(الشعب) ألقى رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة كلمة قيمة بمناسبة افتتاح السنة الجامعية 2008 2009 بولاية تلمسان هذا نصها كاملا السيدات الفضليات، السادة الأفاضل، نلتقي مجددا في حرم الجامعة الوارف، للاحتفاء بالدخول الجامعي لسنة 2008 .2009 على شاكلة السنوات الفارطة. وإننا لسعداء بوجودنا في حاضرة الثقافة والفقه الأصيل، وفي مربع المجد الحضاري الأثيل، في تلمسان التي توالت عليها الوقائع، وازدهر فيها الفكر، وتألقت فيها العلوم، وزخرت بالمؤلفات المكينة، والمخطوطات الثمينة. تلمسان التي شهدت دولة الأدارسة والمرابطين والموحدين، فبسطوا عليها سلطانهم، وأشرقت فيها شمس دولة الزيانيين وبني عبد الواد، وأعجب بها القاصي والداني. ولئن أعجبتنا قصورها المونقة، ودورها الرائعة، وحدائقها الغناء، ومساجدها الفاتنة، وفواكهها الدواني، فليس ذلك بأعجب من تصدرها للأمصار، واحتوائها للآثار، وارتقائها في العلوم والصنائع، وتفردها بالمواهب والمآثر والبدائع. وإن شئت فاسأل يحي بن خلدون شقيق المؤرخ الشهير عما دبجه في كتابه (بغية الرواد في ذكر ملوك بني عبد الواد)، أو الحافظ التنسي عما كتبه في سفره (نظم الدرر والعقبان في تاريخ ملوك بني زيان)، فستجد تلمسان تعج بالمواقف الرائعة، والبطولات الشامخة، والعطاء العلمي النضير، والازدهار الحضاري المنقطع النظير. ناهيك عن أمجادها الحديثة، وبطولاتها الحثيثة، ووطنيتها الظاهرة، وتضحياتها الباهرة. وصدق صاحب الإلياذة حين قال : تلمسان مهما أطلنا الطوافا إليك تلمسان ننهي المطافا يغمراسن الشهم ضاق اصطبارا وغالب خمسين عاما عجافا فكانت تلمسان دارسلام وأمر الجزائر فيها إئتلافا فلا عجب إذن أن تتوج الدورة الرابعة للمنظمة الإسلامية للعلوم والتربية والثقافة المنعقدة بالجزائر سنة ,2004 مدينة تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية لسنة .2011 وإننا إذ نحتفي بالدخول الجامعي لهذا العام من جامعة تلمسان، إنما نعبر عن توقير العلم وأهله، وتقدير البحث ورواده، وتكريم الأسرة الجامعية قاطبة، بما فيها من أساتذة وباحثين، وطلبة ومسيرين، وموظفين وعاملين، وذلك بمختلف مؤسسات التعليم العالي المنيفة، منوهين بأدوارهم النبيلة، ورسالتهم الشريفة في ترقية الجامعة، والنهوض بالبحث العلمي المتوخى، كما نحيي طلبة الجامعة كافة، فنهنىء المبرزين والمتفوقين، ونأمل للمتعثرين ممن لم يسعفهم حظ النجاح، أن يشمروا عن ساعد الجد وأن يركبوا الطموح لنيل المآرب، وتسلم المراتب، وقد قيل : شباب قنع لا خير فيهم وبورك في الشباب الطامحينا وإن السعادة لتغمرنا، بوجودنا ضيوفا على هذه المدينة العريقة، ذات المحاسن الرقيقة، والمآثر العتيقة، والمباهج الأنيقة، في هذا الرحاب المقدس، وقد رصعتها حفاوة الاستقبال، وأصداء الاحتفاء والاحتفال، بهذا الكنف الأرحب، والشيء من معدنه لا يستغرب. الجامعة ورشة كبرى السيدات الفضليات، السادة الأفاضل، إن إجتماعنا في جامعة أبي بكر بلقايد بتلمسان للإعلان عن افتتاح السنة الجامعية، هو تقليد مرسى بإيجابية ونجاعة، باعتبار فرصة سانحة لمعاينة الأشواط المقطوعة، والإنجازات