دستور جديد..عبور إلى شرعيّة شعبيّة «توجّهات الجزائر الجديدة التي ترتقي بالمجتمع وتسمو بالبلاد دون قطيعة مع المرجعية الوطنية أو تنكّر للماضي برصيده الثّمين من مكاسب الشّعب الاجتماعية والاقتصادية، وإزالة كل فجوات البناء السياسي السّلبية التي يتسلّل منها الاحتكار والفساد عبر قوانين أعدّتها العصابة» . مسارات عديدة انطلقت على درب إرساء دعائم جزائر جديدة، يتعلق الأمر بمقاربة للتغيير المنهجي بحشد الطّاقات الموجودة ودمج الخبرة مع الشباب في الجهاز التنفيذي بكسر احتكار تولي المسؤولية في أعلى مؤسسات الدولة، وتكريس ثقافة الاتصال والتواصل لتفادي فراغ تنمو فيه الاشاعة والأخبار المغلوطة التي تبين كيف تحوّلت إلى عامل زعزعة مجتمعات بنشر الفوضى واستهداف حلقة الثقة. الرّهان على اتصال مستمر تتدفّق من خلال قنوات شفّافة، معطيات وأخبار ومواقف من مصادرها تحد يومي يظهر أن هناك إرادة لرفعه، ومنه يمكن التصدي لكل الملفات ذات الصلة بالراهن والمستقبل. في هذا الاطار، يعطي الرّئيس تبون المثل الملموس بتنظيمه لقاءات مباشرة مع متعاملي الصحافة تفتح نقاشا حرا وبدون حدود حتى يكون المشهد خاليا من غموض وتساؤل بشأن كل ما يهم الحياة العامة للبلاد، وما يشغل بال الرأي العام في كل ربوع الجزائر. أول لقاء يكون الثلاثاء 21 جانفي 2020 ليؤسّس للمنهج المسطّر، الذي بدا منذ الأول بإعادة ترتيب آلية الاتصال على أعلى الهرم بضبط قنوات التواصل التي تلزم المؤسسة العليا في الدولة، ومنها ينبغي أن تأخذ باقي المؤسّسات على كافة المستويات المثال في الممارسة في زمن عولمة الاعلام من خلال وسائط التواصل التكنولوجية التي تخترق الحدود في كل لحظة. دستور..ينهي الحكم الفردي لم تمض فترة طويلة عن انتخاب الرئيس تبون حتى برزت معالم التغيير الذي أخذ مساره بهدوء وتبصّر نحو بلوغ أهداف الانتقال الشامل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ضمن معادلة جزائر جديدة تستوعب كافة الجزائريين على اختلاف توجّهاتهم وتنوّع مشاربهم. ورشات الاصلاح الكبرى التي كانت عناوين حملته الانتخابية بدأت تلوح في المشهد من خلال إطلاق مبادرة مراجعة الدستور بتشكيل لجنة للخبراء مكلّفة بتحضير وثيقة النقاش حول الدستور القادم ليكون مطابقا للمعايير الديمقراطية ويراعي الخصوصيات الوطنية قبل الحسم في المشروع باستفتاء شعبي يسمح بالتعبير عن الارادة الشعبية صاحبة السيادة. عمل اللجنة كما أوضحه بشكل جلي رئيسها لعرابة، صاحب الكفاءة القانونية التقنية ليست مجلسا تأسيسيا وإنما تشتغل ضمن المحاور السبعة التي حدّدتها رسالة التكليف الرئاسية، بحيث يتم التوصل إلى إعداد صياغة راقية لوثيقة مراجعة الدستور لإنجاز التغييرات اللازمة التي تستوعب مطالب الشعب المعبر عنها في الحراك بنسخته الأصلية ضمن المبادئ والقواعد الوطنية التي تحكم النسيج الوطني منذ الأجيال المؤسسة التي بعثت الجزائر من أتون ثورات شعبية قاومت الاحتلال، إلى أن أثمرت ثورة تحريرية فريدة حقّقت الآمال والتطلعات في الحرية والعدالة والكرامة بمعاني المساواة وتكافؤ الفرص، وتفوق العمل معيار التنافسية النزيهة في خدمة البلاد. في أجل شهرين يخرج المولود المرتقب ليكون موضوع نقاش على أكثر من مستوى من أجل تعميق المقترحات، بحيث يتم إدراج كل ما نادى به الشعب من إنهاء للحكم الفردي بتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، وكسر