إن إسرائيل التي أنشئت باسم القانون الأممي تعيش فترة عصيبة خارج الشرعية الدولية. فعلى طراز ما جرى من إبادة للهنود الحمر في الأمريكيتين أو ما اسطلح على تسميته بالعالم الجديد، ولدت الولاياتالمتحدةالأمريكية على وديان من دماء المقابر الجماعية التي تضم جماجم الملايين من الهنود الحمر الأبرياء، تتواصل عمليات توسع الكيان الصهيوني على حساب الفلسطينيين وأرضهم المقدسة التي أعطاها الأوروبيون والأمريكان الذين لا يملكونها لمن لا يستحقونها من اليهود. واليوم تعيش إسرائيل بفضل حكومتها اليمينية المتطرفة برئاسة »بنيامين نتنياهو« عزلة دولية غير مسبوقة، يعترف بها حلفاؤها الغربيون بقيادة الولاياتالمتحدة بفعل الممارسات والانتهاكات الخطيرة المرتكبة بحق الفلسطينيين ودول الجوار، زاد من عزلتها تساقط حلفائها من القادة العرب وأبرزهم الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك. مما يجعل مستقبل إسرائيل مهزوزا أمام مطالب الشعوب العربية المتطلعة إلى إسقاط إسرائيل وكذا الاحتمال الكبير لانطلاق شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، التي لن ينفع معها تدخل قوات الاحتلال »التدخل السريع« للسلطة الفلسطينية التي أشرفت على تدريبها جهات أمريكية وإسرائيلية مختصة. ولعل آخر الانتقادات الموجهة للسلطات الإسرائيلية دعوة المقرر الخاص في الأممالمتحدة لحرية الرأي والتعبير »فرانك لارو« إلى تقليص اللجوء إلى القوة ضد المتظاهرين الفلسطينيين إلى أدنى حد، إذ قال في مؤتمر صحفي عقده في القدسالشرقيةالمحتلة يوم الإثنين في ختام مهمته الأولى بالمنطقة منذ إنشاء هذا المنصب التطوعي عام 1993، أن أي لجوء إلى القوة ضد متظاهرين أو محتجين يجب أن يتم تقليصه إلى حده الأدنى، ويكون متناسبا مع التهديد الذي يمثلونه. ورغم إعراب »لارو« بالمنسابة عن أسفه لعدم التزام الجنود الإسرائيليين بالتعليمات العسكرية التي تحظر إطلاق قنابل مسيلة للدموع بشكل كثيف على المتظاهرين، علما أن إطلاق مثل هذه القنابل بصورة مباشرة قد تسبب في مقتل فلسطيني وإصابة آخرين بجروح، فإن هذا الانتهاك الإسرائيلي الجديد، الذي تم في حقيقة الأمر بموافقة حكومة »بنيامين نتنياهو« لن يكون الأخير لغياب القواعد التي تفرض العقاب المناسب لمثل هذه الانتهاكات، وطالما كانت تعليمات الجيش الإسرائيلي رمزية ومواجهة للاستهلاك الخارجي، ولن ينفع معها رفع تقرير »فرانك لارو« حول زيارته هذه إلى لجنة حقوق الإنسان في الأممالمتحدة خلال الأسبوع الأول من جوان 2012. وسيكون بالتأكيد مآله الأرشيف الأممي على غرار تقارير الإدانة العديدة السابقة. والواقع أن الانتهاكات الإسرائيلية لا تعد ولا تحصى، وهي تحظى بتأييد أمريكي واسع رغم أنها تنتهك جميعها كل القوانين والمعاهدات والمواثيق والشرعية الدولية التي جاءت بإسرائيل، ومن ذلك يمكن أن نذكر أيضا على سبيل المثال ازدياد اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين على المقدسات الإسلامية والمسيحية بشكل خطير، والهادفة في الأساس إلى ابتلاع ما تبقى من الأراضي الفلسطينية المحددة في قرار التقسيم الأممي عام 1948، ومع ذلك تبقى الأممالمتحدة والدول الغربية الكبرى تغض الطرف عما يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة من جرائم في حق المقدسات وحماية المواطنين وممتلكاتهم من الهجمات الوحشية للمستوطنين اليهود المتكررة بصورة يومية. ومن دون شك فإن الهدف من مثل هذه الانتهاكات والهجمات البربرية يستهدف تهجير الفلسطينيين عامة والمقدسيين خاصة من مدينتهم، ومن ثم تهويدها كاملة، ويندرج ضمن هذا السياق هدم جسر المغاربة وتدنيس الحرم الإبراهيمي في الخليل ومسجد بلال بن رباح في بيت لحم، ويتطلب الأمر هنا أمام جسامة العدوان الإسرائيلي المتواصل تحركا حاسما من الدول العربية والإسلامية، وممارسة المجتمع الدولي لمسؤولياته لمواجهة كل الانتهاكات الخطيرة الراهنة ومحاسبة إسرائيل على جرائمها، وإلا فإن الباب سيكون مفتوحا أمام انتفاضة فلسطينية ثالثة لن تتوقف في هذه المرة إلا بعد تحقيق مطلب »الشعب يريد إسقاط الاحتلال«.