المحققة، مما حصله قطاع التعليم العالي، رجاء التبصر بالحاصل الموجود، والمتوقع الموعود، لإستكمال مسار الإصلاح المطبق، والنظر إلى ما تحقق وما لم يتحقق. وإن التوق إلى إصلاح الجامعة، ليدخل في إطار التنمية المستدامة، والطفرة التنموية الرائدة، التي تشهدها البلاد في كل الميادين، باعتبار الجامعة ورشة كبرى ضمن الورشات الأخرى، نراهن على تحقيقها، لتجني الجزائر ثمارها بحول الله. والجامعة بحكم أنها الإطار المؤسساتي للمعرفة، والبيئة العلمية للتنمية، لا يمكنها إلا أن موقعا للتأسيس الحضاري، و فضاء للحوار الإيجابي، الذي يسهم بفعالية في حل المشاكل والمعضلات التي تربط بالفرد والمجتمع، مما تجد فيه الدولة وسائل لتدعيم برامجها، وإيصال التنمية إلى غاياتها، لأن الجامعة هي الشعاع الحضاري المرسي لهوية الأمة، والإطار الملائم للإبداع والتكوين والتأطير، خاصة ونحن نعاني تحديات عالمية، في مجالات التكنولوجيا والإقتصاد والثقافة والسياسة والتعايش مع النفس ومع الغير. وإننا لنثمن شبكة الجامعات التي تمتلكها الجزائر عبر التراب الوطني، لأنها تمثل مكسبا أكيدا، ومغنما ثمينا، يجدر بنا أن نحافظ عليه ونطوره. لقد تجاوزت الجامعة الحديثة طرائق التلقين، ومناهج التلقي والاستهلاك، وانطلقت إلى فضاءات أكثر رحابة، فصار لها دور في التلميع والتسويق، والإسهام في استثمار الموارد البشرية، وحصائل الفكر والإبداع والاختراع، وذلك لا يكون إلا بإنتاج الكفاءة الخلاقة، وتحقيق التأطير النوعي ذي الجودة التنافسية العالمية، والإندماج في الشراكة الاقتصادية، والتكفل بقضايا المجتمع، مما يشكل أمانة عظيمة تضطلع بها النخب الجامعية الواعية، وذلك من باب الحرص على دور الجامعة، وتلميع مهامها الحقيقية، التي تواكب التطور، وتدفع التنمية للإزدهار، بما يتوافق مع الحاجات الداخلية، ومتطلبات التحديات التنافسية الخارجية التي تفرضها نهاية الجغرافيا، والتقارب العولمي الذي يحتم الاندماج في الزمن الآتي، بغية التطور، أو رجاء ضمان البقاء، مع الحفاظ على الخوصصة ما أمكن. ونحن لا نفتأ ننوه بالمهمة الشاقة النبيلة التي تضطلع أسرة الجامعة، وما تبذله من جهود بغية النهوض بالجامعة، ومعالجة النقائص التي يفترضها التسارع الكبير للزمن، مع التراكم المرهق لعدد الطلاب، وما تحاوله من الاستجابة بشفافية وحصافة لرغبات المليون طالب في الالتحاق بمختلف المتخصصات العلمية والمعرفية، وبأطر التكوين المتاحة بالجامعة، وما تحاوله من ضمان أعداد لا بأس بها من المؤطرين بنوعية مرضية، وما تسعى إليه من تطوير ملحوظ للهياكل والمؤسسات البيداغوجية، لإستيعاب الكم الهائل من الطلبة، ضمانا لديمقراطية التعليم وخدمة للشرائح الواسعة من أبناء هذا الشعب. إنها لمهمة عسيرة، وغاية كبيرة، أن نضمن الكم والكيف في آن واحد، ولكن المنجزات تبقى هائلة ومثمنة رغم النقائص الملحوظة، التي يفرضها رغم الأعداد الزاحفة عاما بعد عام على الجامعة، والتي تتطلب جهودا خارقة لمجابهة المشاكل الضاغطة بفعل ذلك التراكم الحيوي الذي يتطلب توفير إمكانات مهولة لتحقيق التوازن والإستقرار في الجامعة. ورغم ذلك، فهناك