مركز النفوذ واحتكار القرار بتوزيع محكم للسلطات الدستورية وإحداث التوازن بينها، بحيث تؤدي وظائفها بما يخدم توجهات الجزائر الجديدة التي ترتقي بالمجتمع وتسمو بالبلاد دون أي قطيعة مع المرجعية الوطنية أو تنكّر للماضي برصيده الثمين من مكاسب الشعب الاجتماعية والاقتصادية، وإزالة كل فجوات البناء السياسي السلبية التي يتسلّل منها الاحتكار والفساد بغطاء قوانين أعدّتها العصابة وأدواتها في عشريات سابقة في مشروعها للاستحواذ على مفاصل السلطة السياسية والثروات الاقتصادية، والتموقع على قمة الهرم قبل أن تسقط من برجها العاجي تحت وقع تحرّك الشارع بسلمية، مناديا بإنهاء مغامرة كانت تدفع بالبلاد إلى انهيار سارعت المؤسسة العسكرية للجيش الوطني الشعبي بتفكيك خيوط مؤامرتها، وإعادة الأوضاع إلى مسار الشرعية. تعامل مع الجميع..لا إقصاء، لا تهميش ولا مقاولة من الباطن قبل هذا انطلق مسار مشاورات يقودها تبون بمنهجية تعكس وجود رؤية مستقبلية منسجمة مع خطابه الانتخابي، بانفتاح كامل على مختلف الأطراف السياسية والشركاء في معادلة الديمقراطية التشاركية، متجاوزا خلافات واختلافات بما يعكس روح مسؤولية عالية تؤسّس حقيقة لمرحلة نوعية سوف تؤثّر بالتأكيد في الخطاب الحزبي والممارسة السياسية ليبرز المشهد الديمقراطي الجديد، الذي يفسح المجال لتنافس البرامج ويمنح الفرصة للشباب لولوج الساحة السياسية للممارسة والطموح في بلوغ مراتب عبر المسار الانتخابي الشفاف، وكذلك تمكين ظهور معارضة حقيقية لديها القناعة الراسخة بقبول حكم الصندوق الانتخابي، ونبذ كل ما يصنف في خانة الفساد الحزبي من ولاءات مغشوشة، وتغوّل للمال الفاسد في بيئة ادارية مسّها فساد بدأ يتراجع في ضوء ما يرتقب من تغييرات متوقعة في القريب سوف تمس الجماعات المحلية ليكتمل الشوط الأول من وضع أسس الدولة الجديدة. سلسلة لقاءات أجراها تبون مع روساء أحزاب وشخصيات لديها تصوّرات ووجهات نظر ولقاءات مماثلة واردة في ورقة الطريق المؤسسة للمستقبل، بحيث يتم إدماج كل الارادات الطيبة والنزيهة في ديناميكية التحول السياسي تحت رقابة رأي عام يبدي اهتمامه بالشأن الوطني بكل جوانبه وبالذات السياسي منها. مؤشّر آخر يستوجب التوقف عند انعكاساته الايجابية، يتعلق باتخاذ إجراءات التهدئة بالافراج عن عدد معتبر من موقوفي الحراك، في رسالة تعطي قوة لحركة عجلة الحوار الشامل التي أطلقها تبون فور إعلان فوزه بالرئاسيات، من منطلق انشغال عميق بضرورة تجاوز المرحلة نحو أفق أكثر انفتاحا على المجتمع بما أفرزه من شركاء محتملين، وعدم الانغلاق في قوالب تقليدية كرّست الرداءة في الساحة السياسية من خلال ما يعرف بالموالاة وأحزاب السلطة وأدواتها في مواقع إدارية ومؤسسات منتخبة ومواقع إعلامية لطالما تغذّت من مرحلة أصبحت من الماضي يحاكمها التاريخ والأجيال. صحافة حديثة..نهاية الابتزاز، الموالاة المغشوشة والزبائنية لا يمكن في هذا الرصد إغفال الاعلام في المشهد الجديد بالنظر لما طرحه وزير الاتصال الناطق باسم الحكومة من محاور كبرى لورشات إصلاح قادمة لا تترك كبيرة وصغيرة إلا وسوف تتم معالجتها من خلال حوار بين المهنيين والسلطات المختصة لرسم معالم صحافة مستقلة واحترافية بمعايير دولية، لا مجال فيها للقرصنة أو كل ما يدرج في ممارسات المرحلة السابقة التي أحدثت اختلالا عميقا بين المواطن والصحافة والمؤسسات. من ثمّة