استفادت السياحة الجبلية بولايات الاوراس كثيرا من جائحة كورونا كوفيد 19 التي هزّت العالم، فأعادت تداعياتها المتعلقة بتعليق السفر بين الولايات والخارج والنقل الحضري والجماعي إلى الولايات الساحلية، بسبب إجراءات الحجر الصحي، بريق هذه السياحة التي عرفت منذ تفشي الوباء انتشارا واسعا، وإقبالا منقطع النظير من العائلات الأوراسية. رغم تفضيل العائلات والشباب بولايات الاوراس كباتنة، خنشلة، أم البواقي، قالمة للسياحة الجبلية في السنوات الاخيرة، إلا أن سحر الشواطئ والسباحة في البحر والسياحة الساحلية، جعل الإقبال على جبال الاوراس وغاباتها يقتصر فقط خلال العطلة الربيعية، غير ان الاوضاع التي فرضها انتشار الفيروس التاجي بالجزائر وما رافقه من إجراءات وقائية، جعل الكثير من سكان الاوراس، كما وقفت عليه «الشعب»، يلجأ إلى الغابات والجبال والفضاءات كخيار أخير من أجل الترفيه عن النفس والاستمتاع بالمناظر الخلابة والخروج من دائرة الخوف والقلق والضغط والكأبة التي تسبب فيها الخوف من الوباء. وتزخر ولاية باتنة على غرار ولايات الأوراس الأخرى بفضاءات سياحية طبيعية عذراء، كونها تتمتع بثروة غابية كبيرة تصنفها الأولى وطنيا بمساحة بلغت 327 ألف هكتار، وتسعى، محافظة الغابات، لتجديد الغطاء النباتي وتعزيز الحزام الأخضر بالمنطقة، من خلال غرس 3 آلاف هكتار من الأراضي عبر 22 بلدية بالولاية إلى غاية سنة 2030، لتعويض المساحات الغابية الكثيفة التي التهمتها حرائق الغابات. أنشطة ثقافية ورياضية وترفيهية عديدة وتعتبر غابات مناطق جمينة، الواقعة بين باتنةوبسكرة، وقلاع الأشجار الكثيفة لغسيرة وغوفي، وجبال شيليا وتافرنت وأذرار الهارة وبوصالح وتاغيت وشير، وجبال آريس وتيغانمين من بين أكثر المناطق الغابية التي شهدت خلال الأشهر الاخيرة إقبالا كبيرا للمواطنين فرادى أوفي عائلات للاستمتاع بسحر هذه الجبال وقضاء أوقات ممتعة خاصة بالنسبة لبعض المجموعات الشبانية التي قضت أياما وليالي بين أحضان هذه الغابات الشامخة. ورغم تطور هذه السياحة في السنوات الاخيرة من خلال تكريس تقاليد التخييم بجبال الأوراس، وفي مرتفعاتها على غرار جبال شيليا، الواقعة في الحدود بين باتنةوخنشلة، وكذا جبال كوندورسي وكاسرو ومروانة ووادي الماء التي تستهوي عشاق السياحة الجبلية في مجموعات تتجاوز أحيانا 20 شخصا، يقضون أوقات ممتعة، خاصة وأنهم يقطعون مسافات طويلة ولساعات سيرا على الأقدام، لاكتشاف مختلف المعالم الطبيعية التي تكتنزها هذه الجبال التي تحوي غابات كثيفة تضم أشجارا نادرا عمرها يزيد عن عشرات السنين. ويؤطر هذه الرحلات خاصة تلك التي تستمر لأيام، بحسب من تحدثنا إليهم في هذا الخصوص من مواطنين عدة جمعيات مهتمة بالسياحة الجبلية، على غرار جمعية «لامصبا» بمدينة مروانة، وكذا جمعية وادي الماء، والنادي السياحي «كاراكال اوف شيليا» ونادي «الرستميون» فريق الهواة «كوكسول»، حيث يتم تنظيم العديد من الانشطة الثقافية والرياضية والترفيهية في السهرات الجبلية، تختتم عادة بعملية