الشيطانة .. المرقازة .. الزندة .. دوبل بومب .. سي فلور ...الزربوط .. المونقة ... البازوكة .. العكري والبولة (الكرة) ... وغيرها كثير ومتنوع ما يفوق 700 نوع من المفرقعات رصت على طاولات تزاحمت مع بعضها البعض بزنقة "اليهود" .. الكل ينادي ويهلل لاستقطاب الزبائن إلى طاولاتهم بهدف الشراء... بعض الزبائن جاءوا من خارج الولاية مثل الشلف والجلفة وقسنطينة ووهران بهدف اقتناء كميات معتبرة لإعادة بيعها، كيف لا والأمر يتعلق بموسم الربح الذي لا ينبغي تفويته! هذه هي عموما مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف التي تعوّدنا عليها في مجتمعنا الجزائري والتي تتكرر سنة بعد سنة. هو مولد النبي مولد الهادي الأمين مولد خير خلق الله الذي بولادته أشرقت الأنوار... كيف لا وهو مولد سيد العالمين وفخر كل الكائنات، وكعادتها تولي العائلات الجزائرية اهتماما كبيرا بإحياء هذه المناسبة العظيمة التي تعد فرصة للحديث عن سيرة النبي أزكى الصلاة والسلام عليه، وكأي مناسبة تقصد المرأة السوق لاقتناء المستلزمات الضرورية لإعداد مأدبة عشاء، فتكون أطباق الشخشوخة والرشتة والكسكسي بالدجاج الأطباق المفضلة ليلة الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، إلى جانب هذا يتم إعداد الطمينة والمشوشة والمسمن كنوع من الحلويات التي ترافق فطور الصباح، وفي هذا الخصوص تقول السيدة فاطمة الزهراء من بلكور إن "الاحتفال بمولد النبي- ص - لديه نكهة خاصة، حيث نقوم بإعداد وليمة عشاء يكون فيها الكسكسي سيد المائدة كما يتم إيقاد الشموع وإشعال البخور لتعطير المنزل ويتم جمع الأطفال لتلقينهم الهدف من وراء الاحتفال بهذا اليوم السعيد وللتعبير عن الفرحة، وهو أيضا فأل خير أيضا، حيث يتم وضع الحنة فيه لجميع أفراد الأسرة "وتضيف السيدة فاطمة الزهراء: "فيما مضى كان الرجال ينهضون فجرا لإطلاق البارود احتفاء بمولده صلى الله عليه وسلم، الذي ولد مع طلوع الفجر، في حين تقوم النسوة في الصباح بوضع الكحل والسواك اقتداء بوالدة الرسول صلى الله عليه وسلم" . ومن جهتها تتأسف السيدة جميلة من الأبيار عن الطريقة التي بات المجتمع الجزائري يحتفل من خلالها بالمولد النبوي الشريف، حيث تقول: "أغلبية الجزائريين لا سيما الشباب منهم لا يعرفون عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم إلا القليل فقط، وعلى الرغم من أن المناسبة هي فرصة للاطلاع ومعرفة حياته فإن الجميع يتجه نحو بائعي المفرقعات النارية لاختيار الأنواع التي يتم إشعالها ليلة الاحتفال، وكأن ليلة المولد النبوي موعد مع تبذير المال والشوشرة على الناس بأصوات المفرقعات المدوية والتي تكاد تشبه في دويها القنابل الحقيقية."