جهود لا تنكر، عملت على بلورة مسار الجامعة، في ظل العمل على تحقيق الجودة، وضمان النوعية، برفع المستوى البيداغوجي، والآداء العلمي، وذلك بتحسين أساليب العمل، وتطوير تقنيات التسجيل، والتطبيق التدريجي لنظام ((L.M.D الجديد، وهو الذي تحاول الجامعة تقويمه وتقييمه، بالمماشاة مع توسيع دائرة تطبيقه في مختلف الجامعات والتخصصات، بما يتلاءم مع غايات التكوين، والأولويات الاستراتيجية المفترضة للتنمية الإنسانية المستدامة في الجزائر. ويكون ذلك بضمان شروط هذا النظام بدءا من تخفيف أعباء التأطير بتحديد أعداد الطلبة في الأفواج من أجل ضمان المتابعة العلمية والبداغوجية لكل طالب، ومسارعة إلى تأسيس المرافق البحثية الكافية ورقمنتها وتطويرها، تسهيلا على الطلبة، وضمانا لسرعة التواصل وتكافؤ الفرص، وانتهاءا بتكريس مبدإ المنافسة والاستحقاق للوصول إلى الجودة المرتجاة، مما يحتم إيجاد برامج تكوينية خاصة، لدفع هذا النظام قدما نحو التبلور الميداني، وذلك بمنأى عن الأخطاء المحتملة، والتجارب المرتجلة، والتطبيقات المتسرعة المستعجلة. توخي البحث المنتج السيدات الفضليات، السادة الأفاضل، إن السير في هذا المنحنى الإصلاحي ليتعزز بما يبذله القائمون على الجامعة من بيداغوجيين وإداريين، من محاولة للإرتقاء بالتكوين، وتحسين الخدمات المقدمة للطالب، لتحقيق جامعة قوية الأركان، قادرة على تفتيق الأذهان، قائمة على الموهبة المبدعة، والإرادة الفعالة لحل المشاكل بصورة داخلية، بالفكر الحر، والحوار الجاد، والنقد البناء، مع الإنفتاح على المؤسسات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، حتى توفر للدولة الموارد البشرية الكفأة، القادرة على التطور المستمر، وتعميق الفكر لتوخي البحث المنتج، والإبداع العلمي الخلاق، مع الانفتاح على الخارج بتفعيل التبادل الإيجابي، والتعاون العلمي بين الجامعة الجزائرية ونظيراتها في مختلف بلدان العالم، وذلك لمتابعة التحولات العلمية والتكنولوجية الموازية للتطور الاقتصادي والاجتماعي الذي تعرفه بلادنا، وسائر بلدان العالم من حولنا. تجسيد مشروع بناء 3000 سكن وظيفي السيدات الفضليات، السادة الأفاضل، لا شك أن وثبة رائدة مميزة، شهدها قطاع التعليم العالي في الفترة الأخيرة، وذلك على المستويات التي نوهنا بها سلفا، قد بدأت تؤتي ثمارها، وتتمخض عن زبدها، بحيث أصبح هذا القطاع الحيوي الذي تعلق عليه الجزائر آمالا عريضة، يتوق بجدية وواقعية لإنجاز التحول المطلوب نحو الأفضل. ولقد عملت الجامعة الجزائرية على توسيع شبكات المعلوماتية داخلها، لتسهيل التواصل، وتفعيل البحث في المخابر العلمية، وفي الميدان البيبليوغرافي، وذلك في الإثنين الستين (62) مؤسسة جامعية المنتشرة في ربوع الوطن، حيث أنجزنا منذ سنة 12 ,1999 جامعة بمرافقها، وفتحنا 13 مركز جامعي جديدة، ورقينا هذه السنة 07 مراكز جامعة إلى مصاف جامعات مستوفية الشروط، وهي جامعات : تبسة، وأم البواقي، والمدية، والجلفة، ومعسكر، وسعيدة، وبشار. ومن أجل المحافظة على استقرار القطاع وتقريب المرافق الجامعية، خاصة الإيواء الذي أصبح إحدى العقبات والمشاكل التي تواجه