر هو رفع كل الحواجز بينه وبين المتلقي أو الجمهور، لأن هذا الأخير هو الحكم الأول والأخير. الكاتب رضوان غضبان: قطاع الثقافة يفتقر إلى قوانين واستراتيجية تخدم النّخبة والمجتمع
إذا تكلّمنا عن الدخول الثقافي لهذه السنة في ظل الأوضاع السياسية الحالية التي تشهدها بلادنا، فإن ذلك - أي الأوضاع - تؤثر بالطبع على النشاط الثقافي، فالدولة مجموعة من المؤسسات المترابطة في ما بينها، فإن شهدت الدولة أي نوع من أنواع الاضطراب السياسي أو الاقتصادي أو الأمني، فإنه وكتحصيل حاصل سيؤثر ذلك على الدخول الثقافي وبرمجة الأنشطة في الولايات، خاصة وأننا نتكلم عن عدم توفر أي مؤسسات خاصة ناشطة في هذا المجال فتكون الوجهة عند الجميع هي المؤسسات التابعة للقطاع العمومي من مسارح ومكتبات مطالعة وغيرها. غير أنه ولدراسة الأمر بموضوعية، فإنه يجب علينا في البداية أن نؤكد على ضرورة الحفاظ على سيرورة الدولة قبل الحديث عن دخول قد لا يختلف عن السنوات السابقة في شيء، خاصة بعد أن تم تقويض بعض النشاطات الثقافية التي أثرت سلبا على دور النخبة أو المثقف في المجتمع وفي تكوين آرائه وأفكاره. وبدوري أرى أن النخبة الجزائرية الحالية لم تقدم خلال حوالي ثلاثين سنة أي إضافة للمشهد الثقافي الجزائري، فأصبح الدخول الثقافي لا يمثل سوى حلقات إعادة للسنوات الفارطة، هذا طبعا إذا ما قارنا دورة النخبة الجزائرية في صناعة الوعي قبل الثورة التحريرية، وكذا في السنوات الأولى للاستقلال، الأمر الذي يدفعنا للوقف جليا عند هذه النقطة، فلا يصبح المطلب اليوم هو ما تقدمه المنشآت الثقافية من نشاطات، بل ما يقدمه المثقف الجزائري للمجتع، وهل المثقف الجزائري اليوم أصبح يحمل فكرا ورسالة تجمع الناس حوله، أم أنه أضاع البوصلة فأصبح يتبنى أفكار الناس كي يجب بها أكبر عدد من المتابعين، أو ما يسمى في الوسط العامي بركوب الموجة. وعند وصولنا إلى كل هاته التساؤلات وكتحليل للوضع الثقافي الراهن وللاستفادة من ما سيسفر عليه الوضع السياسي للبلاد، فإننا نطمح أن يتم تغير وتعديل عدة قوانين متعلقة بالقطاع الثقافي كقانون النشر مثلا، كما أن يكون هناك تعاون حقيقي بين مختلف هيئات الدولة خاصة قطاع التربية للعمل على تنشأة جيل يتعلق بالمسرح والسينما والموسيقى والأدب وغيرها، فصناعة جيل يهتم بالجانب الثقافي إضافة إلى تعديل بعض القوانين كما أسلفنا يجعل نستبشر خيرا في المستقبل. وما يدفعني لأن أؤكد هذا الطرح هو تجربة شخصية لي الأولى في أحد بلديات ولايتي، حيث قدمت ندوة لم يحضرها أزيد من أربع أشخاص، والثانية حضوري في مسرحية أقيم العرض فيها والقاعة بها شخصين فقط، ناهيك بعض المسرحيات والأفلام التي ألغيت بسبب عدم تواجد جمهور وهو الأمر الذي يؤرق صناع المشهد الثقافي في الجزائر، فالهدف الأساسي اليوم هو صناعة الإنسان قبل الحديث عن أي نشاط، فهذه الصناعة بإمكانها أن تكون الداعم الأول للرقي بالنشاط الثقافي في البلاد ويصبح الدخول الثقافي دخولا متميزا ينتظره الجميع. الكاتبة سهام بن لمدق: ننتظر من الوطن أن يتحرّر ثقافيا الثقافة شيء فاقد لحسده وروحه التي تبني المجتمع الجزائري، إلا أنها تتعاطى أدوية لمقاومة الإهمال، فمن بين الادوية تقويمها بصالونات أدبية تحظى ببعض الاهتمام من طرف بعض المثقفين وبعض الملتقيات التي تتناسق مع مراد الجمهور الغني بمضامين هائلة لأثراء لساحة المعارض الوطنية والدولية للكتاب، التي نبتغي منها إظهار مدى حب المثقف للثقافة العالمية والوطنية. الإبداع