دعا الأستاذ ومدير المختبر اللغوي «قسم اللغة العربية وآدابها» بجامعة علي كره الإسلامية بالهند محمد ثناء الله الندوى في حوار ل «الشعب» إلى ضرورة اتخاذ إجراءات، والتخطيط للمستقبل لأجل النهوض باللغة العربية، مشيرا إلى أن العرب بحاجة إلى اتخاذ لغة جامعة للقضاء على المشاكل منها الفوضى في التعبير والمصطلح، كون اللغة العربية هي التي توحد بين الجمهور في كل مناطق البلاد العربية والإسلامية وتشجع على أن نوفق بين الواقع والمأمول.. ̄ كيف تقيمون واقع اللغة العربية في الوطن العربي وفي الدول الإسلامية بشكل عام؟ ̄ ̄ يمكن القول أن الوضع للغة العربية يشجع كثيرا، ومن الملاحظ أن هذه التعددية اللغوية والثنائية والمزاوجة بين اللغات تحولت إلى ظاهرة كبيرة في كافة الأقطار العربية، مثلا في أي بلد عربية هناك تعددية في اللهجات، إضافة إلى اللغة العربية الفصحى التي تؤدي دور اللسان الموحد والجامع، وهي التي توحد بين الجمهور في كل مناطق البلاد العربية والإسلامية، ولأجل هذا التاريخ المجيد الذي كان للغة العربية في القرون الوسطى، في إشارة إلى بغداد وتاريخنا في الأندلس، فإن العالم العربي والمسلمين كانوا سادة للعالم في مجال الثقافة والعلوم والآداب، وفي مجال اللغة العربية، والآن في سياق العولمة يجب أن تتحول اللغة العربية إلى هذا المنصب الذي ربما كان لها في الأزمنة السابقة. ̄ ما يقال هو أن اللغة العربية لم تستطع مواكبة الحضارة نتيجة التعدد اللغوي، وبالتالي هي تشكل اليوم خطرا على اللغة الأم؟ ̄ ̄ قد يكون ذلك صحيحا، لكن عندما ننظر إلى تاريخنا القديم، قبل ظهور الإسلام نجد أن هناك العديد من اللغات أو اللهجات، فإضافة إلى لغة «مضر» لغة قريش التي نادى بها القرآن الكريم، هي التي تحولت بعد ذلك إلى اللغة الجامعة للمسلمين، وكانت هناك عدة لهجات أيضا منها لغة «كشكشة» و«فخفخة» وغيرها. فتواجد لغات عديدة ظاهرة تاريخية، لأن العرب شعوب وقبائل ولكل منهما لغته ولهجته، واللغة العربية الفصحى هي التي وحدت الشعوب. في الحقيقة أنا لا أميل إلى موافقة هذا الرأي بأن التعددية اللغوية من ظواهر وأسباب التخلف، فهذا خطأ لأن التخلف له أسباب عدة اجتماعية وحضارية وسياسية.. وبإمكاننا أن نواكب المسيرة، حيث نكون سادة العالم في هذا المجال، وبالتالي لا أرى بأن التعدد اللغوي يشكل عائقا كبيرا، يمكن القول أن هناك عوائق، غير أن الأمر يتطلب التدبير والتخطيط للمستقبل، فنحن في حاجة إلى اتخاذ لغة جامعة، ولا نجد أي لغة في بلاد المسلمين تحتل هذا المقام. ̄ هناك من يطالب بضرورة «تحديث» اللغة العربية، كيف تنظرون إلى هذه المسألة؟ ̄ ̄ الحقيقة هي أن اللغة ظاهرة اجتماعية، وفكرية وذات أبعاد منوعة، وليست ظاهرة إنسانية فحسب، بل هي ظاهرة اجتماعية ومجتمعية وعلمية وحضارية، من الملاحظ الآن أن العالم تحول إلى قرية، وهذا ما نقصد به عندما نقول العولمة التي غزت كل القطاعات الثقافية والاقتصادية والإعلامية. لذلك ليس بإمكاننا أن نفر من هذه الظاهرة فهي من صميم الحياة، والحقائق الحياتية صلبة، وليس بإمكاننا التخلي عنها وإلا نتخلف، ونحن لا نريد ذلك وإنما نريد أن نتقدم. اللغة لا تكون عائقا أمام المستقبل، فهي تشجعنا، على أن نوفق بين الواقع والمأمول، وهذا باتخاذ إجراءات تمهد السبيل للتقدم، وبهذا اللغة كأي شيء آخر متصل بصميم الحياة، وبين التأصيل والتواصل، وهنا التأصيل موجود لكن لابد من التواصل مع الأخر حتى نستفيد منه ويستفيد منا، وبذلك نكمل السفر إلى المستقبل الزاهر. ̄ قلتم إننا بحاجة إلى اتخاذ إجراءات تمهد السبيل للتقدم والتخطيط للمستقبل، كيف ذلك؟ ̄ ̄ المهام كبيرة وجسيمة، هناك بعض الجهات التي عملت صوب هذه المهام، للقضاء على المشاكل منها الفوضى في التعبير والفوضى في المصطلح، مثلا المصطلحات التي يستخدمها الأكاديميون في المغرب العربي غير المصطلحات التي يستخدمها المشارقة، من الملاحظ أن هناك فوضى المصطلح، وللتغلب على هذه الظاهرة، حاولت عدة جهات في مختلف جهات الوطن العربي أن تقدم عملا خالص للقضاء على ظاهرة الفوضى، فهذا جزء من الاستراتيجية، وربما هناك إمكانيات وآفاق عدة لهذه الاستراتيجية. نأمل من الجهات الخاصة المتخصصة، كمجامع اللغة العربية، في الوطن العربي والدول الإسلامية، أن تهتم بهذه المسائل وتعمل على ما يؤدي إلى القضاء على الفوضى. ̄ وهل ترون أن هناك تواصل فعلي بين مختلف الهيئات المتواجدة في الدول العربية والإسلامية، لتحقيق إستراتيجية النهوض باللغة الجامعة؟ ̄ ̄ هذا جزء من المشكلة، لأن الجهات عديدة كما أشرت إليها، مجامع اللغة العربية، والجامعات وأوساط العلم والثقافة، ومكتبات التنسيق كثيرة، وهنا تكمن المشكلة، لأن حجم الاحتكاك مع الآخر والتنسيق بين كل هذه الجهات المعنية في رأيي صغير، يجب تناول المشاكل الخاصة الواقعية، مثلا عند طباعة معجم من طرف مكتبة تنسيق التعريب، أو المجلس الأعلى للغة العربية، فإن هذه المعاجم لا تصل، وحتى ما إذا وصلت إلى المهتمين بالعربية، فالكل لا يقبلونها ولا يقبلون عليها فيثيرون أحيانا استخدام المصطلحات المحلية التي هي شائعة في الشرق، ويقولون إنها مصطلحات مثلا ابتكرها المغاربة، وهذا لا يوافق عادة في استخدام اللغة.مثلا مصطلح «المثقافة» مصطلح سائد وهي الإطلاع على ثقافة الآخر، وهو مصطلح ليس دقيق بالضبط أو علمي عويص، هو مصطلح شائع، وفي ندوة عندما استخدمت هذا المصطلح قال لي عدد من الإخوة من دول الخليج ما معنى هذا المصطلح، وهوا ما يشير إلى مشاكل، ربما كان هذا نابعا عن قلة التنسيق على نطاق شامل بين كافة القطاعات المهتمة باللغة العربية.