موظفي أسرة التعليم العالي، قررنا تجسيد مشروع بناء 3000 سكن وظيفي جامعي توزع على مختلف الجامعات والمراكز الجامعية. وسوف تمتص هذه الصروح أمواج الطلاب المتنامية، في الآفاق الآنية والآتية، إذ في سنة (2010م) سوف تستقبل الجامعة بحول الله مليونا ونصف المليون من الطلبة، مما يقتضي تجميع الجهود، وحشد كل الطاقات، لتطوير آليات التكفل بالطالب، وترقية المستوى العلمي والبيداغوجي المطلوب. ولا مناص من تطوير التعليم العالي وعصرنة إدارته حتى تساير الواقع، وتتكفل بالمشاكل المتراكمة، بفعل التسارع الديناميكي للتنمية، والتراكم العددي للأجيال المتدافعة في هذه العشرية. إن التكوين المتواصل المستمر والنوعي، يضمن لنا إطارات كفأة مؤهلة للإقلاع الحضاري، مزودة بوسائل العصر، وآليات الاندماج في المناخ التقني والعلمي والمعلوماتي، مما تتنافس فيه الأمم، ويزاحم بعضها بعضا لتحصيله، وتحقيق حصائله. وإن ترقية التعليم الجامعي في ظل الانفتاح والتوازن الجامع بين اللغة العربية العصرية، المتماشية مع الحياة أخذا وعطاء، والتحصيل العلمي والأدبي لمختلف اللغات الأجنبية والترقية المتواصلة للترجمة العلمية بآلياتها الحديثة، يجعل الطالب يتابع العصر، دون عقدة ولا انغلاق، فيكون مؤهلا للتأقلم مع التكنولوجيا البحثية المعاصرة. إننا نتوق بصدق، لجعل الجامعة ساحة للإبداع التقني، والابتكار النافع، والعطاء الناجع، في ظل التشوف إلى تطوير اقتصاد البلاد، بما يحقق الاكتفاء الذاتي، والتنمية المستدامة، للارتقاء بالجزائر إلى سدة الحضارة عن جدارة، ونحن في عالم أصبح أقوياؤه يفرضون إيديولوجياتهم، ويحددون مسار الشعوب ومصائرها، وفق متطلبات اقتصادهم وتنميتهم دون رحمة ولا شفقة. وقد لاحظنا أن الرسوخ عند الدول القوية اقتصاديا وعلميا وعسكريا، راجع بالأساس إلى مما تنتجه النخب الجامعية من أفكار، وكشوف، ومعارف، وتكنولوجيات، يتراكم بعضها فوق بعض. وإن هذا التوق إلى الكمال، لا نقصد منه تثبيط الهمم، وتكسير المجاديف عند رجالات الجامعة على اختلاف مراتبهم ومهامهم، ولكننا نتوخى ذلك، طلبا للتجديد، وإشاعة لثقافة الطموح نحو التطور، بوصفها حجر الزاوية في جامعة يراد لها أن ترقى بالعلم والفكر والحوار، وتطلب المزيد من الرقي والتمكن والفاعلية البيداغوجية والعلمية، وما لا يدرك كله، لا يترك جله. وصدق الشاعر حين قال: شباب قنع لا خير فيهم وبورك في الشباب الطامحينا الجامعيون نخبة الأمة السيدات الفضليات السادة الأفاضل إن الجامعة هي القاطرة التي تجر عربة التنمية، في منحاها الاقتصادي والاجتماعي، والرقي به حسا ومعنى، من أجل توفير أسباب السعادة والرفاهية، وتحسين وسائل المعيشة، وظروف الحياة للمواطنين الذين ينظرون إلى الجامعة بقداسة واحترام وتوقير، باعتبارها حرما للعلم، ومحرابا للفكر، ومنارة للإشعاع. والعلاقة بين الجامعة والمجتمع علاقة منطقية لا تحتاج إلى استدلال ولا تعليل، لأنه لا يتصدى لحل مشكلات المجتمع، ولا يتكفل بنوازله الطارئة، وحوادثه العارضة، إلا الجامعة، التي توظف حصائل أبحاثها، ونتائج مخابرها، للتكفل بالمشاكل التي تثقل كاهل الأمة، وتعوق مسار التنمية، وتكبح