تشجير للمناطق التي زارها الشباب وحملة تنظيف لكل المخلفات التي استعملوها للحفاظ على نقاء ونظافة وجمال المواقع التي زاروها ومكثوا بها. كما يقوم الشباب نشر صور وبث فيديوهات عبر الفضاء الازرق تشجع العائلات على زيارة هذه المرتفعات الجبلية والتحسيس بخطورة استنزاف الغطاء النباتي جراء تصرفات بعض المواطنين الذين يخلفون وراءهم مخلفات وقمامة تتسبب في كوارث بيئية على غرار الحرائق. ولعل ما شجع العائلات على الخروج أفواجا لهذه الفضاءات الطبيعية الغابية هو توّفرها على منابع طبيعية لجلب المياه الصالحة للشرب، والترفيه عن النفس والاستمتاع بأوقات مريحة رفقة العائلة والاطفال الذين طالت مدة عطلتهم بسبب جائحة كورونا، حيث تعذر على الاولياء اصطحابهم إلى البحر فقرروا تعويضهم بزيارة الجبال والغابات والفضاءات الطبيعية وبشكل دوري، بحسب ما أكده السيد «ص.ت»، الذي اعتبر هذه السياحة قليلة التكاليف وممتعة مقارنة بالسياحة في الولايات الساحلية. جبال شليا تعانق قمّة لالة كلثوم تعتبر منطقة شليا بالأوراس من بين أكثر المناطق شهرة على المستوى الوطني والتي يحج إليها شهريا الألاف من محبي السياحة الجبلية، حيث يقع جبل شليا حول قمة لالة كلثوم المصنفة كثاني أعلى قمة جبلية على المستوى الوطني، وذلك على ارتفاع يفوق 2328 متر، أقصى غرب خنشلة على طول الشريط الحدودي مع ولاية باتنة بنحو 75 كلم. وتعانق قمة لالة كلثوم عنان السماء شامخة تلتقى مع السحاب، في لوحة طبيعية ساحرة تأسر كل زائر يتعلق بجمالها ويرفض مغادرتها، تتخللها مناظر طبيعية فريدة تتوّسطها الوديان والتلال والمجاري، تحيط بها العديد من المساحات الخضراء والمزارع والبساتين مختلفة الألوان قطوفها دانية من أشجار البلوط والصنوبر الحلبي والأرز الأطلسي النادر تخترقها أشعة الشمس الذهبية الدافئة لتلقي بضلالها نحو المجاري والوديان المحيطة، بالغابة في لوحة طبيعية لا تتكرر، إلا بالأوراس وبالضبط بغابات يابوس، بولاية خنشلة التي يتبع لها جبل شليا إقليميا. قلة مراكز الإيواء والمرشدين السياحيين ورغم هذه الكنوز الطبيعية فإنها لم تحظ باهتمام الجهات الرسمية سواء بولاية باتنةأوخنشلة، من خلال انجاز مرافق سياحية ومركبات ترفيهية لتشجيع السياحة فيها أو توجيهها للاستثمار الخاص على الاقل، حيث تشهد ندرة كبيرة في مراكز الإيواء، والمرشدين السياحيين، حيث يجمع الكثير من المواطنين المهتمين بهذه الفضاءات أو الزائرين لها بالصدفة على ضرورة تصنيفها كمناطق ظل «سياحيا «، كونها لم تستفد من أي مشاريع نوعية لتشجيع السياحة وتطويرها من خلال برمجة مشاريع تنموية تساهم لا محالة في امتصاص البطالة وتوفير مناصب شغل خاصة في قطاع الخدمات والصناعات التقليدية والحرف، بحسب ما أكده السيد «ل.ق.»