لا تزال فرص قوية قائمة لإعادة تصحيح معادلة السيولة المالية المحلية في مواجه شح الموارد الخارجية جراء تداعيات أزمة تراجع أسعار النفط. من بين المسارات التي يراهن عليها في انجاز هذا الهدف الحيوي الادخار والتوفير من خلال توسيع مساحة عروض المنتجات البنكية ضمن التوجه المحوري لإصلاح النظام المصرفي باتجاه أكثر مبادرة نحو المحيط. توجد كتلة سيولة مالية هائلة مكتنزة لدى الأسر والأفراد وأخرى تتداول في السوق الموازية بإمكانها أن تعوض العجز المسجل في الموارد التي يحتاج إليها النسيج الاقتصادي المنتج، ويعفي من اللجوء إلى حلول مفيدة في الراهن ومكلفة في المدى المتوسط مثل الإصدار النقدي المثير للجدل بين ضرورته لتغطية العجز في الميزانية وتداعياته السلبية في غياب انتاج الثروة. إن مواجهة التحديات التي تفرزها الوضعية الراهنة تتطلب اندماج مختلف المبادرات التي تهدف لمعالجة التبعات الناجمة عنها، بمعنى أن تتحرك كافة الأدوات نحو الهدف المسطر لتقليص الوقت ونجاعة الإجراءات، بحيث يراهن على التعديلات المرتقبة من جانب بنك الجزائر على قانون النقد والقرض لإطلاق مسار التمويلات التساهمية والتكميلية بعنوان المنتجات المطابقة لقواعد المالية الإسلامية. حتى وان كان هناك تأخرا في اعتماد هذا النمط المالي التكميلي الذي يمكن أن يجذب شريحة واسعة من المواطنين والمتعاملين إلى المنظومة المصرفية، فان حلوله في السوق قريبا من شانه أن يحقق المبتغى بالمعنى المالي والاقتصادي، بحيث يصبح ممكنا تجنيد كتلة مالية لها ثقلها في السوق ضمن مسار النموذج الجديد للنمو عن طريق توفير السيولة لتمويل الاستثمار المنتج ومن ثمة تسريع وتيرة النمو الحقيقي بإنتاج الثروة وتحسين التصدير. لقد وصف محافظ بنك الجزائر البنوك بالطرف الصامت، داعيا المنظومة كلها للتحرك في محيطها باتجاه المؤسسات التي تحمل مشاريع استثمارية إنتاجية وذات جدوى، بحيث يتحول البنك إلى حلقة معنية في السلسلة الاقتصادية اكبر بكثير من مجرد خزانة لتلقي وتسليم المال. ويتطلب هذا التحول في السلوك كشرط أساسي لتطوير الذهنية المناجيريالية انتهاج نمط اتصال حديث وشفاف وشامل يسمح بإعادة التموقع في المشهد الاقتصادي المحلي، بحيث يصبح البنك طرفا يرصد كل ما يدور حوله من خلال المتابعة والجوارية والجدية في قراءة المؤشرات. إن نجاح أي بنك يكمن في مدى القدرة على جذب الأموال من حوله من خلال تنويع العروض وترقية العلاقة مع زبائنه لإعادة ترميم عنصر الثقة التي تعتبر الحلقة المتينة في المعاملات المصرفية. ويمكن هنا استثمار الكثير من الأفكار والبرامج لتصحيح الصورة النمطية المركبة حول البنوك العمومية بحيث بقدر ما يتم انجاز العديد من العمليات التي تدخل في إطار العصرنة والتحديث بقدر ما يجب السهر على مواصلة ديمومة الانفتاح بالإصغاء للزبائن وملاءمة التدابير وفقا للطلب. ولعل القيام بتقييم مدى نجاح عملية استقطاب الرساميل المتداول خارج البنوك هم إجراء محوري في إعادة صياغة بناء التوجهات المقبلة بحيث من شأن تحديد النقائص ورصد المعوقات أن يعزز جهود إرساء الليونة المصرفية وإعادة بناء الثقة، ويمكن أن تكون الحلول على مستوى نظام عمل الوكالات أو الشبابيك، فلا يعقل مثلا توقع قدوم زبون محملا بكتلة مالية هائلة ليودعها من خلال شباك يستعمله الزبون العادين والأخرى ان تخصص شبابيك خاصة لمثل هذا العمليات خاصة وان المال يثير الحذر ويصعب كسب ثقة صاحبه إذا لم تراع حد أدنى من الشروط ولو بإحداث رواق اخضر خارج الساحة المخصصة لعامة الزبائن.