عجلة التنامي الاجتماعي والاقتصادي. لكل ذلك، فإن الجامعة تناط بها مسؤولية عظمى تجاه الأمة، لأنها معقد الآمال، ومطمح الأجيال، وهي مسؤولة عما تقدمه للمجتمع من طرائق التعليم، ومناهج التكوين، ومناحي التفكير الاستشرافي، الذي تحدد به الوحدة وينتظم به المسلك، ولا معنى للانطواء على الذات، واعتبار الجامعة بمنأى عن المجتمع، أو أنها شأن يهم الجامعيين دون سواهم. بل إن الجامعيين، وهم نخبة الأمة، وخلاصة الخلاصة، من حق المجتمع الذي عمل على تكوينهم وتبريزهم، أن يبادلوه بإحسانه إحسانا، وأن يعطوه مما حباهم الله من فكر، وما آتاهم من علم، فينفتحون على المحيط، في تواصل مع واقع المجتمع وآفاقه، وعمل على علاج أدوائه وأعراضه، واستجابة لفعالياته، ومشاركة حقيقية في آلامه وآماله. إن الجامعة هي الصرح الممرد، المعين المتجدد، الذي به ترقى الأوطان، وتتجلى فاعلية الإنسان، وفي كنفه يتطور الفكر، وتتسامى طموحات الشباب، وتتجلى سوانح العطاء، ومدارج الرقاء، لأن حيوية الجامعة هي التي تصنع عظمة البلد ورقيه، في حاضره ومستقبله، وذلك ببناء الكيان الاجتماعي، وصياغة قيمه، وضمان تماسكه، وتفتق عبقرياته الحسان، في ظل الحصانة والثقة والأمان. ثقافة التسامح والحرية الايجابية إنه لا مناص للجامعة من تسلم الريادة واعتلاء الصدارة في بناء المجتمع وتوجيه وصيانة قيمه وتراثه، وتصور افاق مستقبله الواعد، ومصيره الراشد، باستعمال ما أمكن من وسائل وآليات تحسيسية وأدوات استقطابية بتقديم ما تملكه الجامعة مما تأثل لديها وتأصل من قيم اخلاقية راقية تكرس معاني النزاهة والأمانة والتضحية، وتبرز ثقافة التسامح والحرية الايجابية واحترام الآخر. أنه لابد من نظرة استراتيجية بعيدة المدى، محددة المعالم، واضحة الافاق، تقولب التكوين والبحث الجامعيين في اطار احتياجات المجتمع وضرورات الحياة لتوسيع مجالات الاهتمام وربط ذلك بالتكنولوجيات المستجدة. ولا مانع من مماشاة التجارب العالمية الناجحة في مختلف دول العالم، في تطوير سياسة التكوين المستمر للاستاذ الجامعي، ضمانا لترقية معارفه وخبراته، وعملا على دمجه بايجابية في الممارسة الحياتية الواقعية، حتى يكون عطاؤه أمينا وتثيره مكينا. التكوين النوعي والتثقيف العالي السيدات الفضليات السادة الافاضل ان الادماج الذي ننادي به للجامعة في المجتمع، لا بد له من سياسة ابداعية تؤهله للخدمة المتميزة، والعطاء الحقيقي للأجيال، مما لا يمكن ان يقوم الا على التعايش والتسامح، والتلاؤم والتواؤم التي سوف تخدم الجامعة بصورة عامة، والباحث الجامعي أستاذا وطالبا بصورة خاصة. لقد صار ضروريا ان نشيد الجامعة القادرة على امتلاك مقاربة تنظيمية، ومسعى بناء وملتزم يجعلها تتحكم انطلاقا من إدراكها العميق لآليات التطور، ومستلزمات التغيير، ومتطلبات التوق الي الغد الافضل، في أحداث الحياة، وطوارىء الاقتصاد، والفكر، والسياسة والاجتماع، مع التأثير الفاعل، والتوجيه البناء، دون سلبية ولا تقاعس. إن الادماج الحقيقي للجامعة في محيطها، يقتضي ان تضمن الجامعة التكوين النوعي، والتثقيف العالي، المرتكز على الدقة المنهجية، والصرامة