، الذي تعود إلى اصطحاب عائلته منذ رفع الحجر الصحي إلى هذه المناطق وقضاء أوقات ممتعة معهم بعيدا عن ضوضاء المدينة وإحصائيات الوباء. جهود معتبرة للخواص لإنعاش القطاع شهدت أغلب المرتفعات الجبلية، بعاصمة الأوراس، حركية كبيرة عكسها الإقبال المنقطع النظير للمواطنين والسياح والرياضين ومحبي السياحة الجبلية، ساعدهم على ذلك الخدمات التي يقدمها الخواص لهؤلاء الوافدين، خاصة خلال شهري أوت وسبتمبر الذين تم فيهما رفع الحجر الصحي على المطاعم وعودة الحياة إلى طبيعتها، حيث تم استئناف كل الانشطة، داخل الولاية بكل مرافقها، حيث لا تخلو هذه الخرجات إلى الجبال من طاولات للشواء غالبا ما يقوم الخواص بتوفيرها للمواطنين، على غرار بعض الجزارين والطباخين الذين اتخذوا من مواقع هذه الغابات والجبال مصدرا وحيدا لرزقهم، من خلال نحر الخرفان ولحم الماعز وطهيه في اطباق واشكال مختلفة فمرة على الجمر وأخرى على الموقد وثالثة بردم اللحم بعد تطعيمه ببعض التوابل داخل حفر مخصصة لهذا الغرض، ثم استخراجها وبيعها للمواطنين بأسعار معقولة، تترك لذتها على لسان كل متذوق، وتعرف هذه الأكلة ب «المردوم»، وهي مجموعة أكلات من لحم الخروف يتم إعدادها في الهواء الطلق تحت ظلال الاشجار الكثيفة والمياه العذبة، مما يضفي عليها نكهة خاصة عليها. ومن بين الزائرين للمناطق الجبلية خاصة الشباب من يفضل القيام بعملية الشواء مباشرة، من خلال التحضير المسبق للعملية في جلسات حميمية بين الاصدقاء بجلب اللّحم بأنواع مع بعض الخضر خاصة الفلفل والطماطم وبعض المستلزمات الاخرى من مشروبات غازية وغيرها، ومباشرة عملية الشواء عند أول محطة للراحة لهم بعد قطعهم لمسافات طويلة مشيا على الأرجل للغوص في أغوار هذه الفضاءات الطبيعية الساحرة، مثلما دأب عليه الكثير في جبال شيليا التي أصبحت مقصد محبي الطبيعة والسياحة الجبلية، سواء من باتنة أو بسكرة أو خنشلة ومختلف ولايات الوطن الأخرى، ونفس الأجواء سجلتها «الشعب»، بالمرتفعات الجبلية للشلعلع ومستاوة وكوندورسي. ورغم تحسن الخدمات المقدّمة في هذا الجانب مقارنة بالسنوات الماضية، بفضل بعض الجهود التي يقوم بها الخواص بفتح فضاءات ترفيه جديدة، خاصة ما تعلق بألعاب الأطفال لاستقطابهم، إلا أن هذه المجهودات تبقى دون طموح محبي السياحة الجبلية بهذه المواقع الطبيعية والتاريخية المهمة. ولدى زيارة «الشعب»، لبعض هذه المناطق لاحظنا في طريقنا إقبالا كبيرا من الشباب الذين استغلوا «ظرف» كورونا للاسترزاق مؤقتا من خلال نصب طاولات لبيع الإكسسوارات التقليدية والأواني الفخارية، إضافة إلى بعض المطاعم الموسمية المختصة في بيع الشواء، حيث يتوّزع العشرات من الشباب على قارعة لجلب الزبائن، وإغراء المرتادين بقائمة لألذ المأكولات وأشهى الاطباق، بغية التوّقف واقتناء بعض المستلزمات التي تميز المنطقة. مطالب نشطاء المجتمع المدني ككل سنة تجدد مختلف الجمعيات النشطة في هذا النوع من السياحة نداءاتها للمسؤولين المحليين والمركزين، بضرورة الالتفات أكثر لمطالبهم المتعلقة ببرمجة مشاريع تنموية تفك العزلة عن هذه الفضاءات الطبيعية وتسهل من حركة تنقل وتوافد المواطنين إليها، من خلال فتح الطرق والمسالك وتوفير بعض الخدمات على غرار فنادق أو مراقد لإيواء السواح، حيث لم تتوان هذه الجمعيات خاصة