تواصل الكاتبة والقاصة حكيمة جمانة جريبيع فتوحاتها الأدبية، فبعد تجارب الكتابة مع القصة القصيرة في محطات سابقة استطاعت خوض تجربة الكتابة السردية الطويلة، ولما لا الرواية من أبوابها الواسعة، وهاهي بإصدارها السردي «في ضيافة زوربا» تحيلنا الى حقبة زمنية من المعاناة الانسانية التي يعيشها الشعب السوري الفار من المد الارهابي والاقتتال الدائر في مناطق عديدة من أرض الشام. في عدة مناطق من العالم يتجمع عدد كبير من اللاجئين السوريين في الشتات، إفريقيا، آسيا، أوروبا وأمريكا القارات الأربع عناوين افتراضية لهم وليومياتهم المتواصلة مع المعاناة، ومن خلال هذه التجارب الانسانية القاسية تأتي الشخصية المحورية « في ضيافة زوربا» تسلط الضوء على الكاتبة الصحفية دعد الشحرور من سوريا، بعدما فرّت من جحيم الحرب مع أسرتها الصغيرة، المكونة من زوجها وابنها الصغير «عمر»، أبحروا على متن سفينة حيث تبدأ مأساتها في البحر، تداهمها عاصفة هوجاء أودت بحياة زوجها عدنان وطفلها عمر، وكذلك ربان السفينة، لتبقى وحدها تصارع الأمواج حتى أدركها الليل الدامس الذي يبعث خوفها أكثر وقد حاولت أن تتناساه بمعية مخيالها اليقظ وهويستدعي مخزونها الثقافي، فتمثل أمام عينيها صور كثيرة، فتخيلت أنّ دلفينا يُقلب السفينة وأخذ يلتهمها على مهل، ثمّ يمثل أمامها مشهد من رواية «العجوز والبحر « ..فترى نفسها تجرّ ألواح السفينة مثلما جرّ العجوز هيكل سمكته الكبيرة التي كانت فرجة للناظرين ومتعة للسائحين .. ولم يبق له غير بريق المجد بعد أن ضاعت منه الغنيمة. تفاصيل دقيقة وشاطئ اليونان مخيم من جحيم تعبث الأفكار بالصحفية رعد يمنة ويسرة مثلما الأمواج تماما التي تقذف بها إلى شاطئ اليونان، تتلقى بعض الإسعافات تنقل بعد ذلك إلى مخيم الجحيم، ومن هنا تبدأ دعد، كشخصية محورية تحرّك كل الأحداث داخل المخيم، وهي تسردها بضمير الأنا، يبدأ صراعها مع ذاتها، مع نفسها المسلوبة الإرادة، الفاقدة لرغبة العيش، وهي تقول: «لا أنا بمجنونة ولا أنا بعاقلة، «تؤنسها بعض أبيات الإلياذة وموسيقى البوزوكي وزوربا الذي كثيرا ما كانت تناجيه وتنادي عليه» أريد أن أرقص .. أيناك زوربا، ما أحوجني اليوم إلى رقصتك، أنا هنا تلميذة وأنت الأستاذ. في أول ليلة لها بالمخيم، أعطوها خيمة وبطانية وكيس بداخله علبة تونة وقطعة خبز يابسة وقنينة ماء، لم تستطع النوم، أصوات تتعالى من هنا وهناك، وأكثر ما ألمها صوت الرضيع الذي خرجت لأجله ولبّتْ حاجته بعد أن تأكدت من حالة المغص التي كان يعاني منها. وفي أوّل صباح لها بالمخيم، تقع عيناها على طابور بشري لأجل كيس الفطور وينتهي إلى أسماعها صوت عذب كان يردد «جنّة جنّة والله يا وطننا»، غابت في أدائه وحملت الأغنية إلى أنفها شذى حفنة من تراب الرافدين، ويجلدها الحنين إلى رائحة الثرى المبتل بمطر حلب، تقاوم به جحيم السياج الذي يطوّق المخيّم الذي لم يعد يتحمله أحد بسبب سوء الأوضاع فيه، ثار اللاجئون انتفضوا صوتا واحدا منددّين بالحالة المزرية التي يعيشونها يوميا، مطالبين بترحيلهم، كل إلى وجهته، يصطدمون مع رجال الإغاثة والشرطة، إيّاد صاحب الصوت الجميل، الرجل الغريب المُحيّر، أحضر بطانيته، إفترشها. أراد أن يكتب عليها شيئا ما لينقل وجعه، فناولته اللاجئة الجميلة تيا عبوة طلاء أظافر بلون أحمر أخذ يكتب. «هنا الجحيم رحلونا؟ علق البطانية على حاجز السلك بمعية الحسناء التي أبهرت الجميع ولم ترحمها نظرات الذكور الظمأى إلى جسد أنثوي يفيض شبابا وإغراء .. بينما دعد تنفرد بنفسها خارج سور المخيم، تناجي الروح المتعبة فيها، وهي تمارس سطوتها على ذاكرة هرّبتها إلى إقليم النسيان لئلا تستيقظ، وما هي إلا لحظات قليلة فقط واقتربت منها الفتاة الحسناء، تتعارفان، تتبادلان الحديث لساعات، الذي تشعب في قضايا السياسة والسينما والأدب، وتتوطد العلاقة بعد أيام بينهما أكثر. التراجيديا .. وثنائية التساؤل بين سرقة كتاب وسرقة أوطان؟ الحسناء تدعى» تِيا إنزي « من أصول عربية « عنزي» من أفغانستان هاربة هي الأخرى بفكرها بإيديولوجيتها، ولكونها مخرجة سينمائية تعرضت لمصادرة أفلامها وإهدار دمها، بعينيها كان يتماوج سر كبير، تحاول أن تداريه، لكن حادثة التحرش الجنسي بالمخيم عرّت بعضا منه، عندما انقضى عليها الوحش الآدمي ومزّق تنورتها سقطت مغشيا عليها، ظلّتْ متصلبة لوقت طويل، استدعوا المسعفين، نقلوها إلى إحدى المشافي الحكومية بأثينا حيث خطّ لها القدر صفحة جديدة بعدما خفق قلب الطبيب سليم عمران « نصفه عربي ونصفه يوناني « الذي انبهر بجمالها حدّ الدهشة وأضحى يتردد على المخيم ويقدّم بعض خدماته للاجئين المرضى لأجل أن يراها تتوالى الأحداث بالمخيّم، وكانت أكثرها مأساوية حادثة انتحار الشاب السوري التي زادت في تأزم الوضع بالمخيم لاسيما بعد ما طلب المحقق بتشريح الجثة، كانت دعد قد اقترحت على تيا من أيام خلت إعداد فيلم تسجيلي حول أوضاع المخيم واقتنعت بالفكرة وقطعت شوطا كبيرا في تصوير وتسجيل بعض المشاهد الموجعة وجوانب من حياة الشقاء، كل ذلك تمّ في غفلة عن أعين الرقباء، بمعية آلتها الصغيرة العجيبة.. حتى جاء ذاك الصباح الذي تأخر فيه إيّاد عن النهوض، وكذا عن أغنية الصباح التي ينتظر سماعها أغلب اللاجئين، تأخر عن المعتاد، ازدادت حيرتهما فانطلقتا نحو خيمته، وجدتاه طريح الأرض شبه ميّت، وعلى عنقه ووجهه آثار لسعات حشرات، حيث نقل إلى المشفى الذي أضحى قدرهما الثاني بعد المخيم. كانت دعد من حين لآخر تناجي زوربا ألم تقل لرئيسك «أنّني دافعتُ عن كلّ الرجولة في العالم، متى تعلن بملء فيك «سأدافع عن الإنسانية المغتالة في أوطاننا، وفي كل العالم ؟!» وانتهى بها الأمر إلى طلب رواية زوربا، بل أكثر من ذلك فكرت في سرقتها، وهي تقول «ماذا تساوي سرقة كتاب أمام سرقة أوطان بأكملها ؟! « وكان الكتاب بيت يديها بعد أن حكت « تيا « الموقف لطبيبها، فأحضر لها بعد أيام قليلة فقط نسختين، إحداهما أصلية وثانية مترجمة، هللت فرحا كما طفلة في العيد، وفي لحظة جنون طلبت من» تيا « أن تعيرها ثوبها الأرجواني