يبقى المسجد طرفا اجتماعيا فاعلا لا يقل دوره عن باقي الأطراف في التعامل مع مختلف الظواهر، وعشية إحياء ذكرى ميلاد خير البشرية النبي محمد صلى اللّه عليه وسلم يعود الحديث عن الأشكال السليمة للاحتفال بها في ظل اتساع رقعة تجارة المفرقعات التي تدخل السوق رغم منعها قانونا وهذه السنة بأحجام اقرب للقنابل، فيما يعاني المجتمع من ظاهرة الصراع بين أبناء الحي والمدينة الواحدة ما يهدد السكينة العامة بينما تستعد البلاد لموعد سياسي جديد يضع المسجد في قلب النقاش بين من يريد تحييده كلية ومن يدعوه لأن يلعب دورا وقائيا وايجابيا يعزز اللحمة وينير الطريق دون السقوط في التحيز لطرف دون آخر. وبهدف تنوير الرأي العام يتفضل الأستاذ عبد القادر سناتي إمام مسجد البشير الإبراهيمي بشارع الشهداء بتقديم إجابات عن جملة من الأسئلة ذات الصلة بالموضوع الشعب: نحيي ذكرى المولد النبوي الشريف ولا يزال النقاش بين من يحبذ إحياءها بالصخب والضجيج ومن يقول بخلاف ذلك، ما هو القول الشرعي وخاصة بالنسبة لتجار المفرقعات؟ ̄ ̄ الأستاذ سناتي عبد القادر: المناسبة عزيزة وغالية فهي جزء من ديننا وعقيدتنا ومن ثمة الابتهاج فيها يكون من خلال ما كان يقوم به النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي اخرج الكون جميعا من الجهالة والضلالة إلى النور والعلم. ونحن نعيش الذكرى ليس كما يعيشها الجهالة من الناس بحيث يفرغ هذا اليوم من مضمونه المتمثل في استرجاع ذلك اليوم الذي تبرع فيه الله على الكون بميلاد هذا الرجل العظيم من اجل أن يغير بناء الإنسان في مجال الفكر والعقيدة والعبادة والأخلاق وبالتالي يقتضي هذا منا استعراض حياته وسيرته العطرة في هذه الأيام قصد الانتفاع بها وجعلها بمثابة خطة عمل لبناء الإنسان الحاضر الذي يعاني من العزلة الثقافية والفكرية والأخلاقية إلى درجة ما يمكن وصفه بحالة انفصام تام بين أخلاق النبي محمد (ص) وبين أخلاق البشر في هذا الزمن. الاحتفال والفرح لا حرج فيه من حيث المبدأ فهو مباح بشرط أن يكون له سند من كتاب اللّه وسنة الرسول (ص)، والإسلام لا يقمع ما تطلبه النفس البشرية من فرح وسرور على أن لا يتعدى الحدود الشرعية فلا تنتهك فيه الحرمات ولا يتعدى فيه على حقوق الناس فلا يروعون في ديارهم وإنما يكون الفرح تعبير عن انتمائنا إلى أمة محمد (ص). وبالنسبة للمفرقعات (المحارق بالعامية) التي تستعمل في مناسبة المولد النبوي فإنها بدعة ولا أساس لها في الشرع فهي تعني التبذير وفيها ترويع وتصل إلى درجة ارتكاب جرائم من قتل وإفساد في الأرض، ومن يتاجر فيها إنما يدخل إلى بطنه نارا كون المال المحصل من تجارة المحارق مال حرام. ̄ في هذه الأيام تهب رياح الانتخابات على الساحة، وعاد الحديث عن موقع المسجد ضمن المعادلة بالدعوة إلى منعه من الخوض فيها، ما هو تعليقكم؟ ̄ ̄ للمسجد رسالة أكبر من المناسبات السياسية، وبقدر ما يبتعد عن تجاذبات السياسيين وعراكهم المتجدد بقدر ما نحافظ على وحدة المجتمع كمنظومة متكاملة ومتراصة ذلك أن المسجد يقصده من يحب السياسة ويمارسها ومن لا يحبها ولا يمارسها لذلك المطلوب من الإمام أن يكون الطرف الجامع بين كافة الأطياف ومن ثمة لا يجب أن يتحزب أو يعلن انتماءه لهذا الاتجاه أو ذاك إنما عليه القيام بالدور التربوي والإرشادي والوعظ للناس، وبالطبع لا يمنعه هذا من توجيه السياسي فيبين له الطريق السليم والأصلح لبناء الوطن وما ينفع الأمة فيساهم بلا شك في تهدئة النفوس بإعلام الناس أن هذا حقهم وينبغي أن يعرفوا أين توضع الأمانة الملقاة عليهم. وبالطبع يجب على المسجد كمؤسسة في قلب المجتمع القيام بدوره الايجابي وفي مثل هذه المواعيد عليه أن لا يكون في موقع المتفرج السلبي الذي لا يضر ولا ينفع. ̄ ظاهرة النزاعات بين الناس التي تحولت إلى ما يشبه الاقتتال بين شباب الحي الواحد وحدثت جرائم يعرفها العام والخاص تستدعي هبة من كافة الفاعلين في الحياة الاجتماعية، إلى ما تعود أسبابها وكيف التعامل معها لكسر شوكة الفتنة؟ ̄ ̄ حقيقة ظاهرة الاقتتال بين الناس تدق ناقوس الخطر ولطالما تحدثنا عن مخاطرها وحذرنا من تجاهلها، فهي ظاهرة دخيلة علينا كمجتمع متوازن ومعتدل إذ لم نعرف في الماضي مثل هذا الصراعات التي ليس لها سبب أو مبرر إلا بفعل الفراغ وانتشار الموبقات بمختلف أنواعها لان الناس على ما يتصارعون؟، ربما على قرص مهلوس أو سيجارة مخدرات أو حصة مسروقات وهذا ما يتطلب منا جميعا أن ننبه لخطورته ودق ناقوس الإنذار المبكر فلا ينبغي أن يستهين احد بالأمر، ومن ثمة على سيف الدولة أن يكون قاصما لظهر كل من تسول له نفسه بالإخلال بالأمن والسكينة العامة باعتبارها مكسبا جماعيا وقاسما مشتركا أو بزرع الفتنة بين أبناء الوطن الواحد والحي أو المدينة ونحن ننتمي لدين واحد وأمة واحدة مطلوب منها أن تكون في مستوى التحديات ومجابهة أخطار العولمة في السياسة والاقتصاد والهوية. إننا شعب مسلم جزائري بكل ما تعنيه الكلمة من معنى نتعاون على البر والتقوى ولا على الإثم والعدوان وبالتالي السكوت على الظاهرة التي تتفاقم للأسف إنما هو شكل من أشكال المشاركة في تأجيجها ونشرها كالنار في الهشيم، وهنا لابد من التأكيد على أن للأولياء الذين يبدو أنهم استقالوا من القيام بواجباتهم الأبوية والأسرية دور مركزي وحاسم في تنمية روح التربية والتوجيه والتواصل مع أبنائهم من خلال متابعتهم كل يوم، فهم يتحملون أيضا الجزء الأكبر في هذه المسألة الإجرامية لأن الأب الذي يفرح بابنه لما يضرب أخيه في الإسلام إنما هو أب فاشل لا يستحق هذا الاسم العظيم، فالمسلم أخ المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يحقره. ونأمل أن تتحرك غريزة الأبوة وحنانها في متابعة أبنائنا ونشر السلم والسلامة بين أفراد مجتمعنا، فنحن لا يسعنا ولا ينفعنا ولا أمل لنا سوى العيش في وفاق مع بعضنا البعض ونحول ما يعتبر اختلاف إلى طاقة تكامل للانطلاق مجددا نحو مواقع أولى بين الأمم ولتكن ذكرى خمسينية الاستقلال الوطني العزيزة التي تحل هذه السنة منطلقا لتجديد الذات الجزائرية بكل مكوناتها وأولها الانتماء الثابت والأصيل لديننا الإسلامي الحنيف مصدر عزتنا وقوتنا واستمرار جزائريتنا بقيمها النبيلة من شهامة وشجاعة ونبل وإيثار عن النفس وهو ما ينبغي نقله لأبنائنا الشباب ذخر البلاد وعمادها حتى يفجر طاقاته في العمل والتنمية في شتى الميادين.