الثقافية منها والسياحية في بلديات غسيرة، اشمول، اريس، مروانة، وادي الماء بباتنة ومثيلاتها بالولايات المجاورة ببسكرةوخنشلة، في دعوة مختلف الجهات المعنية إلى التحرك لحماية مكاسب وتراث منطقة الاوراس خاصة شرفات غوفي السياحية. ورغم ان الولاية قد استفادت في السنوات الاخيرة من مشاريع معتبرة في إطار البرامج التنموية المختلفة، على غرار 06 مناطق توّسع سياحي بتيمقاد، تازولت، المحمل، ثنية العابد، أريس، نقاوس وغوفي، إلا أنها لا تزال بحاجة إلى المزيد ومواكبة المتطلبات السياحية العصرية لتوسيع الثقافة السياحية وتعزيز القطاعات بالفنادق، ومختلف المرافق السياحية واستغلال خصوصيات المنطقة الثقافية والسياحية بالتعريف بعاداتها وثقافتها وتراثها. يطالب عشاق السياحة الجبلية ومحبي الفضاءات الغابية بتطبيق فكرة الاستدامة السياحية بولاية باتنة، من خلال استغلال العائدات المالية لأصحاب المشاريع السياحية، بتكثيف انجاز المرافق السياحية والخدماتية بهذه المناطق، وجلب مستثمرين جدد لهذا القطاع بتشجيعهم من خلال صيغ مختلفة، إضافة إلى التركيز على البعد الاجتماعي، لإنجاح هذه المعادلة بمرافقة المجتمع المحلي والاستفادة من تجاربه في هذ المجال، خاصة الجمعيات المحلية، كونها الأدرى بتاريخ وثقافة وكنوز هذه المناطق، إيلاء البيئة المكانة التي تستحق من خلال الحفاظ عليها وحمايتها بتكثيف حملات التشجير وحماية الغابات من الحرائق، وكذا المحافظة على الموارد الطبيعية المختلفة من ماء وطاقة ونباتات وأحياء طبيعية لمنع أي خطر كمشاكل التلوّث والتدهور البيئي. دعوة الوالي لرجال الأعمال.. بدوره دعا والي باتنة، توفيق مزهود مستثمري الولاية ورجال أعمالها، إلى التوّجه للاستثمار في قطاع الغابات، متعهدا بمرافقتهم وتذليل كل الصعوبات أمامهم لتفعيل السياحة الغابية، حيث كشف مؤخرا، خلال اجتماعه مع الحركة الجمعوية وفعاليات المجتمع المدني أن عاصمة الاوراس باتنة تحظى بثروة غابية كبيرة تصنفها الاولى وطنيا بمساحة بلغت 327 ألف هكتار. وقد كانت الفرصة سانحة لدعوة كل أطياف المجتمع بولاية باتنة للاستثمار في هذه الثروة الغابية من خلال الحرص على تجديد الغطاء النباتي الذي تضرر بسبب الحرائق إضافة الى الحرص على المحافظة عليها، مع إقامة حظائر ومتفسح عبر كل الغابات التي تنتشر بالولاية، وهذا من أجل توجيه المواطن نحو الغابة. وأشار، مزهود إلى أن الاستثمار في المجال الغابي سيسمح بفتح أفاق كبيرة للتشغيل والقضاء على البطالة من خلال إقامة فضاءات للتسلية والراحة وتوفير أماكن للأكل تسهر في مجملها لتوفير الجو الملائم لاستقبال العائلات الأوراسية. وتسعى، محافظة الغابات بباتنة، بهدف تجديد الغطاء النباتي وتعزيز الحزام الأخضر بالمنطقة على غراسة 3 آلاف هكتار من الأراضي عبر 22 بلدية بالولاية إلى غاية سنة 2030، ورغم الحرائق الكثيرة التي تشهدها الغابات بباتنة كل سنة إلى ان عمليات التشجير التي يقوم بها المجتمع المدني ومحافظة الغابات سنويا تساهم في اعادة نسبة الغابات المحترقة.