دقّ البروفيسور مصطفى خياطي رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث “فورام”، في حديث مع “الشعب” حول واقع المخدرات في الجزائر، ناقوس الخطر قائلا: “إنّ آفة المخدرات قد أخذت منعرجا خطيرا في كل الولايات، وإن الأرقام الموجودة تؤكد ذلك”، حيث تمّ تسجيل 300 ألف حالة إدمان، كاشفا في السياق ذاته عن 20 ألف قضية رفعت إلى العدالة مقترنة بالمخدرات. ❊ الشعب: كيف تقيّمون واقع المخدرات في الجزائر في الوقت الراهن؟ ❊❊ البروفيسور خياطي: لقد أخذ واقع المخدرات في الجزائر منزلقا خطيرا، فهذه الآفة الخطيرة التي تهدد أمن واستقرار المجتمع باتت تتقدم بسرعة مذهلة، حتى أنّها انتشرت بين الذكور والإناث. ولعل الكارثة في الأمر أنها تمس فئة الشباب الفئة الأكثر حيوية المعوّل عليها في ترقية وازدهار هذا الوطن، وأنا أحذّر هنا كل المعنيين والمسؤولين من الخطر الذي قد يمثله الإدمان والمتاجرة بالمخدرات على استقرار الوطن، وأوجّه في هذا الإطار دعوة مستعجلة إلى كل الفاعلين والناشطين في هذا المجال إلى محاربتها بشكل فعّال، من خلال إيجاد السبل الكفيلة بذلك، سواء تعلق ذلك بالجانب الردعي أو التحسيسي. ❊ ما هي الإجراءات التي تمّ اتّخاذها لمواجهة هذه الآفة والتحسيس بمخاطرها؟ ❊❊ إنّ الهيئة الوطنية لترقية الصحة ركّزت كل جهودها من أجل تكوين مؤطرين في مختلف الأحياء لمحاربة ظاهرة الإدمان، من خلال التحسيس بمخاطرها وعواقبها السلبية على المستقبل المهني والصحي للشباب، وعلى وجه الخصوص التكفل سيكولوجيا بالمدمنين، حيث يمسّ هذا التكوين ثلاث شرائح من المجتمع: أئمة ورؤساء جمعيات ومنشطين اجتماعيين وتربويين، إلى جانب مسؤولين في ميدان الشباب. ويهدف هذا العمل إلى إعطاء مفاهيم جديدة فيما تعلق بنوعية أداء الرسالة الخاصة بتحسيس الشباب بمخاطر الإدمان، وكذا تعريفهم بأنواع المخدرات المستعملة والأضرار التي تلحقها بالجسم والمجتمع والاقتصاد على حد السواء. ❊ إلى ماذا يعود الانتشار المقلق لظاهرة المخدرات والمتاجرة بها في الجزائر؟ ❊❊ إن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والتي يتولّد عنها حالة من اليأس لدى الشباب خاصة، حيث تفقدهم طعم الحياة تعدّ من بين أهم العوامل التي تؤدي بالشخص إلى اللجوء إلى تعاطي هذه المادة. وأشير هنا إلى مشكل البطالة، التسرب المدرسي ونقص وسائل الترفيه للشباب العاطل عن العمل، هذا فيما يخص العوامل الاجتماعية، أما إذا ما تحدثنا على الجانب الردعي، فهناك عدة فراغات في القانون ممّا يتطلب إعادة النظر فيها وتداركها، خاصة وأنّ ظاهرة المخدرات من الآفات الاجتماعية المدمّرة التي ينبغي مواجهتها بكل عزم وثبات لأن الأمر يتعلق بصحة وأمن واستقرار الأمة برمّتها. ❊ لاطالما دافعتم عن صيغة المجمعات الطبية كبديل على الطرق التقليدية المعتمدة في العلاج على الإدمان؟ ❊❊ إنّ مع فكرة العلاج بصيغة المجمعات الطبية، بحكم انتهاجها لأساليب مغايرة في التعامل مع هذه الظاهرة الحساسة، على غرار اقتراحها مقاربة جديدة في علاج المدمنين وإعانتهم على تجاوز انتكاسهم كبديل للمتابعة الكلاسيكية، حيث تكفل الخطوة بتوفير العناية القصوى للمدمنين حتى لا ينتكسوا ذلك من خلال إمدادهم بالعلاج الصحي والاجتماعي وإحاطتهم بالرقابة المستمرة. ويرتبط تفكيري بهذه المسألة بعدما أثبتت الطرق التقليدية عدم نجاعتها ومحدوديتها في تحقيق الأهداف المرجوة، حيث لوحظ أن 70 بالمائة من المدمنين الذين يغادرون المصالح الاستشفائية يعودون مرة أخرى وفي ظرف وجيز إلى الإدمان. ❊ ما هي السبل التي يمكن التقرب منها أكثر من الشاب لتوعيته من خطر استهلاك المخدرات في ظل فشل الصيغ التقليدية في الحد من الظاهرة؟ ❊❊ حتى نتمكّن من وضع حد لتفاقم الإدمان على المخدرات وجب علينا العمل على ثلاثة مستويات: 1 على المستوى القانوني وجب على السلطات تصعيد الضغط على مروّجي المخدرات، وتضييق الخناق عليهم بإصدار قوانين أكثر صرامة، ومن هذه القوانين لا يجب الدخول في نقاش حول حذف حكم الإعدام على مروّجي المخدرات، حيث يجب أن يبقى هذا الحكم كرادع كبير باعتبار أن النطق بالحكم 20 سنة على مروجي المخدرات كأقصى عقوبة واستفادته من العفو الشامل في كل مناسبة وطنية يجعله يقضي فترة قصيرة في السجن، وبمجرد خروجه من السجن يعاود تجارته لهذه المواد السامة القاتلة. 2 إلغاء تجريم المستهلكين الصغار لهذه المواد حتى لا نساهم في دخولهم إلى هذا المجال من الباب الواسع لها باعتبار أنّ السجن مدرسة للإجرام. 3 محاربة الجريمة والمخدرات لا يجب أن تبقى تخضع لنظرة كلاسيكية باعتبار أنها تطورت كثيرا، ولذا هي تتطلّب منّا اليوم تنسيقا محكما بين الجهات المعنية لتكوين قوة ضاربة من خلال اتحاد كل من الشرطة الجمارك والدرك والعمل سوية من الحدود إلى الحدود، مع الأخذ بالتجربة الإيطالية التي نجحت من خلال تجربتها في توحيد هذه الجهات الثلاثة لمحاربة الظاهرة. كما يتطلّب علينا اليوم تفعيل دور الجمعيات في أعمالها التحسيسية وتدعيمها ماديا حتى تتمكّن من الاستعانة بنجوم في الرياضة والفن ممّن يحظون بشعبية واسعة لدى هذه الفئة ويمثلون قدوة لهم. كما أنّ الحديث عن حتمية معالجة موضوع المخدرات بمنظار شمولي، يؤدي بنا إلى التوقف عند الدور الأساسي الذي تلعبه الأسرة، وخاصة في التنمية الاجتماعية للطفل. ❊ما هو برنامج “فورام” لهذه السنة، وما هي الشرائح الأكثر استهدافا خلال حملتكم التحسيسية هذه؟ ❊❊ سيتم خلال حملتنا الحالية والتي عرفت انطلاقتها من ولاية أدرار تنظيم سلسلة من النشاطات الدورية في عدة مجالات رياضية ثقافية على مدار السنة، وستكلّل فعاليات هذه الحملة التوعوية التي تعرف مشاركة وجوه معروفة، على غرار الرياضي خالد لموشية وسليمة سواكري ووجوه فنية على غرار فرقة “دوبل كانون”، كما سيتم في ذات السياق تعليق لافتات إشهارية تنصح بعدم الاقتراب من المخدرات، عبر أكبر شوارع العاصمة وبمحاذاة المؤسسات التربوية والجامعات، وستعمّم على باقي ولايات الوطن. تعد فئة الشباب الأكثر استهدافا خلال حملاتنا التحسيسية، باعتبار أنّ مختلف الإحصائيات تؤكّد أنّه من 25 إلى 30 بالمائة من الشباب يستهلكون المخدرات. ❊ ما هي الإحصائيات الأخيرة حول تفاقم ظاهرة المخدرات؟ ❊❊ الحديث بلغة الأرقام لا يتوقف عند الحد الذي أفادنا به ديوان الوطني لمكافحة المخدرات والإدمان، هذا الأخير الذي سجّل خلال سنة 2011، 300 ألف حالة إدمان في الجزائر، فالظاهرة مستمرة وفي كل يوم نسجل قضايا تضاف إلى القائمة، مع احتساب جديد لقائمة المتورطين للكميات المحجوزة. ودعيني أشير في هذه النقطة بالذات أنّ 20 ألف قضية رفعت إلى العدالة السنة المنصرمة لها علاقة وطيدة مع المخدرات، فالمتعاطي للمخدرات بإمكانه أن يقتل وأن يسرق، وأن يتعدى على الأشخاص والممتلكات، حيث يكون في حالة اللاوعي وهو ما يهدّد أمن واستقرار البلاد أكثر، وليس هناك أدنى شك على أن العلاقات بين تهريب المخدرات واستهلاكها والأشكال الأخرى من الإجرام قائمة، بل أصبحت علاقة عضوية وواضحة وضوح الشمس. والإحصائيات اليوم لم يعد لها قيمة لأنّ الأعداد باتت كبيرة تتطلب التجند لمواجهتها، والحد منها باعتبارها باتت تنخر المجتمع الجزائري. ❊ فيما يخص تجريم المستهلكين كيف ترون هذا الإجراء القانوني؟ ❊❊ هو خطأ كبير ساهم في انتشار الظاهرة باعتبار أن السجن يعد مدرسة للجريمة، حيث يلتقي المستهلك لكميات قليلة منها مع مروجي المخدرات ليصبح وبمجرد خروجه تاجرا للمخدرات. وأنا شخصيا ضد فكرة اعتقال شخص يكون بحوزته كمية قليلة من المخدرات كان سيتعاطاها، بل أرى أنه من واجب السلطات توجيهه إلى مصلحة العلاج بدلا من توجيهه إلى السجن.