إن استمرار الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية عبر كافة الأصعدة بحق الشعب الفلسطيني، الذي يعاني وضعا مأساويا منذ أكثر من 64 عاما تاريخ إنشاء دولة الكيان الصهيوني، على مرأى ومسمع المجتمع الدولي، من دون أن يحرك ساكنا لنجدة الفلسطينيين، الذين يعيشون اليوم أوضاعا مزرية تعد وصمة عار في جبين البشرية، يزيد من سوئها تعنت وعنهجية احتلال بغيض، كرس وجوده وتوسع كيانه بمنطق القوة والعدوان خارج القوانين والعهود والمواثيق الدولية، التي أنشئت بموجبها إسرائيل في غفلة من الزمن والضعف العربي غير المسبوق وبمباركة القوى الغربية بقيادة الولاياتالمتحدة. ولعل آخر الانتهاكات الإسرائيلية، التي تقف وراءها حكومة بنيامين نتنياهو أو تغض الطرف عنها استمرار سياسة التوسع الاستيطاني بشكل غير مسبوق، وارتفاع وتيرة اعتداءات المستوطنين ضد الفلسطينيين وأملاكهم ومقدساتهم المعروفة بإسم “جباية الثمن”. ورغم أن مثل هذه الانتهاكات لم تتوقف يوما منذ إنشاء إسرائيل، التي عملت مختلف حكوماتها المتعاقبة على تحقيق حلم إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، فإن الانعكاسات الخطيرة لمثل هذه السياسة أصبحت غير مقبولة اليوم من قبل الفلسطينيين، الذين أوقفوا من جهتهم كل أشكال المقاومة من دون أن يحصلوا على أي تنازل أو مقابل. وإذا كان الإسرائيليون قد عهدوا على تدنيس الأماكن المقدسة وحرق المساجد، من دون أن يلقوا العقاب المناسب، فإن حرقهم مؤخرا لمسجد كبير هو من الأهمية بما كان للفلسطينيين قد لا يمر بسلام في هذه المرة، مثله مثل الشروع في تنفيذ خطة نتنياهو المعلنة لبناء 850 وحدة استطانية في المناطق الفلسطينية لتعويض المستوطنين عن البؤر الاستطانية في بيت آيل. والواقع أن مثل هذه الخروقات أو الجرائم شبه اليومية أصبحت أمرا عاديا، حيث أفادت آخر الأنباء أمس، بتسليم سلطات الاحتلال ممثلة بالإدارة المدنية إخطارات لسكان ستة تجمعات في خربة سوسيا شرق بلدية يطا جنوب الضفة الغربية، تشمل هدم جميع منشآتهم البالغ عددها نحو 50 منشأة. وقد أمهل جيش الاحتلال سكان هذه التجمعات ثلاثة أيام للاعتراض على القرار، الذي يشمل تنفيذه 17 عائلة قوامها نحو 150 فردا يقيمون في كهوف وخيم وبيوت من الصفيح. رغم أنهم يملكون وثائق تثبت ملكيتهم لمئات الدونمات من الأراضي التي أقيم على جزء منها مستوطنة سوسيا الإسرائيلية التي أنشئت عام 1983 وتوسعت اليوم ليبلغ عدد سكانها 923 مستوطنا حسب معطيات منظمة بتسليم الإسرائيلية لعام 2010. كذلك كشفت صحيفة “هآرتس” أمس، النقاب عن أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي اتبعت إجراءات سرية للغاية نجحت من خلالها في حرمان نحو ربع مليون فلسطيني من العودة إلى بيوتهم في الفترة الواقعة بين احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 وإنشاء السلطة الفلسطينية عام 1994. وحسب الصحيفة الإسرائيلية، فإن هؤلاء قد غادروا مناطقهم بالضفة الغربية وقطاع غزة للعمل أو للتعليم، ومكثوا سنوات متتالية خارجها. وبموجب ذلك صادرت سلطات الاحتلال حقهم في العودة. ولم تشملهم سجلات السكان. علما أن هذه المعلومات نسبتها صحيفة “هآرتس” إلى منسق عمليات الاحتلال، وذلك في رده على استجواب تقدمت به منظمة حقوق الفرد الإسرائيلية، حيث أكد أن سلب إقامة الفلسطينيين في الضفة والقطاع بهذا الشكل الجارف يعني طردهم إلى الأبد من وطنهم، مما يشكل انتهاكا خطيرا للقانون الدولي. ومن دون شك، فإن التصعيد الخطير لمثل هذه الانتهاكات وغيرها في ظل استمرار الجمود في العملية السلمية وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، يمكن أن يدفع الفلسطينيون بالضفة الغربية نحو التصعيد العنيف ضد إسرائيل، وبما يعني احتمال اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة خلال العام الجاري نتيجة الضغط والانتهاكات الإسرائيلية التي تجاوزت كل الحدود، أو بفعل انفجار شعبي متأثر بموجة الثورات في العالم العربي، خاصة وأن السلطة الفلسطينية أصبحت مستسلمة للإرادة الإسرائيلية، ولا تستطيع إيجاد أية تسوية في ظل انسداد كلي لأفقه. إن شبح هذه الانتفاضة الفلسطينية الثالثة غير بعيد عن استشعار المؤسسة الإسرائيلية التي اجتمع رئيس وزرائها “بنيامين نتنياهو” الثلاثاء قبل الماضي بمجموعة خبراء تضم أبرز المستشرفين المتخصصين في الشؤون الفلسطينية والأردنية والمصرية والسورية وشمال إفريقيا وتركيا وإيران، حيث تطرقوا في جلساتهم للنقاش إلى معطيات من فترات ما قبل اندلاع الانتفاضة الأولى في ديسمبر 1987 والانتفاضة الثانية في سبتمبر 2000، حيث قيل “لنتنياهو” أن الظروف الحالية مشابهة لمعطيات هاتين الانتفاضتين. غير أن الانتفاضة الفلسطينية الثالثة لن تكون بالتأكيد مثل سابقاتها، ولا يمكن أن يعرف متى تبدأ ومتى تنتهي؟ وكيف سيكون مسارها..؟ ورغم التحضير الإسرائيلي لسناريوهات عديدة لمواجهتها بالقوة، فلا يمكن التنبؤ بالتحكم فيها لأن الفلسطينيين اكتسبوا المناعة وسط مناخ إقليمي ملائم لنجاحها .وستكون وسائلهم متغيرة بما يمكنهم من الحصول على جزء من حقوقهم المشروعة.