تزايد التذمر من التواجد العسكري الفرنسي تقف «الشعب»، اليوم، في حوارها مع السيد رابح زاوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة مولود معمري بتيزي وزو، عند تنامي الظاهرة الارهابية بمنطقة الساحل، وتبحث معه في سبب إخفاق المواجهة العسكرية التي تخوضها جيوش المنطقة وقوّة «بارخان» الفرنسية تحديدا، ما يُعيد طرح علامة استفهام كبرى عن الهدف الحقيقي من انخراط فرنسا في مكافحة الارهاب بالساحل، وعن جدوى القوّة الصلبة كخيار وحيد في مواجهته، بدل العمل على محاربة مسبّباته من مشاكل التخلّف والتبعية والتنمية والتعليم والبطالة وغيرها. «الشعب»: جمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الأسبوع الماضي، قادة دول الساحل الإفريقي وبحث معهم مستقبل التواجد العسكري الفرنسي في المنطقة، أيّ نتيجة خرج بها هذا اللّقاء، وهل شكّل إضافة في عملية محاربة الإرهاب؟ الأستاذ رابح زاوي: في حقيقة الأمر هذا الاجتماع، الذي ضمّ زعماء دول الساحل الخمس والرئيس الفرنسي، شهد تركيز هذا الأخير على التنديد بالخطب التي وصفها بغير الجديرة بالثقة، كونها بحسبه، تغذي المناهضين للسياسة الفرنسية في الساحل، فوفقا له، هذه الخطب تخدم «قوى أجنبية»، وبالتأكيد أن المقصود هنا هوروسيا، خاصة مع التقارير التي تتحدث عن تواجد أنشطة للمجموعة شبه العسكرية الروسية «فاغنر». من ضمن ما أشار إليه ماكرون، أن ما يتم تداوله هنا وهناك من طرف دول أخرى تخدم مصالح معينة، إما مصالح الجماعات الإرهابية أومصالح القوى الأجنبية الأخرى التي تريد ببساطة رؤية الأوروبيين مبعدين من الساحة الإقليمية ومن المنطقة ككل، لأن لديهم جدول أعمالهم الخاص والذي وصفه بجدول أعمال المرتزقة، كما لم يفوّت الفرصة ليشير إلى أن تواجد الجيش الفرنسي في الساحل الإفريقي هومن أجل الأمن والاستقرار وليس من أجل شيء آخر، وهنا يجب الإشارة إلى أن كل ما ذكره ليس له ما يسنده على أرض الواقع إطلاقا، فتواجد الجيش الفرنسي في المنطقة مكشوف الأهداف والنوايا، ولا يخفى على أي كان مصالح فرنسا في المنطقة، والتي لا هي حققت الأمن والاستقرار، ولا هي تركت سكان المنطقة يقرّرون مصيرهم بعيدا عن التدّخل في شؤونهم الداخلية، حيث وفي نفس اللّحظة التي قد تشهد تقليصا في حجم القوات الأمريكية في إفريقيا، فإن فرنسا ستزيد عدد أفرادها العسكريين، حيث سيتم إرسال 220 عسكري إضافياً، يعزّزون قوات «بارخان « المكوّنة من حوالي 4500 رجل. هذا الاجتماع وما حمل من رسائل كان موّجها بشكل كبير لروسيا ودورها في المنطقة، والأكيد هويعبر عن انزعاج فرنسا من التحرّك الدبلوماسي الجزائري في الفترة الأخيرة. لم تعد شعوب الساحل الإفريقي تخفي تذمرها من التواجد العسكري الفرنسي حتى أنّنا شهدنا مظاهرات عارمة في مالي وغيرها تطالب «بارخان» بالمغادرة، ما سبب هذا الموقف خاصة أن الماليّين هلّلوا كثيرا للتدخل الفرنسي في 2013؟ ما بين سنة 2013 والآن أكثر من سبع سنوات، ما الذي تغيّر في مالي وغيرها من دول الساحل والصحراء؟ هل حققت تلك الدول الاستقرار السياسي المنشود؟ هل استطاعت تجاوز خلافاتها الداخلية ؟ هل عاد الأمن وعاد معه ملايين النازحين ؟ هل تم القضاء على التنظيمات الإرهابية ؟ الإجابة هي قطعا بالنفي، فالتدّخل الفرنسي في المنطقة لم يزد الأمور إلا تعقيدا، وقد تم تنظيم مظاهرات تعبّر عن الامتعاض من تواجد الفرنسيين في مالي، فمثلا في 10 جانفي خرجت مظاهرة في ساحة الحرّية بالعاصمة باماكو، شارك فيها نواب «التجمّع من أجل مالي»، حزب الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا، بالإضافة إلى زعيم حزب المعارضة، وتم خلالها رفع شعارات مثل: «تسقط فرنسا». برأيكم لماذا أخفقت القوّات الفرنسية في معركتها ضد الإرهاب بالساحل؟ يمكن إرجاع هذه الإخفاقات إلى جملة من العوامل، نقسمها إلى محورين، الأول مرتبط بالطبيعة الجغرافية للمنطقة المتميّزة بالصعوبة والشساعة، وهوالأمر الذي يتطلب حجما كبيرا من القوّات من جهة، وكذا تغطية جوّية كبيرة، فمثلا سقوط المروحيتان الفرنسيتان دفع بفرنسا إلى سحب سلاح المروحيات الفعّال من المعركة بعد أن تبيّنت قدرة الارهابيين على إسقاطها، والتركيز على الضربات الجوّية عن بعد بواسطة طائرات أخرى، أما بالنسبة للعامل الثاني، فيتمثل في وجود عداء كبير للعسكريين الفرنسيين بالمنطقة، خاصة في مالي وفي مناطق الشمال تحديدا، والتي تنظر إلى وجود تلك القوات على أنه استعمار وليس شيئا آخر، وبالتالي هذا ينميّ العداء ويشجّع على رفض تواجدها وما تقوم به، وحتى التعاون معها، كما لا يفوتنا أن نشير إلى إخفاق السياسة الفرنسية بشكل كبير جدا في إدارة الملف المالي وغيره، خاصة وأن النوايا أصبحت مكشوفة ومعروفة للجميع، وأن التواجد الفرنسي في المنطقة هولخدمة المصالح ولا شيء غير ذلك. ما الأسباب وراء تمدّد الإرهاب بمختلف دول الساحل، وكيف تفسّرون نوعية ضرباته حيث يستهدف ثكنات عسكرية ويحصد أرواح عشرات العسكريين؟ شيء طبيعي جدا أن تركز التنظيمات الارهابية على استهداف الثكنات العسكرية، ومحاولة حصد أكبر عدد من الضحايا، لأن ذلك يحقق لها أهدافا عدة، من بينها الانتشار وتحقيق نقاط تقدم، خاصة مع التغطية الإعلامية الدولية، وهوالأمر الذي سيضر بكل تأكيد القوات الفرنسية في المنطقة، ويضعف من جهة أخرى معنويات أفراد الجيش الفرنسي. أما بالنسبة لنوعية الضربات، فهي مرتبطة أيضا بنوعية الأسلحة المستعملة، حيث شهدت تلك التنظيمات تطورا في نوعية العتاد العسكري المستعمل خاصة مع سهولة الحصول عليه، كما يظهر هذا من خلال قدرتها على إسقاط الطائرات المروحية، والصواريخ المضادة للدبابات وغيرها. «داعش» الإرهابي فرض نفسه كتنظيم دموي منافس للقاعدة في الساحل، بماذا تفسّرون هذا الأمر؟ صحيح، هويشكّل ربما نسخة متطوّرة لتنظيم القاعدة الارهابي، على الرغم من وجود اختلافات إيديولوجية بينهما، سواء في طريقة العمل، أوفي كيفية الانتشار، ولكنه يشكل منافسا هاما، خاصة مع تراجع القاعدة وقدرتها على استقطاب دمويين جدّد، لتفسح المجال لداعش الذي أثبت قدرته على ذلك والدليل هوالارتفاع في أعداد الشباب الملتحقين به، وكذا في نوعية الأسلحة المستعملة، كلها عوامل تبدومتوافقة ولها قدرة تفسيرية لهذا التنامي، كما لا يجب أن ننسى أن تراجع هذا التنظيم الارهابي في منطقة الشرق الأوسط، جعله يبحث عن فضاءات جديدة، ربما يوّفرها له الساحل الإفريقي، على الرغم من الاختلاف في البيئة الجغرافية وفي «العدو» المستهدف. يتحدّث كثيرون عن أن المنطقة تكون قد استقطبت الإرهابيين الفارين من سورياوالعراق، ما تعليقكم؟ كثيرة هي التقارير التي تتحدث عن أرقام كبيرة جدا للارهابيين القادمين من ساحات النزاع في سوريا واليمن وحتى العراق باتجاه فضاءات جديدة في ليبيا مثلا أوحتى في مالي والساحل الإفريقي، ولكن هذا يحتمل رؤيتين، الأولى، أن هناك مبالغة في الأعداد المقدّمة لاختلاف ساحة القتال من جهة وللإشكالات المرتبطة بالفرق بين القتال ضد النظام السوري أوما يحصل في الساحل الإفريقي، لأن الأمر يتعلق بمقاومة القوات الفرنسية، أما الرؤية الثانية فمرتبطة بحقيقة أن تنظيم داعش الارهابي في السنوات الأخيرة، كان يعاني من ظاهرة الانشقاق داخل صفوفه، وهوالأمر الذي سمح بفرار العديد من دموييه، وبين من عاد لموطنه الأصلي وبين من توّجه إلى ساحات جديدة. ما قولكم حول ما يتردد من عزم الإدارة الأمريكية تقليص وجودها العسكري في منطقة غرب إفريقيا؟ هي مجرد تقارير صحفية يتم تداولها على نطاق واسع، فإلى غاية الآن الإدارة الأمريكية لم تصرّح بذلك إطلاقا، ولكن يمكن أن تتجه الى ذلك في حالة ما إذا حصلت تفاهمات بينها وبين الحكومة الفرنسية بما يضمن الحفاظ على المصالح الأمريكية ويحقق لها أهدافها في إطار تقاسم الأدوار بينها وبين القوى الأخرى. ولكن إذا ما ربطنا بين الحديث عن تقليص وجودها العسكري في المنطقة، وبين قرار الرئيس الفرنسي ماكرون إرسال المزيد من العسكريين الفرنسيين، يمكن أن نعرف ذلك في قادم الأيام. كيف تقيّمون الوضع في الساحل وما تصوّركم لما ستؤول إليه الأوضاع مع المواجهة التي أطلقها الإرهابيون؟ أعتقد أننا سنشهد ارتفاعا في الأعمال الإرهابية التي تستهدف القوات الفرنسية في المنطقة، دون أن ننسى إمكانية سقوط المزيد من العسكريين الفرنسيين، لأنه لم يسبق وأن عرفت القوات الفرنسية حجم خسائر بمثل هذه الصورة، وبالتالي الأمر مرّشح للاستمرار خاصة مع حالة التذمر الكبيرة التي ما فتئت ترتفع يوما بعد يوم. لحد الآن المعركة ضد الإرهاب في الساحل لم تنجح، فهل الخلل في الإستراتيجية التي تعتمد على الخيار العسكري، في حين أن المعركة تتطلب بعث تنمية شاملة وحلول أخرى؟ أكيد، الخلل الأكبر هواستمرار فرنسا في التعامل مع المنطقة، وفق نفس الممارسات الاستعمارية، دون أدنى احترام لا للشعوب في المنطقة، ولا للقانون الدولي، دون أن نغفل كذلك مسألة مهمة، وهي أن التعامل مع قضايا اقتصادية واجتماعية بالقوة الصلبة أثبت فشله في إحراز نتائج ايجابية، فالأمر مرتبط بالتعامل مع الأسباب الحقيقية للتشدّد والإرهاب وهي أسباب اجتماعية واقتصادية، تتطلب معالجة لينة، وإدارة حقيقية لحل مشاكل التخلف، التبعية، البطالة، والتعليم، بدل إرسال المزيد من القوات والأسلحة تحت ذريعة مساعدة الدول على تحقيق استقرارها.