بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين أيها السيدات الفضليات، أيها السادة الأفاضل، يسعدني أن أكون بينكم، ونحن نحتفي بافتتاح السنة الجامعية الجديدة، في صرح جامعة عمار ثليجي، بهذه المدينة العريقة. كانت على الدوام منطقة الأغواط سدا منيعا في وجه الإحتلال الفرنسي، ولم تسقط إلا بعد حملات متكررة أبيد خلالها نصف سكانها، ليستمر النضال على يد المجاهد بن ناصر بن شهرة لأكثر من ربع قرن. وخلال ثورة التحرير المباركة، كانت هذه الناحية معقلا من معاقل الكفاح. وجبال القعدة لازالت شاهدة منذ أكتوبر 1956على «معركة الشوابير» الشهيرة وستظل الأغواط بالمآثر بارزة، وبخيرة مثقفيها وشعرائها متميزة. أيتها السيدات الفضليات، أيها السادة الأفاضل، إن الجامعة هي الميزان الدقيق لوضع المجتمع، وإن اضطلاعها بمهامها العلمية، ومشاركتها في تفعيل الحياة الفكرية والسياسية والحراك الاقتصادي والاجتماعي من شأنه أن يضمن المستقبل، ويطمئننا على الأجيال القادمة التي من واجبنا أن نحقق لها التفاعل، مع واقع البلاد، والتطلع إلى غد أفضل، بما يتماشى مع المحيط العالمي السائر قدما في طريق التطور والرقي، والمحفوف كذلك بالفتن والتحديات، على كثير من الصعد. وإننا في الجزائر، نعيش هذا الوضع المتسارع، ونعايش هذا الظرف المتأرجح بين الواقع والمتوقع، إذ أن على الجامعة الجزائرية مسؤولية خاصة، في مجال البناء العلمي الرصين، والحوارات الفكرية الرائدة، والتوجيه الحضاري المستنير، بما يضمن للأجيال تمسكا بالأصالة، ومواكبة للمعاصرة، بعيدا عن الصراعات التي لا جدوى لنا منها. أيتها السيدات الفضليات، أيها السادة الأفضل، إن أملنا كبير في أن تنفتح الجامعة على مجتمعها وعصرها، وأن يصبح البحث العلمي في خدمة الانسان والاقتصاد الوطني، بحيث يجيب عن التساؤلات الكبرى للمجتمع. وإقتناعا منها بأهمية البحث العلمي، ستخرت البلاد الإمكانيات وعبأت الطاقات الممكنة، بما يُسْهِم في توفير الأرضية لنهضة معرفية تخدم الوطن حاضرا ومستقبلا. وقد سمحت تلك الجهود بتجهيز عدد كبير من مخابر البحث بأحدث المعدات، ومكّنت من اعتماد مشاريع بحث تندرج ضمن البرامج الوطنية، بالشراكة مع القطاعين الاقتصادي والاجتماعي. وإن الطموح مستقبلا، سيتجه إلى قطف ثمار هذه الجهود التي تؤهل الجامعة لأن تتبوأ مكانا أفضل، في الترتيبات السنوية التي تجريها المؤسسات المتخصصة في العالم. وما من شك في أن جهود الباحثين في جامعاتنا، واسهامات الكفاءات الجزائرية التي تنشط لدى الجامعات الأجنبية ستشارك في تحقيق هذا المطمح الكبير. وفي ذات السياق، فققد عملت الدولة ضمن البرنامج الإصلاحي الذي نتوخاه، على تحسين الظروف المهنية والاجتماعية للأساتذة والباحثين، والظروف البيداغوجية والمادية للطلبة، إيمانا منها، بأن التحدي الأول اليوم وغدا، هو التحدي المعرفي والتكنولوجي. إن الأعداد الكبيرة للطلبة تعد فرصة سانحة للبلاد لتزويدها بالإطارات المؤهلة، وتحديا لها في توفير تكوين نوعي، وإن الإصلاحات التي أدخلت على النظام العلمي والبيداغوجي، تندرج ضمن هذا المسعى. حيث تعرف الجامعة اليوم تطورا في علاقتها بمحيطها، سواء على مستوى منظومتها التعليمية، التي أدخلت عليها تحسينات بما يجعل خريجيها أكثر تأهيل لسوق الشغل، أو على مستوى منظومتها الوطنية للبحث، الذي خطت اشواطا محمودة في بناء قدرات توضع في متناول أصحاب القرار، والفاعلين الاقتصاديين. ولا شك في أن جهودا كبيرة بذلت للانتقال بالجامعة من مدرجات