والمبدعون مهمشين، يعمل المبدع بكل جهده المالي والبدني حتى يصل إلى دور النشر، إلا أن الأسعار مرتفعة جدا. وبالتالي لا يجد المؤلف بدا من كتبه إلا أن يفكر في وصوله إلى القارئ، وإن لم يكن له مدخول منه حتى يطبع طبعات أخرى، وبالتالي المؤلف يريد أن تكون له حقوقا أخرى المؤلف المبدع لا ينتظر نقودا تغنيه، كما أنّه لا يريد أن يكون مؤلفا خاسرا يريد أن تكون له التفاتة ايجابية من وزارة اجثثافة، ونحن ننتظر بعضا من الوطن أن يتحرر ثقافيا وأدبيا، بيت الشعر يحضره إلا من له القدرة المالية عبر ولايات الجمهورية، وان كان فيه ندوات فالقليل جدا من يحالفه الحظ في الحضور. تمنياتي أن يكون لجسد الثقافة روحا طيبة تجعله يسير بها إلى التفوق والازدهار بنجاح المؤلف الجزائري في كل ما يشارك فيه بجديده وقديمه بالمشرّف. الشّاعر بن راحلة معمر: الاعتقاد أنّ المثقّف لا يطعم خبزا ساخنا اعتقاد خاطئ مثقّف بمشمولات ما يحبل به المصطلح هو الأكثر استشعارا لكل مستصغر من الشرر، وهو المرصد الوجداني والفكري والإبداعي، والمتوقع في الضمير الجمعي للأمة أو هكذا يجب أن يكون باستشرافه، لكل سواكن ومتحركات المجتمع...بآلامها وأمالها. فالمثقف المبدع رسالته التوق إلى الأفضل، هو واسطة العقد من كل حراك..ومدون لنبض إيقاعها..ومجالاتها وينضوي تحت هذا كل مثقف في كل مناحي الفكر والسياسة والاقتصاد. إن أوان الوعي الجمعي بين المثقف وباقي شرائح المجتمع غياب أو تغييب المثقف عن المشهد يترك فضاء فارغا يملؤه الكثير من التضاد مناخا خصبا لكل مستورد، فكرا ومنهجا وثقافة قد لا تؤسس لأرضية حلم الحراك، رؤية وتصورا وتحقيق الأهداف المنشودة والتغيير المتوخى في كل مناحي الحياة. ونسجّل مع الأسف الكثير ممّن يمتلكون هذه الصفة، في غرف مظلمة، بعيدين كل البعد عن ما هو جار في الساحة. والسؤال الملح: هل غيّر المثقف الجزائري من دولاب الواقع المعاش فكرا وتنظيرا وإسقاطا؟ وأين يتموقع من ضمير الأمة بأسعار حمله الحراك ونسبه إلى مثقّف أو مفكر؟ غياب الوعي الجمعي واثبات المثقف لفكره وإبداعه يبقى بعيدا عن التأثير والفاعلية، تكتنفه الضبابية، وعدم القدرة على إثبات الذات الثقافية الجزائرية. ولعل أكبر دليل...المفكر الجزائري على سبيل المثال لا الحصر، مالك بن نبي، كل الأمم فديت أفكاره ولا يخلو منهج من تصوره، النهضة والتغيير في جامعات العالم، لكن لم نرى أحد ممن يرسمون معالم الحراك الاستشهاد بفكرة من أفكاره. الشيء الآخر، والظاهرة لا تعمم، فالمثقف الجزائري ليس مذكورا في صحف الدولة، مازالت الرؤية والاعتقاد أنه لا يطعم خبزا ساخنا، ومع هذا فهناك من يحاول إرساء بصمات ثقافية إبداعية تساير إيقاع الحراك والحراك الثقافي ولو على استحياء نظرا لتغييبه من لدن صناع القرار يبقى معلما وملاذا للأمة رغم تقزيمه ماديا. وحضور المثقف يبقى أمة في واحد لأنه ببساطة يصنع الاستثناء والتميز والتفرد. وفي الدول التي فكت شفرة الثقافة ظل المثقف عندهم لا يداس..احتراما للإبداع والثقافة ولعل الأمل في اتحاد الكتاب الجزائريين الذي مازال مسايرا لمستجدات نبض الحراك رغم التعتيم ومحاولة الإقصاء..من كل حدب وصوب تكريسا للرداءة وتعميمها يبقى رغم كل ما يقال المحرك للثقافة داخل الوطن وخارجه. وكل مثقفي هذه الأمة الذين أدركوا أن للكلمة فعلتها، نأمل أن تتجذر رؤى الثقافة في كل مناحي الحياة، وتكون لها البصمة الفارقة في هبة ووعي، وأمة تحترم مثقفيها على مختلف انتماءاتهم ومشاربهم لتحقيق حلم هذه الأمة.