تعيش الجزائر اليوم على غرار باقي دول العالم أزمة من نوع جديد في ظل الجائحة العالمية كوفيد-19، فمنذ انطلاق حملة التّلقيح وحتى قبلها، عرف المجتمع الجزائري جدلا واسعا وحادّا حول اللّقاح، وصل إلى درجة فتح نقاش حول جوازه من عدمه، ولعله السبب وراء بيان شرعيته من الوزارة الوصية، أزمة الثّقة كانت وراءها حملات شرسة للتشكيك في فعاليته ودواعي تصنيعه في العالم الافتراضي، ما انعكس سلبا على ردة فعل المواطن اتجاهه، لذلك كانت الحملات التّحسيسية الحل لتجاوز حالة الريبة التي تسيطر على حملة التطعيم رغم توفر كل الإمكانيات البشرية والمادية لإنجاحها. تأرجحت آراء المواطنين بين قبول، رفض وتردد وليكون اللقاح بذلك محل جدل زادته مواقع التواصل الاجتماعي حدة، رصدت لكم «الشعب ويكاند» نبض الشارع لتنقل لكم نظرة الجزائري لغدٍ لن يكون نفسه بعد تلقي أولى جرعة من اللقاح. تردّد وخوف..عنوان الأسبوع الأول كانت إجابتها بالنفي القاطع عن امكانية أخذها للقاح، سارة ربيعي، طالبة جامعية سألتها «الشعب ويكاند» عن رأيها في حملة التطعيم بعد أسبوع من انطلاقها، فأجابت: «لا يمكن بما كان قبول التلقيح ضد كوفيد-19 لأنّني ممّن يرفضون اللجوء إلى حل لم يأخذ الوقت اللاّزم لوضعه، إلى جانب سعره بالمقارنة مع اللقاح الأمريكي «فايزر»، فالفارق كبير جدا، ما يطرح بالنسبة للكثيرين أكثر من سؤال، إلى جانب أنّني لا أرى نفسي مهددة بالوباء لعدم إصابتي بأي مرض مزمن، ولا أعاني مشاكل صحية». وأضافت سارة قائلة: «الأكيد بالنسبة لي أن الفئة المعنية باللقاح هي الأطقم الطبية الأسلاك الأمنية والمسنون والأشخاص الذين يعانون أمراضا مزمنة، لذلك لا أفكر في أخذ اللقاح حتى وإن توفر بكميات كبيرة، فيكفي احترم الإجراءات الوقائية خاصة التباعد الاجتماعي وسأكون بخير». على عكس سارة يفضّل محمد طالبي، موظف، التريث قبل الذهاب الى العيادة متعدّدة الخدمات بحي الينابيع لتلقي جرعة اللقاح، لتفادي كل الشّكوك التي تثار حوله، حيث قال: «حقيقة إن الحل الوحيد التي تملكه البشرية للخروح من حالة الاستثناء الى الحياة الطبيعية هو اللقاح، إلا أن ظروف تصنيعه وإنتاجه كانت السبب وراء التردد، الذي نجده عند الكثير من المواطنين الراغبين في أخذ جرعة اللقاح لاكتساب مناعة مؤقتة تحميهم تعقيدات قد تؤدي بهم الى الوفاة في حالة إصابتهم بالعدوى». واعتبر محمد المعلومات المغلوطة المنشورة على صفحات التواصل الاجتماعي أحد أهم الأسباب المساهمة بشكل كبير في تشكيل خوف أخذ اللقاح، حيث أكّد قائلا: «لا يمكن تجاوز الكم الهائل من الصور والكلمات المشكّكة في فعالية ونجاعة هذا المنتج، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار تلك الملاسنات بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والصين في اتهام كل واحدة منهما للأخرى في شنّ حرب بيولوجية اسمها وباء كورونا، لذلك لا بد من إعطاء المواطن الوقت الكافي لاستيعاب المرحلة الجديدة في الأزمة الصحية الاستثنائية التي تعيشها الجزائر منذ سنة، تغيّرت خلالها ملامح حياة كل واحد منا». ..حل للاختناق الاجتماعي والاقتصادي في السياق نفسه، أوضحت نصيرة شرقي تقني سامي في التخدير والإنعاش، أن حملة التطعيم جاءت في وقتها المناسب لخروج الجزائر وباقي دول العالم من حالة الغلق التي تعيشها بسبب تداعيات الجائحة العالمية الاجتماعية والاقتصادية، حيث قالت ل «الشعب»: «تنفست الأطقم الطبية والجيش الأبيض وكل من ساهم في تخفيف وطأ الأزمة الصحية على الجزائريين الصعداء بعد انطلاق حملة التطعيم السبت الماضي بولاية البليدة، بسبب الضغط الذي أُجبروا على إدارته طوال سنة كاملة، تغيرت فيها حياتهم رأسا على عقب، كان أقسى ما فيها رؤية زملاء توفوا بالكوفيد-19 او زملاء مازالوا إلى اليوم يعانون بعد إصابتهم بالوباء، لذلك سيكون اللقاح المنفذ إلى حياة طبيعية دون خوف من الآخر». وصرّحت نصيرة شرقي أن المرضى العاديون هم أكثر فئة عانت من الوباء بسبب تحويل مصالح كاملة في المستشفيات لاستقبال مرضى كوفيد-19، ما أثّر على برمجة العمليات الجراحية واستشفائهم داخلها وحتى على مواعيدهم الأسبوعية للتشخيص والمراقبة، خاصة مرضى السرطان