وتحمل معها آلة التصوير وتتجها نحوالبحر، لاستكمال المشهد الأخير وهي ترقص بكتاب زوربا الرقصة، التي سمتها « السير باكي «. كل الرقص جنون وكلّ العبادات عبء اختارت الكاتبة حكيمة جمانة جريبيع فقرة على ظهر الغلاف « كم أتفق معك دعد، الفيلم أكثر من رائع، شاهدته لمّا كنت مراهقة وأعدتهُ بعد تخرّجي، وإنّني أراه اليوم على مقاس قضيتي تماما الحريق كان دوما وسيلة إعدام وخنق الصوت منذ القدم، السلطة دأبها واحد، منذ الأزل، شعار الفكر المحنّط عندها كان ولا يزال «احرقْ يورق الكرسي». أيناك زوربا، لتنقذ ما تبقى فينا، من كان سخيا مع غانية لا أعتقد أنّه يبخل على المحترقين والتائهين في أرضه.. أنتظرك زوربا لأضع يدي في يدك، لتكن آيادينا جسر نجاة..؟! تناهتْ إلى أذنيّ صرخة أنثوية، انتفضتُ لها مذعورة، ألمحُ الجميلة والوحش، ينقضّ عليها، ويمزّق تنورتها، دور البطولة العضوية هنا مستمر حتى في أحلك الظروف وأسوأ الحالات، فكيف لأمة أن تقوم لها قائمة وأبطالها من هذه العيّنة، كيف لأمة أن تتخلص من حرائقها وحرائق الشهوة لا تنطفئ ؟! «احملي عدّتك وتعالي، سأعلن الرقص سأعلنُ الوجع على زوربا وعلى أرض زوربا، هذا المساء، إذن لنخرج ألان وأكمل جنوني، ألم يقل جلال الدين الرومي «من دون الحبّ كل الموسيقى ضجيج، وكل الرقص جنون وكلّ العبادات عبء . جريبيع حكيمة .. مسار حافل بالإبداع ورصيد ثرّي بالسرد والنثر للإشارة حكيمة جريبيع المعروفة في الوسط الادبي ب «جمانة «، أديبة جزائرية من مواليد مدينة عين امليلة بالشرق الجزائري، متحصلة على شهادة ليسانس في اللغة العربية وآدابها من جامعة قسنطينة وتحضر لدراسات عليا، تشغل منصب أستاذة أدب عربي بالتعليم الثانوي. نشرت أعمالها وهي تلميذة بالثانوية في جريدة النصر، ثم تابعت النشر، وهي في الجامعة فنشرت قصصها في عدة جرائد من بينها، المساء، الخبر، السلام الجزائرية، بعد ذلك نشرت في الصحف العربية الفنيق والأسبوع الأدبي السورية وصحف أخرى. نالت عدة جوائز وطنية ودولية في القصة القصيرة منها، الجائزة الأولى في مسابقة البحر الأبيض لمتوسط الكبرى، بمرسيليا التي نظمها منتدى نساء البحر الأبيض المتوسط، بفرنسا سنة 2000، عن قصتها بقايا امرأة التي ترجمت إلى الفرنسية، ثم تحصلت على جائزة من مجلة مصر الأدبية برعاية جماعة التكية في القصة القصيرة جدا المعنونة بسور الجمر، الجائزة الثانية في القصة القصيرة التي نظمتها وزارة المجاهدين، سنة 2012، الجائزة الأولى في مسابقة أدب الطفل التي نظمتها جمعية النشء الولائية بأم البواقي سنة 2007. كما تحصلت على جائزة في القصة القصيرة في مسابقة صلاح هلال الدولية بمصر لسنة 2014، والجائزة الثانية في مسابقة القصيدة واللون. بولاية سكيكدة بالجزائر. سنة 2015، الجائزة الأولى في فن الخاطرة في مسابقة همسة الدولية بمصر وكذلك الثالثة في الرواية، سنة 2017، الجائزة الثانية في السيناريو القصيرة بمجلة همسة الدولية بمصر 2018، ولها عدة أعمال مخطوطة في القصة والرواية وقصص الأطفال.