زنقة "جامع اليهود" تعج بالمفرقعات
تفاجأنا ونحن نقوم بجولتنا الاستطلاعية إلى ساحة الشهداء للكم الهائل من المفرقعات التي رصت على الطاولات بكافة أنواعها وأشكالها وألوانها المختلفة. لم نعرف من أين نبدأ فالناس كانوا يحيطون بطاولات المفرقعات مثل النحل قصد الشراء من أجل إعادة البيع أو من أجل استخدامها ليلة الاحتفال، اقتربنا من بعض الطاولات لنسأل الباعة عن جديد عالم المفرقعات، فكانت إجابة معظمهم تتمحور حول عدم وجود أنواع جديدة لهذا الموسم، وأن الجديد ينحصر في "الشيطانة" التي كبر حجمها مع العلم أن ثمنها يقدر ب 720 دج للعلبة، فيما يبلغ سعر القنبلة اليدوية 60 دج، والزربوط 10دج والبوق 375 دج إلى جانب الأنواع الأخرى التي انتشرت السنة الماضية والتي لا تزال تعرف إقبالا ورواجا كبيرين مثل مفرقعات سبيدرمان وبن لادن ومفرقعات الزرقاوي والأمير عبد القادر، وهي عبارة عن صواريخ تطير بالهواء وتنفجر، إلى جانب النوالات والشموع المعطرة وغير المعطرة والعنبر، وعلق أحد الباعة من الشباب قائلا "الشموع والعنبر تقتنيه العجائز، أما النوالات فهي للبنات والمفرقعات أو "المحيرقات" للشباب والأطفال" وعلى العموم فإن أسعار المفرقعات تتراوح بين 10 دج و20.000 دج كل حسب قدرته.
الاقتراض لاقتناء المفرقعات بحثا عن المتعة
أكد لنا معظم الباعة أن كل أنواع المفرقعات تعرف رواجا وقالوا لنا "كلش يمشي" لهذا فإن البعض فضل تغيير نشاط تجارته منذ شهر أو أكثر، فبعد أن كانوا يبيعون مواد التجميل أو بعض الألبسة أو العطور تحولوا إلى بيع المفرقعات بمختلف أشكالها، لأن الأمر يتعلق بالربح، وأن التاجر الذكي هو الذي لا يفوت أي فرصة لربح المال، لاسيما وأن بعض الأسر الجزائرية تنفق خلال هذا الموسم أموالا كبيرة بغرض المتعة فقط. فهذه السيدة سكينة التي التقتها "المساء" تقتني بعض أنواع المفرقعات تقول "سلفت شوية دراهم باش نفرح لوليدات" وأخرى تضيف "علاش أولاد الجيران يشعلوا وأولادنا يتفرجو" وأخرى تقول "الحالة غالية بصح الله غالب حلاوة المولد في المحارق".
لا حرج في الاحتفال بعيدا عن التبذير
ولأن بعض الأسر الجزائرية تشير إلى عدم جواز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف كونه بدعة، حملنا هذا التساؤل وتوجهنا به إلى مسجد ابن فارس بالقصبة حيث التقينا مع الإمام زين الدين العربي عضو المجلس العلمي لمدينة الجزائر وعضو لجنة الإفتاء التابعة لنظارة الشؤون الدينية والأوقاف بالعاصمة حيث قال "حقيقة لا حرج في الاحتفال بمولد نبي الهدى صلى الله عليه وسلم بل على العكس، الاحتفال به مشروع وله أصل بالدين، وقد أمرنا نحن المسلمين بأن نفرح بمولده صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فاليفرحوا هو خير مما يجمعون" وقد قال عبد الله بن عباس إن المقصود بقوله "بفضل الله" أي بمولده . كما ثبت جواز الاحتفال به بالسنة، حيث قال صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن صيام يوم الاثنين "هو يوم ولدت فيه " وقد علق الحافظ السيوطي عن هذا الحديث قائلا بجواز الاحتفال به". أما عن الطريقة التي يتم من خلالها الاحتفال باليوم والتي يغلب عليها الفرقعة واللهو وإزعاج الناس فقد أشار المتحدث إلى أنه من المفروض أن يتم الاحتفال بدراسة سيرة النبي العطرة والاقتداء بشمائله وليس بشراء المفرقعات وتبذير الأموال التي تعد من المنكرات، وفيما يخص إعداد العشاء وما شابه ذلك من العادات التي تدخل ضمن الأعراف السائدة بالمجتمع والتي تخضع لقاعدة فقهية تقول "العادة محكمة" فلا حرج في ذلك ولاعلاقة لها بالحلال والحرام . للإشارة فإن بعض المصالح العمومية مثل المستشفيات وأعوان الحماية المدنية تتأهب كل سنة بالمناسبة لاستقبال المتضررين من الاحتفال بالمولد جراء الرمي العشوائي للمفرقعات، إذ أن العديد من الأطفال وحتى الشباب يفقدون البصر أو السمع أو يحرقون أصابعهم وحتى منازلهم فيتحول الفرح إلى قرح لغياب الثقافة الدينية.