الذين زادت ندرة بعض الأدوية من تعقيد حالتهم الصحية، لذلك يمثل اللقاح اليوم أكثر من مجرد جرعة يأخذها المواطن بغرز إبرة في ذراعه، لأنّها جرعة أمل للخروج من حالة الاختناق الاجتماعي والاقتصادي الذي يعانيه المواطن البسيط بسبب تدهور قدرته الشرائية نظرا لحالة الركود السائدة منذ سنة». ويربط عبد الجليل دادا، محاسب، التردد الذي يعيشه المواطن الجزائري اتجاه أخذ جرعة اللقاح بما يتم تداوله في منصات التواصل الاجتماعي حيث ترجح نظرية المؤامرة، ما يجعل من حملات التحسيس والتوعية أولوية بل كان من المفروض اطلاقها بشهور قبل بداية حملة التلقيح، خاصة وأن تلك المعلومات المغلوطة موجهة إلى فئة عمرية تتراوح بين ال 15 سنة الى ال 50 سنة، وهي تمثل نسبة كبيرة من مجتمعنا الجزائري، لذلك كان الأجدر إعطاء المواطن المعلومات الصحيحة عن اللقاح من خلال حملات في الأحياء و الشوارع وحصص تلفزيونية وإذاعية تدخل كلها في سياق إنجاح حملة التلقيح، من أجل بلوغ نسبة ال 60 أو 70 بالمائة، وهي النسبة التي يوصي بها المختصون للعودة إلى الحياة الطبيعية وإلغاء الحجر المنزلي الجزئي. في ذات السياق، تساءل عبد الجليل عن جدوى الحملة بعيدا عن إقبال المواطنين المتخوفين من الآثار الجانبية للقاح، كما لا يمكن إغفال دور الجدل القائم حول جواز أو حرمة اللقاح في قلة الإقبال، فرغم البيان الذي نشرته وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، إلا ان طلب رئيس نقابة الائمة معرفة تركيبته لتأكيد جوازه أثار أكثر من سؤال، لذلك كان من المفروض أخذ كل هذه العوامل بعين الاعتبار لتأثيرها على قرار تلقي جرعة اللقاح من عدمه، خاصة وأن المواطن اليوم يعتبر العالم الافتراضي مصدرا أساسيا للمعلومة، فإذا لم نستطع التأثير عليه او ربحه أو جلبه لن يكون بمقدور أحد تأكيد انتهاء حملة التلقيح في المدة المحددة. خوف من المجهول ومأزق الثّقة يرجع المختصّون حالة التردد أو الرفض التي يعيشها المواطن بسبب اللقاح إلى الأثر النفسي الذي تركته الأزمة الصحية الاستثنائية عليه، فأغلب المجتمعات وليس الجزائري فقط يعيش حالة من «لا ثقة» أو كما يسمّيها النفسانيون ب «مأزق الثقة»، لأن الفيروس الذي ادخل العالم في حالة من الرعب والرهاب النفسي أبان عن خوف الإنسان من المجهول، ففي بداية الأزمة الصحية الاستثنائية عاش المواطن فوبيا الخوف من العدوى لدرجة ان البعض أصبح يعقّم الخبز بماء جافيل، بل يأكل في أواني للاستعمال الواحد فقط ليتخلص منها بصفة فورية بعد استعمالها، كل ذلك الرعب لان فيروس كورونا كان مجهولا من طرف العلماء، وتطلب الأمر شهورا للتعرف على بعض خصائصه. واليوم يمر المواطن بنفس تلك المرحلة اللقاح المجهول والإنسان يحتاج الى وجود يقين واللقاح فيه هامش من عدم المعرفة، فلا يمكن لمواطن بسيط هضم حقيقة انه صنع في وقت قياسي، ولا يمكن معرفة آثاره الجانبية على مدى السنوات العشر القادمة، ما يعني أن احتمال وجود ما هو خطر على صحة المواطن موجود، لذلك فإن معادلة الثقة في اللقاح مهزوزة، ولا يمكن أن تكون نتائجها نهائية. ويربط المختصون التخوف أو عدم الثقة الحاصلة في اللقاح إلى ازدياد رقعة نظرية المؤامرة التي سوّقتها صفحات التواصل الاجتماعي، حتى أصبح المواطن نفسه مستهدفا من طرف فئة قليلة تريد السيطرة عن العالم، أو أنها تريد مسخ الكائن البشري إلى كائن تجمع جيناته صفات وراثية بشرية وحيوانية، لذلك، حلت الروح الانهزامية السوداوية مكان النفس المتجددة الباحثة عن إثبات ذاتها. ويتذكّر الجميع ما عاشته الجزائر منذ ثلاث سنوات بسبب رفض الأولياء تلقيح أطفالهم بسبب إشاعة تقول ان التطعيم سيتسبب في عقم الأطفال مستقبلا، ما يعكس نفس حالة الرُهاب من اللقاح التي نعيشها اليوم. تراهن الدولة على وعي مواطنيها لذلك لابد لها من كسب ثقتهم من خلال حملات التحسيس والتوعية التي تلعب دور الوسيط بينهما لتعريفهم باللقاح وبضرورته لتجاوز سنة كانت استثنائية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، على اعتبار ان العامل النفسي المحرك الأساسي لسلوك الفرد كان من الضروري بما كان إعطاءه المحفز النفسي الذي يبعده عن دائرة المجهول والشك في المستقبل.