على بعد أسابيع من تعيين وزير السكن والعمران والمدينة عبد المجيد تبون على رأس الوزارة الأولى لتولي تسيير شؤون الدولة خلفا للوزير الأول الأسبق عبد المالك سلال بدأت بوادر الاستجابة لبعض تعليماته التي سطرها في إطار خريطة الطريق التي تبناها لتجاوز جملة المشاكل التي تمر بها الجزائر على جميع المستويات والمجالات، لاسيما تلك التي لها صلة مباشرة بالعمل والممارسة السياسية تلوح في الأفق. وقد شدد تبون على ضرورة إعادة هيبة المؤسسات الرسمية خاصة المنتخبة منها باعتبارها رمزا من رموز الدولة، من خلال تطهير المشهد السياسي الذي عرف "فوضى" في السنوات الأخيرة من بعض المعضلات الدخيلة عليه، موجها في أول خرجة إعلامية له بصفته وزير أول للدولة خلال تقديمه لمخطط عمل حكومته أمام نواب الشعب بالغرفة البرلمانية السفلى الأسبوع الفارط، رسالة قوية مفادها استئصال "التعفن السياسي" الحاصل في التشكيلات الحزبية بعد غزو المال السياسي أو ما يطلق عليه إعلاميا "بالمال الوسخ " الهياكل المركزية والقاعدية لهذه الأحزاب بما فيها المصطفة في المعسكر الموالي والتي تحولت الممارسة السياسية فيها إلى "شبه تجارة" يستغلها بارونات المال للوصول إلى تحقيق مآربهم الشخصية على حساب نزاهة مؤسسات الدولة التي من المفروض احترامها، وفي هذا الصدد استوعبت بعض الشخصيات الثقيلة والفعالة في الساحة السياسية الوطنية مضمون الرسالة الموجهة لهم بدليل "حملة التطهير" المرتقبة التي لمح إليها الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي أحمد أويحيى، في هياكل حزبه بعد أن أدرك مدى تأثير المال الوسخ على الممارسة السياسية النزيهة المبنية على الروح النضالية والقناعة الإيديولوجية، التي من شأنها إعادة كسب ثقة المواطن الجزائري العازف من الفعل السياسي بدليل نسبة العزوف الرهيبة المسجلة في تشريعيات الرابع ماي الفارط. وللحد من حجم هذه الظاهرة التي تستدعي تضافر الجهود بين كل الفاعلين السياسيين والسلطات الرسمية يجب التقيد بمبادئ دولة القانون وبقوانين الجمهورية أعطى تبون الضمانات الكافية لبلوغ هذا المبتغى خاصة بعد أن شدد الفصل بين المال والسلطة في إطار قواعد جديدة لتأطير الحالات المتعلقة باستغلال النفوذ لتحقيق مصالح شخصية معزولة. وتكون استجابة أويحيى لرسالة تبون الذي نجح في ضمه إلى صفه، بمثابة الخطوة المشجعة التي تمهد الطريق لغريمه الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الافلان جمال ولد عباس، للانضمام إلى هذه المبادرة للتخلص من شبح الانشقاقات الحاصلة في حزبه العتيد بسبب توغل المال الوسخ في كيانه الداخلي وتتجلى صحة هذه الأمور فيما حدث من فوضى وصراعات داخلية بين أصحاب النفوذ والمال خلال إعداد قوائم الترشح للتشريعيات الماضية، و"سيناريو التمرد" على ما يبدو استنادا إلى بعض المعطيات الحالية الواقعة بالبيت العتيد، انه سيتكرر في حال إن لم يأخذ ولد عباس رسالة تبون بمحمل الجد في المحطات الانتخابية المقبلة، وفي هذه الحالة سيكون الوزير الأول عبد المجيد تبون مصرا على إعادة توازن المشهد السياسي المحلي ومجبرا على تطبيق القانون على القوة السياسية الأولى في البلاد التي ينتمي إليها. مناس جمال