إعادة بعث صحافة وطنية متنوعة ومنسجمة مع خط التغيير، فتكون مرافقا ومراقبا لأي انحراف خاصة وأن الرئيس تبون كان على درجة كبيرة من المسؤولية تجاه التزاماته 54 لمّا رفض مخاطبته بلقب فخامة فقد كل معانيه، وطالب الاعلام بأداء مهنته باحترافية ومهنية بالحرص على نقل الحقائق بصدق ونزاهة، وعدم التخندق في زوايا تقليدية للوبيات وجماعات مصالح وممارسة النقد تجاه السياسات المنتهجة والخيارات المسطرة إذا حادت عن المسار الذي انتزع به الشرعية، وقال بصريح العبارة: «إذا أخطأت قوّموني»، في موقف راق يعكس صدقا إلى أن يثبت العكس. وفقا لتلك الديناميكية تمّ إحداث تغيير على رأس سلطة الضبط السمعي البصري بتعيين لوبر رئيسا لها قصد إعطاء نفس لهذه الهيئة التي يقع عليها عبء ترتيب المشهد السمعي البصري، على أساس تكريس حرية النشاط لكن بمعايير مهنية لا مجال فيها لأي سلوك ابتزاز أو تشويش على الساحة الوطنية أو لعب ادوار مناولة سياسية حزبية لخدمة جماعات ضغط أو لوبيات احتكار. ويتوقّع إحداث تغيير على تركيبة السلطة لتأمين انسجامها وفعاليتها بتعزيز ممثلي المهنة أكثر، ولعل أول ما ينبغي العمل على تثبيته إنهاء ممارسات التلفيق والاهانة والمغالطة والزبائنية لأي جهة كانت حتى لو كانت مشروعة على مستوى المشهد، بحيث كل جهة تدافع عن مركزها دون الحاجة لتنميق وتجميل ترافقه دوما رداءة في العمل وضعف في مضمون الرّسالة الاعلامية. تأسيس للمواطنة..تأمين الوصول إلى القضاء خيار جديد فيه جرأة على طريق تثبيت مسار التغيير على درب تأسيس المواطنة في إطار الوحدة والانسجام، اهتدت إليه الدولة يتمثل في أخلقة الحياة العامة بالتصدي لظاهرة اتساع رقعة العنصرية والجهوية والكراهية في الخطاب خاصة في الاونة الاخيرة، وظهر بشكل ملفت في شعارات ترفع خلال مشهد الحراك ولكن تمارس أيضا ومنذ عقود على مستوى دواليب الادارة والمؤسسات ممّا يهدّد الانسجام الاجتماعي ويعيق بناء المواطنة السليمة. لذلك يرتقب إعداد قانون متوزان يضمن حقوق حرية التعبير، ويحفظ كرامة الانسان لقطع دابر هذا الخطر الذي يتطلب من المواطن والحزب والمسؤول التشبع بقيم إنسانية وروح انفتاح مسؤولية تجاه المحيط، إذا لا مجال في جزائر اليوم لتلك الممارسات الدنيئة التي تعيق تطور البلاد، وتعرقل تقدم وتيرة المنافسة بين أبناء الوطن الواحد لتقديم الأفضل للمجموعة الوطنية وكسر قوالب جاهزة ضيقة الأفق لدى كثيرين ممّن لهم قرار سياسي أو اقتصادي أو إداري، وله كلفة اقتصادية باهظة. الطموح اليوم أن يتم تسييج الساحة بكل مجالاتها بتشريع واضح ودقيق لا يقبل التأويل، يضمن لكل مواطن الحق في التنقل والعمل والتعبير، لكن بضوابط أخلاقية بحيث يمكن حينها كسر تسلّط بقايا العصابة وإزاحة ممارساتها نهائيا، لكن بإعطاء القضاء دورا أيضا في تجسيد التحول شريطة مراجعة رسوم التعامل مع العدالة وتبسيط الاجراءات، وتقليص الآجال لتدارك التأخر وكسب نتائج ذلك. لعل هذا جانب يتقاطع مع احتجاج المحامين ضد رسوم قانون المالية، الذي يرفع من عبء كلفة التقاضي للمواطن ويعيق طلب الحقوق، وهي مسألة يتوقّع أن يتم معالجتها في قانون مالية تكميلي مرتقب في منتصف السنة بالنظر لمتطلبات ضبط الميزانية بالجنوح أكثر للتحصيل الضريبي الاقتصادي منه للنمط الاداري التقليدي العاجز، الذي وصل نهايته ليعوّض بآخر أكثر مرونة وفعالية وانسجاما مع تطلّعات الشعب الجزائري.