"لا جزائر في أدبي بعد اليوم إلا إذا كتبت سيرتي الذاتية..." التحجب ليس غطاء الرأس والاحترام تفرضه الأخلاق عادت فضيلة الفاروق إلى الساحة الأدبية مؤخرا برواية جديدة "أقاليم الخوف" عالجت فيها موضوعا جديدا عن كتاباتها، حيث ابتعدت فضيلة عن الفضاء الجزائري لأول مرة واختارت أن تدخل موضوع الإثنيات العرقية في لبنان والتطرف الديني والحروب في الشرق الأوسط، وتطرح أيضا مشكلة استغلال النساء من طرف المتطرفين. عن كل هذه الإشكاليات تتحدث الفاروق ل "الشروق" وتؤكد أن قرار ابتعادها أدبيا عن الجزائر اتخذته بعد موجة الشتائم والإهانات التي تعرضت لها وطالت عائلتها عندما كتبت عن قسنطينة. أقاليم الخوف رواية تدور أحداثها خارج الجزائر، هل تخلت فضيلة الفاروق عن جزائريتها الأدبية؟ - لا أحد يشفى من وطنه يا صديقتي، لكن حين يبالغ أبناء بلدك في إهانتك، فمن الأفضل أن تبتعدي عنهم، كثيرون انتقدوا فضائي المكاني في رواياتي السابقة، واتهمت أكثر من تهمة حقيرة لأني كتبت عن قسنطينة، فتركتها، وكانت جزائريتي دوما سببا لتطاول بعض الجزائريين عليّ بألفاظ لا أخلاقية، أنا في الحقيقة تعبت من هذه الحروب والمعارك معهم، والرواية فضاء واسع لقول كل شيء، ولهذا قلت فيها ما أريد، المهم تركت لهم الجزائر سليمة معافاة ولم أمسسها بكلمة واحدة... مع ملاحظة أني شتمت من جزائريين فقط للأسف، وشتمت عائلتي، وألصقت بي أوصاف بذيئة، طبعا لن أعتب على الأصدقاء هنا، لكن لا أحد حرك ساكنا للدفاع عني أو عن أدبي أو فقط للمطالبة بإبعاد عائلتي عما يكتب عني، فأنا أكتب باسم مستعار، وسلاحي هو القلم ولا أظنني شتمت أحدا أو شتمت عائلته، لأحظى بهذا الكم من النعوت السيئة، وآخرها إن كنت تذكرين جاء حين قلت في محاضرة بالجزائر إن الأساتذة الذين استقدمناهم خاصة من مصر ثم من سورية والعراق أساؤوا لنا كجزائريين لأنهم كانوا شواذا فكريا في الغالب، وحكوماتهم آنذاك أرسلتهم لتتخلص منهم، بالمختصر سأقول لك إني تعلمت الدرس، واتخذت قراري... لا جزائر في أدبي بعد اليوم إلا إن كتبت سيرتي الذاتية... وأنتظر روائع من شتموني، عنها... مع أنه مضت سنوات ولم يفعلوا شيئا، إذ لا يزالون يشتغلون بالثرثرة ويعدون سنوات فشلهم. في الرواية تطرحين موضوعا رغم خطورته لكنه لا يثير عادة النقاش لأنه جوهر التطرف اليوم وهو سوء فهم الدين و تفسيره وفوضى الفتاوى وممارسات المتشددين، إذا استطعنا أن نقول هذا برأيك، لماذا وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم؟ هل هي مسؤولية الأنظمة التربوية أم منظومة الإعلام؟ - لجأت لكتابة الرواية لأنني لا أحب الشرح، وأصبحت أشعر بلا جدوى الكلام مع مجتمع أنهكه التخلف من القاعدة إلى القمة، نحن مجتمع فاسد من الخليج إلى المحيط، الجميع يدعي فيه فهم ما هو صح وما هو غلط، ومع هذا الجميع يتصرف بسوء نية، فيما يخص موجة التدين التي بدأت مع التيار الخميني جعلت المسلمين إما يكفرون تماما بالإسلام، ويغيرون ديانتهم إلى المسيحية، أو إلى الإلحاد، ومنهم من يعيش كالسجين، في خوف مستمر من الآخر، ويحاول قدر المستطاع أن يمثل الدور المطلوب منه ليعيش، وطبعا هناك فئة قليلة تحاول أن تحمي الإسلام كدين سلام ومحبة وإيمان ولكنه محاصرة ومحاربة... هذه الدوامة المتعددة الأطراف ولدها التطرف الديني الذي تغلغل في أنظمتنا وفي إعلامنا ومناهجنا المدرسية أما مصيبتنا الكبرى فتكمن في رجال الدين، إذ فجأة يرتدي أحدهم جبة بيضاء ويطلق لحيته فإذا به أصبح إماما يؤم الناس للصلاة ويقدم لهم المواعظ، ولأن مجتمعنا جاهل ولا يقرأ حتى المصحف فقد مرر هؤلاء رسائلهم بسهولة بين الفئات البسيطة من الناس وإلى اليوم تستمر هذه المهزلة، والأنظمة العربية بدل أن تعيد تكوين المجتمع بفكر تنويري تنفي مثقفيها ومفكريها نحو الغرب، أو تزج بهم في السجون، وتحضن بقايا البشر الذين يدمرون أوطاننا... تبدو شخصية مارغريت أو ماغي غامضة فهي ليست لبنانية تماما ولا أمريكية تماما، هل هي كناية عن نموذج الضياع العربي اليوم وسط هويات متعددة؟ - بالضبط هي هكذا، هي النموذج الشرقي الذي يريد هوية أخرى، لأن هويته الأصلية ضربته في الصميم وأصبحت شبهة بالنسبة له، لكن ماغي ايضا تبين الشق الغربي في هذه الشخصية وما تحمله من خوف تجاه الإسلام كدين غير مفهوم من خلال سلوك المسلمين، فماغي تتصرف وفق ما تراه وتعايشه، وليس وفق الجزء النظري من الإسلام الذي ينام بين دفتي المصحف. ماذا تقصد الرواية بالشرق عموما، هل هو شرق العرب أو مشرقهم؟ - الشرق هو هذه الرقعة من العالم التي أنجبت الأنبياء والرسل جميعهم، وهي الرقعة التي تتقاتل لأسباب غريبة وغير مفهومة، الشرق هو أرض الصراعات الدموية التي لا تنتهي بين أتباع داوود وموسى وعيسى عليهم السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم... إننا غريبون إذ نؤمن بعيسى عليه السلام ولكننا نحتقر أتباعه ونجد اسبابا غريبة لتصفيتهم، فنحن المسلمون يجبرنا إسلامنا أن نؤمن بكل الأنبياء والرسل، عكس الديانات الأخرى، ومع هذا فنحن نحتفل بإقامة مسجد في باريس، ونزغرد له ونجبر وزير داخلية فرنسا أن يدشنه، ولكننا إن صادفنا أن وجدنا إنجيلا في محفظة تلميذة مسلمة نطلب لها الشرطة، بل الأنكى من ذلك أن بعض المسلمين يرفعون قضايا غريبة في بلاد الناس كأن يطالب تلميذ بأن يؤدي صلاته في المدرسة، فيما أطفالنا يتراشقون بالحجارة في الشوارع، ويعتدون على النساء، ويسرقون ويكذبون ولا يصلون حتى في بيوتهم... الرواية تطرح بحدة مشاكل النساء، هل يعنى هذا أن فضيلة الفاروق تحولت من كاتبة إلى مناضلة؟ - طول عمري مناضلة... والكتابة عندي وسيلة نضال، وليست أكسسوارا للوجاهة. تحدثت في الرواية عن الحجاب وتفسير الدين حسب أهواء الفقهاء، هل تعتقدين صراحة أن الحجاب يشكل مشكلة حقيقية في وجه تطورالمراة وحريتها؟ - بالنسبة لي المظهر يكشف جزءا من شخصيتك، فأنت حين ترتدين تنورة تكشف فخذيك وتصبغين شعرك اشقر وتعلكين علكتك بطريقة مقززة فأنت قد صنفت نفسك ضمن إطار معين لا يناسبني، لكن حين تتنكرين بحجاب ولباس له مرجعية دينية فأنت تغشينني مسبقا، وتعاملي معك سيكون من باب المظهر الذي تقدمينه لي، وأنا أرفض خداعي، وأرفض ان يفرض هذا اللباس على الجميع، إن المرأة كما الرجل كل حر باختيار لباسه، هذا أرحم من أن نتورط كل يوم بعلاقات مشبوهة مع أناس يوهموننا أنهم ملائكة وهم في الحقيقة شياطين، وعلى العموم فاليوم لم يعد يكفي أن تكوني محجبة ليرضى عنك المتطرفون، أظن أنه حتى النقاب لم يعد يرضيهم بل ما يرضيهم هو أن تقاتلي من أجلهم، وأتأسف أن المرأة لدينا تابعة دوما لغيرها سواء لرجل أو لمنظمة أو لتيار، ولا أظن أن الإسلام دين سطحي لهذه الدرجة ليعنى بغطاء الرأس للمرأة ويجعله صكا للغفران لها، أو سببا إذا ما رفضت أن ترتديه لتقتل أو ينكل بها، وشخصيا أرى أن مجتمعنا منذ ازدادت ظاهرة الحجاب فيه أصبح بلا أخلاق أكثر، وأصبحت جرائم الاغتصاب تزداد، والتحرشات بالنساء في الشوارع تزداد، إذ لم يغير الحجاب من سلوك الناس في شيء.. فضلية الفاروق عادة بعيدة عن السياسة والاشتغال بها، لكن روايتك مملوءة بالأحكام والمواقف السياسية: الاثنية اللبنانية، ضياع العراق، دور الامريكان في الشرق الأوسط، الجهاد في أفغانستان... هل تنوين تأسيس حزب أم لم تعد المواضيع المعتادة تستقطبك؟ - نعم أكره السياسة ورجال السياسة، وأحاول قدر الإمكان أن اتفاداهم، وبالطبع أنا آخر إنسان يمكن أن يؤسس لحزب، أنا أحب أن يكون الإنسان حرا، وينعم بالحرية التي منحها له الله والسياسة تعمل عكس فكري تماما، لهذا لا نلتقي. أما لماذا اخترت هذا الموضوع فلأنه يقلقني، ولأني رفعت التحدي بيني وبين نفسي أن أقدم موضوعا جديدا هذه السنة ففعلت... لماذا كتبت فضلية الفاروق رواية "أقاليم الخوف" هل لحاجة إبداعية أم خيار مفروض، بصيغة أخرى كيف حدث حتى لجأت فضيلة للكتابة في مثل هذا الموضوع "قصة كتابتك للرواية"؟ - يفرض علينا الواقع ما نكتبه... وحين يعيش المرء 43 سنة من عمره كلها خوف، يصبح الأمر خطيرا، فنحن نخاف من أفراد عائلاتنا، ومن معلم المدرسة، ومن الجيران، ومن الشرطة ومن الأنظمة، وحتى الله الذي نلجأ إليه في وقت الشدة أعطيت له صورة مرعبة من قبل من يدعون الدين. إذن إن كان الإنسان يعيش في دائرة من الخوف والرعب فما جدوى حياته؟؟؟ هل الخوف من الله يوصلنا إلى طريق الإيمان والهداية؟؟؟ بالنسبة لي يكفيني أن أتأمل طبيعته لأخر ساجدة، معظمة إياه وأن أكون له حامدة... ما الرسالة التي أوصلها هؤلاء المتطرفون لنا؟؟؟؟ أظن أنها رسالة مخيفة تمس بالذات الإلهية ومع هذا لا يزال المجتمع لا يحاكمهم، ويتسامح معهم وحين يخاف منهم يختبئ مثلما يفعل الجبناء دوما...