كم أتألم، بل أتقزز لما أسمع قادة الأحزاب يتكلمون باسم المناضلين وماهم كذلك، لأن النضال يعني التضحية ونشر المبادئ والقيم الحزبية والقدرة على التوعية والتعبئة والتجنيد لمواجهة أي طارئ.. لكن في اعتقادنا ومن خلال تجربتنا ومعايشتنا لواقع الأحزاب، فإن المناضل الحقيقي يكاد يكون مفقودا، والمناضلون الحقيقيون في حالة انقراض، وحتى ''الديناصورات'' التي كان يحسب لها ألف حساب ذهبت وتمرغت في ''عفس كرعين'' الوافدين الجدد بحثا عن مكان يوفر لهم ما يطمحون إليه، اقتداء بمن سبقوهم إلى ''المؤسسات'' بل ''الشركات'' الحزبية، التي جعلوها مطية حتمية لانتزاع ''مڤعد'' في مجلس على ظهر المواطن المسكين الذي يولون له الأدبار بمجرد جلوسهم مع ''الكبار'' الذين عادة ما يحتقرون الصغار لأنهم ليسوا من نفس الطينة..! وإذا كان المجال اليوم مفتوحا على مصرعيه لتأسيس الأحزاب، فإن الانتهازيين والمنبوذين والهاربين والمهرَّبين من قهر القياديين والمتعطشين للسلطة والمولوعين بحب الظهور في الجلسات واللقاءات والملتقيات والمؤامرات، عفوا المؤتمرات وحضور الاستقبالات الرسمية، كل هؤلاء خرجوا من جحورهم يزحفون نحو وزارة الداخلية لطلب اعتماد حزيبات فئوية وجهوية ومصلحية، تقتات من فتات أحزاب الأغلبية التي تتفنن في اقتسام ''كعكة الزوالية'' المتمثلة في الميزانية، سواء خلال الحملة أو بعد ظهور النتائج الانتخابية. الزاحفون على بطونهم وقادة الأحزاب المجهرية وما تحت المجهرية الذين تنجبهم الساحة السياسية، بعد المصادقة على القوانين البلدية، والإعلامية والحزبية، يعلمون جيدا أن فشلهم مضمون في العمليات الانتخابية، لكنهم متأكدون أنهم سينجحون في الاستثمار في المترشحين، الذين يتنافسون على من يقدم أكثر للفوز بمرتبة متقدمة في القائمة الانتخابية، بعد أن أصبحت ''الشكارة'' هي المقياس الأول للترشح حتى في الأحزاب التي تدعي أنها كبيرة، لكنها صغيرة بتصرفاتها وخرقها للقواعد والمبادئ الحزبية النزيهة والنظيفة. أما شرط الكفاءة والثقافة فلا مكان له إلا في الخطب الديماغوجية الموجهة للاستهلاك، ونستثني من هذا الحكم، محمد السعيد، رئيس حزب العدالة والحرية (غير المعتمد)، الذي فضل في تدخله ''شكارة'' الكفاءة والثقافة على ''شكارة'' الأموال ولو كانت نظيفة..!