علمتنا التجارب وأكدت لنا المناسبات الانتخابية منذ إقرار التعددية السياسية وميلاد الأحزاب التي خرجت من ''أضلع'' الحزب الواحد والوحيد أو ما يسمي بالحزب العتيد.. أن الحراك السياسي يدخل في سبات كل خمس سنوات، ولا يستيقظ من غفوته، إلا بعد أن تدق الإدارة ناقوس قرب نهاية العهدة الانتخابية سواء كانت رئاسية أو تشريعية أو محلية.. حينها تخرج ''الحزيبات'' من جحورها، معلنة عن جودها تقفز هنا وهناك محدثة ضجيجا أكبر منها.. إنها الأحزاب المجهرية المناسباتية التي لا تمثل إلا نفسها وتسير مع ظلها، تهدد بالمقاطعة إذا لم يكن لها نصيب في حفل الانتخابات، وتتوعد بكشف التزوير والاتصال حتى بالمنظمات الدولية..! وهي بهذه التصريحات، التي لا تصدقها هي نفسها لأن وزنها معروف عند الخاص والعام، الذي لايزيد عن وزن ''الذبابة'' تكذب على نفسها وعلى منخرطيها إن كانوا موجودين. إن حال الأحزاب المجهرية أشبه بقصة العصفور الذي قال للشجرة: معذرة إن كنت قد أثقلت عليك، فردت الشجرة: والله ماشعرت على أي ورقة بثّ عليها ! أما الأحزاب التي تسمى كبيرة وفعالة ولها باع كبير في السياسة والحكم والتسيير فإن مرضها هي الأخرى مزمن، وبالأخص الحزب العتيد، الذي يكاد لم يعرف الاستقرار منذ ظهور التعددية، والإطاحة بالأمين العام الأسبق المرحوم عبد الحميد مهري.. فمع كل استحقاق يظهر إلى العلن الشقاق والنفاق وتغيب مبادئ الأخلاق، ويسود منطق ''طاڤ على من طاڤ''، لأن كل مترشح يسعى أن يكون ''فوق'' ولايقبل أن يكون ''بوق'' تملأ به القائمة، وبالتالي يحرم من المنصب المرموق..! وعندما تجري رياح التغيير في المراتب بما لا تشتهي نفوس الراكضين وراء المناصب بدون جهد أو متاعب، يطغى عليهم الغضب، يعلنون عن تمردهم ويتنازلون عن مبادئهم التي كانت ''تربهطم'' بحزبهم ويخرجون عن طاعة قائدهم ويدوسون على مواد القانون الأساسي والنظام الداخلي، ويشكلون ما أصبح يسمي حركة ''تصحيحية'' أو ''تقويمية'' ( إثمهما أكبر من نفعهما). نفس الظاهرة تعيشها الأحزاب الفاعلة عندما يحين وقت إعادة هيكلة الهيئات القاعدية أو عقد المؤتمرات.. فكل ''مناضل'' يبحث عن التموقع في القسمة أو المحافظة أو اللجنة المركزية أو المكتب السياسي، لأن من يضمن مكانا في إحدى هذه الهيئات يمكنه مكان في احدي هذه الهيئات يمكنه فرض نفسه أو الموالين له ضمن المراتب الأولى في قوائم الترشيحات وبالتالي ضمان حجز مقعد في أحد المجالس الشعبية المحلية أو الجلوس تحت ظلال قبة البرلمان الذي يوفر له الأمن والأمان في كل مكان طول الزمان..!. لهذه الأسباب تندلع المعارك والحروب من ساعة الفجر إلى الغروب بين ''مناضلين'' في أحزاب لا غالب فيهم ولا مغلوب، لأن الأمور أصبحت تسير بالمقلوب.. صاحب ''الشكارة'' محبوب وذو العلم والثقافة والأخلاق منبوذ.. مطرود.. غير مرغوب..! ولايمكن القضاء على ظاهرة الصراع على المراتب و''الشكارة'' الغرارة إلا بإلغاء الانتخاب على القائمة واستبدالها بالقائمة الإسمية التي لا تعتمد على الترتيب.. مارأيكم ؟.