توقع مختصون وخبراء في الشأن الأمني أن تدفع فرنسا ثمنا غاليا جراء سياستها الأمنية في منطقة الساحل، سواء من خلال عملية «بارخان» العسكرية أو من خلال دورها في إنشاء «قوة 5 ساحل» التي تضم دول هذه المنطقة الساخنة. وذهب هؤلاء إلى حد القول أن فرنسا وجدت نفسها فعلا في مستنقع أمني سيجعلها تدفع ثمنا غاليا بسبب الدور الذي تريد أن تلعبه في هذه المنطقة منذ العمليات العسكرية التي عرفها شمال مالي سنة 2012 ودفعت الرئيس المالي أمادو توماني توري، إلى الرحيل وجعلت الرئيس نيكولا ساركوزي ينفذ عملية «سيرفال» التي انتهت بانتكاسة عسكرية. وتزامن التأكيد على هذه الحقيقة المرة مع القمة التي عقدها أمس، الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون مع نظرائه من دول موريتانياوماليوالنيجر وتشاد وبوركينا فاسو لتقييم مدى تقدم «قوة 5 ساحل» التي أبدى الرئيس الفرنسي تحفظات على عدم مباشرتها مهمة ملاحقة عناصر التنظيمات الإرهابية التي كان من المتوقع أن تنطلق شهر مارس ولكن لا شيء تحقق إلى حد الآن على أرض الواقع. وهو لوم لم يخفه الرئيس الفرنسي وسط توالي العمليات العسكرية سواء ضد هذه القوة الإفريقية أو ضد وحدات قوة «بارخان» الفرنسية قبل أن تتعرض وحدة عسكرية نيجيرية أمس، لهجوم مسلح من طرف عناصر جماعة بوكو حرام خلفت مقتل 10 جنود نيجريين. والمؤكد أن تواتر هذه العمليات على مدى الأيام الأربعة الأخيرة، شكل رسالة قوية باتجاه فرنسا التي تصر على تعزيز القدرات العسكرية لدول الساحل للقضاء على الخطر الذي أصبحت تشكله تنظيمات القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية «داعش» الإرهابي وجماعة بوكو حرام في منطقة الساحل كلها. وأكد هؤلاء الخبراء أن قوة «بارخان» التي قارب تعداد جنودها 5 آلاف عسكري، سوف لن تربح معركتها ضد تنظيمات ما انفكت تعزز قدراتها العسكرية وتوسع نطاق تواجدها وعملياتها من مالي إلى مختلف دول منطقة الساحل. وهي حقيقة ميدانية قائمة حتى في ظل الدعم الذي يمكن أن تمده به «قوة 5 ساحل» ويكون الرئيس الفرنسي قد استشعر مثل هذه الانتكاسة العسكرية المتوقعة، وهو ما جعله لا يفوّت مناسبة إلا وتنقل إلى إحدى البلدان المعنية بالخطر الإرهابي من أجل الضغط على سلطاتها لحثها على بذل جهد أكبر لتحييد عناصر مختلف هذه التنظيمات. وهو المأزق الذي اعترف به قائد هيئة الجيوش الفرنسية، الجنرال فرانسوا لوكوانتر الذي أكد شهر فيفري الماضي استحالة تسوية الأزمة في مالي في أقل من عشر سنوات بل وخلال خمسة عشر عاما. وأضاف «أن تطورات الوضع في مالي غير مريحة ومغادرتنا لهذا البلد سوف لن تكون غدا». ويتأكد فشل العمليات الفرنسية منذ قرابة خمس سنوات رغم القدرات العسكرية الهائلة التي سخرتها باريس من طائرات مقنبلة ومروحيات ودبابات وأجهزة تنصت وتجسس.. وتأكد بعد كل هذه المدة أن مقارعة العناصر الإرهابية لن يكلل بالنجاح إلا عبر حرب عصابات وملاحقة متواصلة بين الجانبين المتحاربين على اعتبار أن القصف الجوي أكد محدودية نتائجه على أرض الواقع وخاصة إذا سلمنا بقدرة العناصر الإرهابية على التحرك السريع في محيط يعرفونه جيدا وتمرسوا على القتال فيه. وأبدى الخبراء العسكريون الفرنسيون تشاؤمهم انطلاقا من التجربة الأمريكية في أفغانستان التي اعتمدت على قدرات عسكرية هائلة في ملاحقة مقاتلي حركة طالبان ولكن قوات «المارينز» منيت بانتكاسة حقيقية وأرغمت على الانسحاب من هذا البلد وبحصيلة فاقت 4 آلاف قتيل في صفوفها في وقت عززت طالبان قدراتها الميدانية وأصبحت تضرب في قلب العاصمة كابول وتفرض منطقها العسكري على القوات النظامية الأفغانية المدعومة بقوات أمريكية حتى داخل ثكناتها. وهو الوضع الذي يتكرر في مالي وكل دول منطقة الساحل، ففي الوقت الذي فشلت فيه القوات الفرنسية في القضاء على الخطر الإرهابي في شمال هذا البلد وتوسعت رقعة خطره إلى دول كانت في منأى عنه مثل النيجر وتشاد وبوركينا فاسو وصولا إلى نيجريا وإلى غاية شمال الكاميرون. وتكون القيادة الفرنسية قد تيقنت من حقيقة هذا المأزق وهو الذي جعلها تصر على إنشاء «قوة 5 ساحل» لتخفيف الضغط عن جنودها في مرحلة أولى والاعتماد عليها كلية في مرحلة ثانية وتكون حينها قادرة على الانسحاب من هذه المنطقة بأقل الأضرار وقبل أن يبدأ الرأي العام الفرنسي يضغط من جهته من أجل سحب قوات بلاده من المستنقع الذي وضعه فيه الرئيس ساركوزي وواصل على دربه خليفته هولاند وماكرون.