لم أعثر على تصريح يسيء إلى سمعة المرحوم الأستاذ الكبير عبد الحميد مهري، أو يتنكر لمزاياه أو خصاله الحميدة أو ماضيه الثوري والنضالي أو مواقفه السياسية الثابتة.. فكل الذين أبَّنوه سواء كانوا مسؤولين في السلطة أو أحيلوا على التقاعد، وكل الشخصيات الوطنية النافذة »أمطروه« وهو ميت بأوصاف نادرا ما تجتمع عند شخصيات أخرى، فهو المثقف الفذ والمجاهد الكبير والمناضل القوي والسياسي المحنك والدبلوماسي الناجح حتى الذين انقلبوا عليه ودبّروا له »مكيدة« المؤامرة العلمية اعترفوا أنهم أخطأوا في حقه وظلموه، لأن »الظرف كان يتطلب ذلك«! كل ما قالوه عن مهري صحيح ولا غبار عليه، لكن كان الأحرى بهؤلاء أن يقدموا هذه الشهادات في حياته وعندما كان في سن العطاء، وأن يعرِّفوا الجيل الجديد بهذه الشخصية النادرة، يقدموه في المناسبات وينظموا له حفل تكريم في مستوى قامته وعظمته ويعيدوا له الاعتبار الذي فقده يوم تخلَّى عنه أصدقاؤه وزملاؤه المقربون جدًّا وتآمروا عليه بما سمي »المؤامرة العلمية«، لكن في حقيقة الأمر ما هي إلا مؤامرة مدبرة بليل للاستيلاء على مقاليد الحزب الحاكم، لأن مهري، حسب ما اطلعت عليه في بعض الجرائد، كان يمنع على القياديين في الحزب الاستوزار.. والله أعلم.وإذا كان المرحوم مهري هو أول من نادى بالحوار والمصالحة الوطنية، وأول من حذر من انتشار الأسلحة بين أيدي المواطنين وإراقة دماء الجزائريين.. والجميع يشهد له بذلك، وكل لقاءاته وتجمعاته وندواته الصحفية مسجلة. فهل من المعقول والمنطقي إبعاده من الساحة السياسية، والجزائر كانت في حاجة ماسة إلى من يخرجها من الأزمة المعقدة التي كانت تعيشها.. أو لم يكن مهري رجلا مناسبا لقيادة حزب كبير كالأفالان؟ أو ليس هو صاحب الحكمة والرزانة والهدوء والدهاء السياسي، كما وصفتموه يا سادة يا كرام؟. ما الفائدة اليوم من ذكر خصاله، التي يعرفها ويحفظها العام والخاص.. مع أننا لم نسمع مثل هذا »المدح« من مسؤولين وشخصيات بارزة من مختلف الأوزان، عندما كان المرحوم مهمشا، لو لا نشاطاته الثقافية التي أعادته إلى الظهور؟ أم أنكم عملتم ب »أذكروا موتاكم بخير« وفقط؟! رحمك الله يا من علمتنا كيف نناضل ونتحاور ونتصالح.