بقلم: جمال نصرالله (مليار أبيك وشهادة البكالوريا.. وتصبح فعالا في عصرك).. هذه هي الوصفة العصرية وحتى لا نقول السحرية ممن يروج لها من لدن كثير من أبناء هذا العصر الذين اتخذوها ذريعة تعوّض عنهم ثقافة العجز والاتكال بل تساعدهم على تليين حياتهم ودهنها بأكثر من مادة كيميائية لتصبح صالحة لجميع الحقب وتعمل بشكل جيد دون قلق أوتعليق. وأكيد أنه ولا أحد سيسأل عن الأسباب الموضوعية التي أدت إلى وجود وحضور هذه الظاهرة التي بقدرما تبدو غريبة فهي مفزعة وصادمة لكل القيم ومرعدة للفرائس… بها يصبح المرىء الشاب كامل الأوصاف كما يقال، فقد ظل معظم الجزائريون يرددونها وفي كل المواسم، تعبيرا منهم عن واقع سيء وصلنا إليه حول موضوع التحصيل العلمي السهل الهيّن، في زمن فقدت فيه شهادة "الباك" طعمها الاجتماعي وحتى الوجداني، فقد أضحت عبارة عن مادة أولية تباع وتشترى في كذا محلات ومعارض.. والغالبية العظمى تستطيع الظفر بها وامتلاكها مع التسليم أن مواسم الجد والكد صارا من النوادر، بل كما يقول المثل كالإبرة في أكوام التبن؟، وهي جذع مشترك تتوزع فيه عدة مهام، كل طرف ورقم يؤدي دوره بامتياز…نحن هنا لا نبكي عن الماضي من أجل أن يعود، لكننا مضطرون لمساءلته واستحضاره كشاهد ثابت صادق بغية مقارعته ومقارنته بحال وصلنا إليه وبقينا منه نتوجع وعليه نتأسف…ذالكم الماضي وما فيه من أمجاد وأمثلة تركت بصمتها في نفوسنا سواء قرأناها أو سمعنا عنها أوشاهدناها في أراشيف الفيديوهات..ماضي البطولات وتقديس القيم وروح طلاب العلم الطاهرة الفضولية في معرفة أعقد المسائل والتماس الحلول الممكنة لها…لم يكن ذالكم الماضي يخصص قسطا زمنيا كبيرا للحديث عن الغش والغشاشين وعن المتآمرين على العلم والمعرفة، بل المتلصصين هكذا مباشرة من دون سابق إنذار، لذلك يشدنا الحنين نحو تلك المراحل التي تعلمنا منها كيف يكون الإنسان إنسانا، وكيف تكون المدرسة مدرسة والسوق سوقا والإدارة إدارة والحديقة حديقة والشارع شارعا …. وهكذا دواليك. أما الآن فقد تميعت شتى القيم وكل التهم تُنسب للحضارة المادية والتطور التكنولوجي الذي نزل على رؤوسنا نزول الفيل على النمل؟. الأثرياء يزدادون ثراء والفقراء يزدادون يأسا وقنوطا وما بينهما سماسرة يستثمرون في هذا وذاك…كان بمكان أن تكون عندنا في الجزائر طبقة وسطى بمثابة عماد الخيمة أوالعروة الوثقى التي تحافظ على توازن الكثير من التأسيس والتقية، أو قل كأنها بمثابة الشرطي الذي يحافظ على سلامة وتنظيم حركة المرور، لكن حينما ماتت واندثرت…اختلط النابل بالحابل ولم يعد الإنسان يفرق بين الغث والسمين أو بين الجيد والرديء (وذلكم هو الإنسان أعقد المخلوقات وممن في خلقه شؤون). الحضارة المادية التي نعيش بين ظهرانيها تزداد تعقيدا، والإنسان الجزائري وسطها كذرة صابون داخل آلة غسيل لا يعرف مصيره، إلا بما أوحت إليه أرصدته المالية وما كسبه من أرقام حسابية، لكن للأسف لم يدر ولم يدرك هذا الإنسان بأن هنالك أشياء لا تشترى بكنوز الدنيا ولا بمغرياتها، لأن كل هذا الذي نراه عبارة عن زبد وفقاعات صابون لها زمن محدود لفنائها (وما ينفع الناس يمكث في الأرض صدق الله العظيم )، لذلك فخلاصة القول أن اللاهثين من هذا النوع والصنف مصيرهم معلوم، حسبما ترك لنا التاريخ من عبر وحكم ومآثر وشواهد نعود إليها في كل مرة لنقتدي بها..فأين قارون وهارون وأين فرعون وجينكز خان، وأين الذين نسمع ومازال عن محاكماتهم شهريا في صفحات الجرائد..ممن أرادوا أن يقفزوا على واقعهم…فحُوسبوا عاجلا، أما الباقون فإنهم تنطبق عليهم مقولته (إن الله يمهل ولايهمل).