توّج في ديسمبر2018 بجائزة المنارة الشعرية في وصف جامع الجزائر، بقصيدته الرائعة الموسومة «كأنه هو»، وتألّق قبلها في المشهد الثقافي سنة 2017 بفوزه بالمرتبة الأولى في جائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب «علي معاشي» بمجموعته الشعرية «العاشق الذي ضيّع حلمه مرّتين»، وها هو اليوم يحصد الجائزة الثانية في الطبعة 23 لمسابقة الشارقة بمجموعته الشعرية «كفن واحد، وأكثر من قبر». إنّه الكاتب والشّاعر محمد بوثران ابن بلدية «بين الويدان» بولاية سكيكدة، الذي تخلّى عن مهنته كأستاذ اللغة العربية ليتفرّغ لشغفه بالكتابة وموهبته الفذّة في الشعر، والذي يكشف من خلال هذا الحوار كيف تخدم الجوائز المبدع الشاب وتساعد على تسليط الضوء عليه في بلده. - الشعب: لماذا ننتظرُ دائما فوز كاتب أو مبدع ما بجائزة حتى نعرفه؟ الشّاعر محمد بوثران: هذا أكثر سؤال يؤرّقني منذ البدء وحتى المنتهى، فلطالما كانت الجوائز الأدبية من يسلّط الضوء على الكاتب، ويعرّف القرّاء به. فلولاها ما عرفنا الكثير من الأسماء الأدبية التي تؤثث الساحة الوطنية والعالمية، من أصغر جائزة حتى جائزة نوبل. ألم يحن الوقتُ لتهتم السلطة ومن خلالها هيئاتها الثقافية المختلفة، بالمبدعين في كل المجالات وتسعى للبحث عنهم، فما أكثر الذين لا يسعفهم الحظ للفوز بجائزة ما تضمن لهم الخروج من الظلمة إلى النور، وما محمد بوثران إلا واحد من هؤلاء ابتسم له الحظ ليس إلا. - أين دور الوزارة الوصيّة في مثل هكذا مواقف، وماذا ينبغي لها أن تفعل لتشجيع الإبداع؟ قبل الخوض في هذا النقاش، أريد أن أذكّر الجميع أنها ليست المرة الأولى ولا الثانية التي أفوز فيها بجائزة أدبية، قبل عام من الآن كنتُ متوجا بجائزة المنارة الشعرية في وصف جامع الجزائر، وقبلها بجائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب، وبين هذه وتلك عديد الجوائز التي سلّطت الضوء عليّ، لكنه يخفُت كعادته سريعا، وأعود للظلّ كئيبا، لا أنال سوى الحسرة وأنا أرى أن ما باليد حيلة، ولستُ سوى شمعة تُضاء كلما انقطعت الكهرباء، ثم تطفئ حين لا يكون لها حاجة. محمّد بالأمس كان في زاوية مظلمة جدا، كان شابا يائسا تخلّى عن وظيفته ليعيش شغف الكتابة، تخلى عن كل شيء ليقدّم لهذا البلد كل ما يستطيعه، هذا البلد الذي تنكّر له مرات عديدة وهو يرى من هم أقل منه كفاءة ينالون المجد، وينال هو القادم من عمق الوطن الحسرة والخيبة، محمد الذي يُقال له أنت الشاعر الفذ لكنّه لا يُعامل هكذا لأنّه ابن الجزائر العميقة لا ابن السلطة المدلل. - ماذا تضيف الجائزة للمبدع؟ يعلم جميع من يعرفني أنّي تخلّيت عن كل شيء لأجل التفرّغ للكتابة، وعن وظيفتي كأستاذ أيضا لأنّها كانت تأخذ منّي كل الوقت، فضّلت الكتابة على وظيفة تؤمن قوت يومي لأني شابٌ يؤمن أنه إن أراد تحقيق ذاته، فعليه أن لا يكبّل نفسه بقيودٍ تعيقه. لأجل ما سبق كانت الجوائز دافعا مهمّا لي أمام تقصير الدولة في دعم المثقّف الفاعل، فالجائزة توفر لي قبل كل شيء المال الذي يحتاجه التفرّغ للكتابة، وتفتح أمامي نافذة واسعة يطل من خلالها الآخر على تجربتي الأدبية، وهكذا أضرب عصفورين بحجر واحد ما دام قد كُتب على المثقّف عيش حياتين في آن واحد، حياة الأديب الذي يعيش لخدمة بلده، وحياة الإنسان الذي يسعى لتأمين لقمة العيش. - لماذا اختار محمد بوثران الأدب، وكيف يمكن أن يكون هذا الأخير حلا في زمن الأزمات؟ لا يولد الكاتب كاتبا، ولكنه أيضا لا يختار أن يصبح كذلك. لم أختر أن أصير كاتبا لكنّ الكثير من الخيارات التي اخترتها في طفولتي هي التي جعلتني على ما أنا عليه اليوم، أول قصة أطالعها، أول مجلة أتصفحها، أول قصيدة أحفظها، أول رسالة أكتبها..وهكذا فالكثير من التفاصيل الصغيرة حين تراكمت جعلتني دون أن أدري أقطع هذه الطريق الطويلة بخطى واثقة واثقة حينا، ومرتبكة أحيانا. لا أذكر عنوان أول نص كتبته، ولا تاريخ كتابته، لأنّني شخصٌ لا ينظر للخلف كثيرا، أنظر للأمام دوما، حيث الأفق البعيد، كلّ ما أذكره أني بدأت ككل كاتبٍ في تاريخ الكتابة، صغيرا جدا، قزما لا يُرى.. لكنّني كنت أكبر ميليمترا مع كل نص جديد، إلى أن رآني الآخر القريب جدا، فالآخر القريب قليلا، فالبعيد فالأبعد، هكذا تماما كما تطلع الشمس خلف التلال البعيدة. الآن في رصيدي عدد لا بأس به من الجوائز التي أقف عليها لأرى العالم ويراني كما أنا اليوم، كاتبا وجد الطريق لذاته، منذ أول جائزة فزت بها وأنا طالب في الثانوية وفرحتُ بها تماما كما فرحت اليوم، إلى آخر جائزة سأحصل عليها. وإن سألتني أيّة جائزة هي الأقرب لقلبي، لقلتُ بكل بساطة؛ التي لم أفز بها بعد، لأنّي لا أجيد الوقوف على أمجاد الماضي. - ماذا عن النّص الفائز بجائزة الشارقة، ما موضوعه؟ ولماذا هو بالذّات؟ «كفن واحد، وأكثر من قبر»، هذا هو عنوان المجموعة الشعرية التي فزت من خلالها بالجائزة، حاولت خلالها أن أنظر للعالم بأعين البسطاء، الذين يصارعون الحياة لأجل كرامتهم، ليواصلوا استنشاق الأوكسيجين حتى آخر ذرة. أن أقول لا في وجه هذا الخراب الذي يحيط بنا، ليعمّ البياض القلوب بدل السواد، ولنحبّ ذواتنا، ونحب الآخرين. الشعر بالنسبة لي قضيةٌ إنسانية، هو سلاح الأمم الذي تواجه به الفناء، فالأمم الخالدة هي الأمم التي خلّفت شعرا يحكي أمجادها وبطولاتها، ودون شعر لن يكون لوجودنا أي معنى لأنّنا سنزول لا محالة حين لا تجد كتب التاريخ ما تقوله عنا. الشعر هو الأبدية بالنسبة لي، لهذا هو نقيض الموت، ونقيض الهزيمة..ولأجل هذا أكتب الشعر وأمنحه كل عمري.