يقف المواطن العربي اليوم حائرا مندهشا وفي كثير من المرات مفصوم الشخصية التي هي عنده متضاربة متناطحة بسبب ما يراه وما يحاط حوله من فوارق حضارية بادية للعيان، سواء تلك التي يشاهدها بأم عينيه أثناء تنقلاته وتجواله، أو تلك التي جلبتها له وسائل الإعلام بمختلف مشاربها. الأكيد أنه كلما ازداد تساؤلا ازداد قلقا ونقما تجاه واقع يومي يعيش بين ظهرانيه ويتنفس هواءه صباح مساء؟ا لأنه كلما فهِم وخمّن بأن بلده الأصلي يحوز على مؤهلات سياحية وثقافية وثروات باطنية ومعدنية، عكس بعض الدول الأوروبية، الأسكندنافية، بعض الأمريكا اللاتينية، الأسيوية او حتى الخليجية.. منها تلك التي تمتلك القليل من هذه الموارد بل أن أغلبها يعمل على استيرادها من أقاليمنا.. ورغم ذلك تبدو حياة الفرد هناك مريحة وهانئة بل صارت أوطانهم مِحجا لكثير من العقول والطاقات،مشاكلها أقل بكثير من مشاكلنا وأزماتنا، بل أن الفوارق الاجتماعية لا أثر لها تقريبا أو قل بدرجات جزئية وأقل بسبب السياسات الناجعة والمسطرة من طرف الحكومات والهيئات والمنظمات التي تراعي في المقام الأول بل ترعى قيمة الإنسان وكيفية عيشه بين أحضان كل القيم الإنسانية والمواطناتية وبجزء كبير من الكرامة.. هذا النوع من المنظمات والهيئات لا تكاد تشم لها رائحة عندنا على الرغم من وجودها على الورق وبالتسمية، وحين إذِ يصبح لسان حال خطاب المواطن اليومي كلما حانت له الفرصة مُقِرا بأن بلده الأصلي يعاني من معضلات وتشنجات كبرى في التسيير والتقنين.. وأن هنالك إعطاب وجب على القائمين على شؤون الحكم أن يسارعوا في التخلص منها وتفكيك شفراتها؟ والأكثر من غريب أنها تبدو للجميع واضحة وضوح الشمس. أي مشخّصة والجميع يعطيك بشأنها وصفة علاج كاملة وبسرعة البرق.. لكنك تراه يزداد يأسا وقنوطا ولا يفكر إلا في كيفية الهرب والهجرة يوم يسمع عن كثير من الحقائق والتصريحات الصادرة من أجندة نفس المسؤولين والتي لم تعد في كثير من المحافل والمحطات إلا ذرا للرماد في العيون، كما يقال أوهي في الأصل عبارة عن وعود مستقبلية. معظمها لا يدخل إلا في ثقافة الديماغوجية والهروب نحو الأمام.. وليت الأمر يتوقف عند هذه الطبقة الدنيا والتي هي بحجم مستواها السفلي تفهم وتفقه مثل هذه المسائل جيدا.. بل كيف سيكون الأمر يا ترى مع الكوادر والإطارات المثقفة والأدمغة التي جلها لا يتمنى فقط بل يسعى سعيا حثيثا وبإصرار على العمل والعيش خارج الحدود.. أينما يجد الحياة هناك أكثر رفاهية وتألقا؟ا فلقد بلغت حدود الصبر أوجها لدى الكثيرين منهم ممن يزدادون طلبا للتخلص من هذا الواقع المعيشي المرير.. يوم تجدهم يتدافعون على مداخل السفارات، حيث يزداد مستوى القلق لديهم حسب مستوى الكره والتشاؤم أمام أنفسهم وأحوالهم وأينما ولوّا وجوههم.. وهنا وفي هذا المنعرج بالذات تجدهم دوما يسّخرون يستهزؤون من واقعهم الذي يعتبرونه دوما في المراتب الأخيرة على أساس أن الأمل في حدّ ذاته نفذ ونصاب شد الرحال ها قد اكتمل.. نحن هنا نتحدث عن فئة الشباب وأغلب الطلبة خاصة الجامعيين.، أما إذا عرجنا على الفئات الأخرى فإنك تلحظ لا محالة تلك الغصة من المرارة عالقة في حلوقهم ولا تسمع منهم سوى الأدعية الداعية لإصلاح حال هذا البلد.. وفي أذهانهم أن كل شيء أصبح واضحا.. وأن المتلصصين منعدمي الضمير أصبحوا هم من يتحكمون في رقاب الأغلبية، ويزدادون تمركزا ونفوذا. ولا حول ولا قوة لهم هم.. بل يعيشون يومياتهم مجرد ضحايا أن وقد ضاقت صدورهم من حجم المشاكل والمتاعب التي جلبها. هذا العصر المتسم بالسرعة والدقة والتطور الإلكتروني المذهل وصولا إلى الثقافة الرقمية الحسية،يطرح السؤال الجوهري ما لفرق بيننا وبين الغرب إن لم يكن التخطيط الجيد والمحكم ووضع الحسابات الدقيقة لأدنى المسائل.. وإقامة العدل والشفافية في تناول الأمور وإدارته. وبعد كل هذا التيه الذي عاشته ومازال شخصياتهم جاء الدور على العقول التي بدورها أصيبت بداء الخلط واللافهم.. بل عجزت وأعيقت عن تفسير ما يحدث في كل الاتجاهات؟ا