لا تواجه الجزائر أزمة مالية رغم التداعيات الظرفية الراهنة، بقدر ما تعاني من معضلة ضعف استقطاب السيولة المتداولة في السوق الموازية وتلك المكتنزة لدى العائلات. أزمة الثقة في البنوك لا تزال عائقا إلى حين إتمام برنامج الإصلاح والحوكمة. إضافة إلى نجاعة الاقتصاد، ترتكز البلدان التي تتمتع بصلابة مالية على الادخار بمختلف أشكاله لتنمية مواردها المالية وتغذية الاحتياطي النقدي، ولأهمية الادخار في توفير السيولة لمرافقة تمويل الاقتصاد الخلاق للثروة، كما يتم السعي إليه في هذا المنعرج الحاسم على درب التخلص من تداعيات تراجع إيرادات النفط والتوجه إلى إدراك النمو مجدّدا، من خلال الرهان على قطاعات إنتاجية وأقل كلفة استثمارية، ولها نتائج اجتماعية مباشرة في توفير الشغل واستقطاب الشباب من حملة شهادات التكوين وخريجي الجامعات. للادخار بعد دولي وقد تم تخصيص يوم 31 أكتوبر من كل سنة موعدا لتقييم السياسات المنتهجة بشأنه وتشخيص مؤشراته، وكانت المناسبة ذات دلالات بالنسبة لبلادنا حيث إلتأمت المنظومة البنكية والمالية في بيت الصندوق الوطني للتوفير والاحتياط لصياغة مقاربة أكثر حداثة وطبقا لواقع السوق وتوّجهات المواطن. رغم أن للجزائر تقاليد في تنمية الادخار الذي تأسس غداة الاستقلال، إلا أن هناك عمل كبير ينتظر البنوك والمؤسسات المالية للرفع من مستوى مداخيل الادخار، خاصة تلك الموارد المالية الجاهزة التي لا تزال خارج النظام المصرفي الرسمي، مما يضيّع عن الاقتصاد الوطني فرصة التقاط نفس جديد لتمويل مشاريع إنتاجية ومرافقة مؤسسات تواجه صعوبات في التمويل. في هذا الإطار، وكما يظهره تشخيص الواقع هناك شريحة واسعة من الأفراد والمتعاملين يبدون ترددا تجاه النظام البنكي الحالي، ويحتاج الاهتمام بتوّجهاتهم قصد استقطاب اكبر حجم من الأموال التي في المتناول، وتحتاج فقط إلى تهيئة المناخ لإدماجها في الحركية الاقتصادية، وهو ما يمكن أن يتم من خلال منافذ عديدة مثل اعتماد «الصيرفة الإسلامية» على نطاق واسع، وهي معاملات قائمة حتى في بلدان غربية، عرفت كيف تجذب الرساميل وتوظفها لتطوير النمو موفرة لكل فئة منتجات بنكية تريدها. بالرجوع إلى محافظ بنك الجزائر، هناك حوالي خمسة آلاف مليار دينار في السوق الموازية، ومنها ما هو مكتنز في بيوت أصحابها، يستوجب الوضع الصعب العمل بكل قوة لإدماجها بسرعة في المنظومة البنكية، وهو تحد لا يمكن انجازه سوى باعتماد مقاربة علمية ودقيقة تشجّع المواطن والمقاول والمتعامل وأصحاب الثروات مهما كان حجمها على إيداعها في البنوك، وفقا لما يرتضيه. إن بناء هذه المعادلة ممكن إذا توفرت الثقة، وتضافرت جهود أصحاب البنوك وأصحاب الأموال، بما في ذلك المواطن البسيط والعائلة متوّسطة الدخل، ومن ثمة هناك إمكانية تعزيز الأمن المالي للجزائر وتقليص هامش اللّجوء إلى الاستدانة الخارجية، التي بدأ التفكير فيها وفي الأفق التجربة المريرة مع صندوق النقد الدولي في بداية التسعينات.