وأقسام إلى مراكز امتياز ترافق جهود التنمية على كل مستوى. أيتها السيدات الفضليات، أيها السادة الأفضل، لا ريب في أن العالم يعرف تحولات كبرى، وأن الأمة العربية والإسلامية، تعيش مخاضا عسيرا، وأن الجزائر كجزء من هذا العالم الفسيح، بطبيعة الحال تؤثر وتتأثر بما يجري حولها، من أحداث وتطورات. وفي ظل هذه الظروف، عملت الجزائر بمسؤولية وصدق على توفير مناخ لإصلاحات سياسية، واقتصادية واجتماعية تتماشى مع طموحات المجتمع، وآماله في إصلاح متواصل، عبر حوار بناء، واستشارة واسعة لفعاليات الطبقة السياسية والمجتمع المدني، في كنف دولة الحق والقانون. ونحن في مبادرتنا إلى تلك الإصلاحات، وتوسيعنا لدائرة النقاش، نهدف إلى إدخال تغييرات على المنظومة التشريعية المقننة للحياة السياسية، من أجل تحقيق قفزة جديدة تتمثل في تجذير المسار الديموقراطي، ودعم التوازن بين السلطات، وضمان الحريات الفردية والجماعية وحقوق الإنسان، وإضفاء الفاعلية على النشاط الجمعوي، وتوسيع مشاركة المواطنين في العمل السياسي، مع ترقية دور المرأة والشباب. وما القرارات المتخذة أخيرا في هذا النطاق، إلا دليل على تصميمنا للوصول بالإصلاحات، إلى تحقيق مطامح الشعب وآماله، في مستقبل تكون الجزائر فيه لحمة واحدة، متحدة الإرادة، وليكون حاضرها أزكى، ومستقبلها أرقى. إننا نحمد الله، على أن الجزائر الآن في عافية تعمل على بناء مجتمع قائم على مبادىء الحرية والعدالة والتضامن، في ظل الأمان والوئام، بعد أن نجحت في تجاوز المحنة التي أصيبت بها في إستقرارها، وقدرتها على النهوض والتقدم. وكان لابد لنا، ونحن نحتفي بهذا الافتتاح، من التنويه بما تحقق في العشرية الأخيرة من إنجازات كثيرة، في جميع الميادين وما شيّد من هياكل عديدة ومن جامعات ومعاهد، تؤتي أكلها كل حين، بإذن ربها. لقد سمحت البرامج الاستثمارية العمومية المتتالية من تدارك العجز الذي خلفته سنوات العسر، ومن بناء قدرات تنموية أخرى، تضع الجزائر على أعتاب مرحلة، تودع فيها زمن الضعف والهوان، وتجدد عهدها مع النمو والرخاء. وإننا من هذه المدينة الشماء، لنرنو إلى تعمير علمي لكافة مناطق البلاد. وكل أملي أن تكون الجزائر في مستوى الرهان، إن بلدا أعطى عناية للفكر وبنى العديد من الجامعات لا خوف عليه من عاديات الزمن والعجاف من السنين. إن الجامعة أمل الأمة المرتجى، الذي يسهم في تحقيق ذاتها، وترقية حاضرها، وسمو مستقبلها. تلكم هي الجامعة الجزائرية في تطورها الحاصل، سواء في مجال تعداد الطلبة والأساتذة، أو من حيث توسع خريطة التكوين وتنوعها، وتزايد قدرات الاستقبال البيداغوجي والخدماتي لهذه المؤسسات. وعليه، فإنني انتهز فرصة هذا الدخول الجامعي، لأعلن عن ترقية المراكز الجامعية في كل من الوادي، وخميس مليانة، وسوق أهراس، والبويرة، وخنشلة، وغرداية، وبرج بوعريريج والطارف، إلى مصف جامعات. وفي السياق ذاته، وسعيا لتحقيق توازن أفضل لخريطة التكوين، بما في ذلك التكوين في العلوم الطبية، أدعو وزير التعليم العالي والبحث العلمي ووزير الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات، للشروع في دراسة إمكانية إحداث هياكل استشفائية جامعية في المدن التي تتوفر على الإمكانات المادية والبشرية في جنوب البلاد، قصد فتح تخصص الطب لدى المؤسسات الجامعية المعنية الأكثر استعدادا لذلك. ولتكون السنة هذه، محطة إضافية في مسار دعم الجامعة وإزدهارها، أعلن على بركة الله، إفتتاح السنة الجامعية 2011 2012. وفقكم الله جميعا وسدد خطاكم.