العلمية، وهما منحيان متكاملان، يقومان علي جملة من المفاهيم والمعارف الأساسية، والمهارات التطبيقية والحياتية، التي تؤهل حامل الشهادة للاندماج الميسر في سوق العمل العام والخاص، مزودا بروح تائقة للتطلع الى المستقبل، ممتلكة لذوق نقدي حساس، فيتكامل هذا وذاك، ليكون النموذج المتوازن، والمواطن الصالح، الذي يرفع البلاد، وينفع العباد، ويكون سفير الجامعة في المجتمع، بما يحصله من علم، وتجربة، وخلق، وانضباط. ،إنه لمن الضروري ان تضطلع الجامعة بمناحي الحياة المتكاملة، فتعنى بالجوانب الحياتية الحساسة، كالظواهر الاجتماعية المؤثرة في السلوك، والروح، والعقيدة، والمفاهيم الايديولوجية المتأرجحة بين الواقع والمتوقع. وإن حرية التفكير، وأدب الحوار، ومعرفة أصول التعايش مع المخالفين، واحترام الرأي المغاير، وتثمين التنمية المستدامة للبيئة، والوعي بأهمية الأمن والاستقرار للأمة، لهي جميعا من المواضيع الجوهرية التي تقتضي ان تتمحور عليها الدراسات الجامعية العميقة والبحوث الاستشرافية الدقيقة، لتصور الواقع ومعالجته، وتتشوق الى المستقبل الخالي من العثرات والاختلالات والمفاسد، وإنه قد آن الآوان لتعمل الجامعة على تطوير علاقتها بالمؤسسات الوطنية العامة والخاصة، وذلك بتكثيف الزيارات الميدانية، والتداريب المهنية، والتربصات التطبيقية، لتقليص الهوة بين الدراسات النظرية العلمية، والممارسات التطبيقية الواقعية في اطار تبادل الخبرات، وانجاز الدراسات وتطوير الابحاث، واقتراح الحلول للمشاكل الواقعة، والمشاكل المفترضة المتوقعة. ومعلوم أن توطيد علاقة المجتمع بالجامعة، من شأنه ان يجعل المجتمع يحس بالأثر الايجابي للعمل والتكنولوجيا على حاضره ومستقبله، ولا يكون ذلك الا بنشر الثقافة العلمية، وجعلها في خدمة المجتمع، وربط الجامعة بمناحي التطور الايجابي للحياة، دون الاكتفاء بالتنظير الفلسفي المجرد، حتى تساير الجامعة بأساتذتها وطلبتها ومسيريها وعمالها، واقعية التغير المتسارع، ولا يكون ذلك ممكنا الا بمواكبة مسار الاصلاحات الشاملة التي تشهدها بلادنا، ونحن نعيش واقعها، ونستشرف الى قطف ثمارها اليانعة، وجني قطوفها الدانية، وذلك ما يتحقق اذا صحت العزائم، وصدقت النيات، وتعاون الجميع في هذا الوطن على البر والتقوى. وفي الختام: فإنني أشكر الاسرة الجامعية، وأعبر لها عن خالص الامتنان، وجميل العرفان، وأجدد ثقتي فيها، للمضي قدما لبناء جامعة قوية الاركان طموحة الى الافضل واعية بالدور المنوط بها، منفتحة على الواقع والمجتمع والحياة، عاملة على تطوير البحث في شتى الميادين لتحقيق النهضة المرتجاة، باخلاص أمين، وتكوين مكين، ومنهج علمي رصين، يرنو الى الحضارة، ويمارس البحث عن جدارة، في ظل جامعة مزدهرة الواقع واعدة المستقبل طموحة للأفضل، مسهمة في بناء الوطن، وحصانة القيم، وترقية الاقتصاد، وازدهار الحياة، وتطور الافكار. وإنني اذ أهنئكم بهذا الدخول الجامعي، أشكركم على كرم الاصغاء، وأعلن عن الافتتاح الرسمي للسنة الجامعية 2008 ,2009 راجيا من المولى ان يبلغنا جميعا منانا، وأن يسدد خطانا، لما فيه نفع البلاد والعباد والله الموفق للرشاد، وعليه وحده الاتكال والاعتماد. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عشنا بكل ألم وتأثر محنة الإبتلاء بولاية غرداية السيدات الفضليات ، السادة الأفاضل ، لقد عشنا بكل ألم وتأثر محنة الابتلاء التي شهدها سكان ولاية غرداية والمناطق المجاورة لها جراء الفياضانات الطوفانية التي غمرتها خلال الأيام الفارطة، وقد خلفت ضحايا في الأنفس وخسائر في العمران، وعطلت حركة المرور، وعاقت التنمية مخلفة روعا غير مألوف. وقد أصدرنا في الحين التعليمات اللازمة لمختلف مؤسسات الدولة على المستويين المركزي والمحلي للتكفل الفوري بإنقاذ وإسعاف وإيواء المنكوبين منهم، وتسخير كل الوسائل المتاحة لعودة التلاميذ إلى مدارسهم، مع تلبية جميع حاجيات الضحايا وعائلاتهم، بعد أن أعلنا بأنها منطقة منكوبة. ولهذا الغرض أمرت بتشكيل خلية أزمة تحت إشراف السيد رئيس الحكومة، تضطلع بمهامها إلى جانب ذلك العمل العفوي التضامني النبيل، الذي شهدناه على إثر الكارثة من قبل أعيان المنطقة وعلمائها وشبابها، الذين هبوا جميعا لنجدة أهلهم وذويهم فأبلوا البلاء الحسن، مؤكدين بذلك لحمتهم وتآزرهم في المحن العصيبة على عادة كل الجزائريين المتآخين على الدوام في السراء والضراء. وإن فداحة الخطب الذي ابتليت به منطقة ''غرداية'' وما جاورها، لم تسلم منه العديد من مناطق الوطن، كعين الدفلى والجلفة والنعامة، والمسيلة، والأغواط، وورقلة، وتبسة، وتيارت، فسقط في جميعها ضحايا، وهدمت مساكن، وقطعت أرزاق فتداعت لها أنفس المواطنين في كل مكان بالحزن، وهب أبناء العديد من ولايات شتى، تؤازر أسر الضحايا، وتسعف المنكوبين وتمسح أثار الخطب عن النفوس الجريحة. ولئن كان ما أصابنا من مصيبة قضاء وقدر من الله، نرجو رحمته ولطفه بنا، فإن بعض أسباب فداحة الخسارة في الأرواح والمكتسبات تعزى إلى التغيرات المناخية بفعل تدخل الإنسان العشوائي في قوانين الطبيعة وإعتدائه على نواميسها من خلال تلويث الجو بالغازات والنفايات السامة مما زاد في اتساع دائرة الخطر، وتعدد الأمراض الخطيرة المفنية والأوبئة وما إليها من الكوارث، كلها تعاضدت وتآلفت لتؤثر سلبا على الانسجام في أنساق الكون والحياة. وأشدد على المعنيين بهذه المناسبة، بأن يتخذوا من هذه الظواهر وهذه الكوارث درسا وموعظة، ليقوا أنفسهم والمواطنين أهوال وأخطار تقلبات الأحوال الجوية، والأنشطة البركانية وما إليها، ولنعمل جميعا بالقاعدة الذهبية ''الوقاية خير من العلاج'' واستباق الأحداث واستشراف الحلول قبل فوات الأوان، ولنعتبرها ابتلاء وضررا ننتفع منهما في رص الصفوف، ولم الجهود وشحذ الهمم، وتنقية الخواطر، بما يجعلنا نتجاوز المحنة ونلملم الجراح، حتى نتفرغ للقضايا الكبرى في التنمية الوطنية، والرقي المدني والنهوض الحضاري. ومن على هذا المنبر، أتقدم بتعازي الخالصة باسمي وباسم الشعب الجزائري، إلى أسر الضحايا وذويهم في كافة المناطق المتضررة، مبتهلا إلى العلي القدير، أن يرحم موتانا، ويسكنهم في جنات الخلد والريان، ويثبت أجر جميع المتعاضدين في هذه المحنة. وأطلب من الجميع الوقوف دقيقة صمت لقراءة الفاتحة ترحما على أرواح الضحايا.