تتوقف «الشعب» من خلال هذا الحوار مع حفيدة الأمير عبد القادر والعضو بمؤسسة الأمير، عتيقة بوطالب، عند ما جاء به تقرير المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا، الذي اعتبرته محاولة لفرض مساواة بين الضحية والجلاد، مؤكدة ضرورة اتخاذ موقف صارم ضد المغالطة التاريخية التي جاءت بها الدولة الفرنسية سواء حول الأمير أو باقي الأطروحات التي حملها تقرير ستورا. - الشعب: في إطار مسعى معالجة ملف الذاكرة ومرحلة الاستعمار الفرنسي للجزائر، ما تعليقكم حول تقرير المؤرخ بنجامين ستورا؟ عتيقة بوطالب: في البداية دعيني أشير لنقطة أساسية ومحورية ألا وهي أن بنجامين ستورا، موظف في خدمة الدولة الفرنسية وأجندتها السياسية. وبالتالي اقتراحاته هي اقتراحات رجل خرج من دوره كمؤرخ إلى دور مكلف بمهمة لصالح دولة وسلطة، ويجب أن نضع في الحسبان هذا المعطى الأساسي، فكل هذه الاقتراحات محل شك وريبة، وذات أهداف سياسية خفية ولا تخرج عن تقاليد السياسة الفرنسية، التي لم تستطع أن تتحرر من الفكر الكولونيالي الاستعماري حتى بصدد معالجة قضايا ماضيها الاستعماري. - ركز ستورا على المسائل الرمزية، من بينها وضع مجسم تكريمي للأمير عبد القادر، ما هي قراءتكم لهذا الطرح؟ تجب الإشارة إلى أنّ ما يلاحظ من خلال هذا الاقتراح أن الدولة الفرنسية تحاول تشويه وتدنيس اسم ومكانة الأمير عبد القادر السامية. الأمير عبد القادر كشخصية تاريخية بارزة في تاريخ الجزائر وكقائد سياسي وعسكري، كمؤسس للدولة الجزائرية الحديثة وكرمز فهو أولا ملك لوطنه وشعبه ورمز لكلّ الشعوب التي قاومت الاستعمار. فأيّ تكريم للأمير يكون من قبل الشعوب، سواء عبر الشبكات التعليمية أو الجمعيات والنخب الثقافية سيكون مقبولا، ولكن نعارض كلّ مشروع ذو أهداف سياسية يحاول الإساءة واستخدام رموزنا وتراثنا من قبل الدولة الفرنسية، التي لا زالت نواياها وتصرفاتها تجاه بلادنا ذات طابع استعماري وكيدي. وفي هذا السياق، قمنا مع مجموعة من الأساتذة، والمؤرخين والمثقفين بإصدار عريضة بهذا الشأن، مطروحة للتوقيع من طرف المواطنين الجزائريين، هدفها الاعتراض على طرح ستورا حول الأمير عبد القادر. - هل يمكن أن يعالج التقرير القضايا العميقة المطروحة، خاصة ما تعلق بتشويه التاريخ وطمس الحقائق المتعلقة بملفات كثيرة؟ انطلاقا مما سبق فالمنطق الأساسي، والنية الحقيقية وراء هذا القرار ليس حل مشاكل الذاكرة أو علاجها، بل فرض رؤية سياسية ومحاولة التحايل، باقتراح فكرة لا علمية ولا أخلاقية. وبالمناسبة ففكرة تكريم الأمير بنصب تذكاري فكرة فرنسية قديمة، حاول الحاكم الفرنسي السابق نيجلان في الجزائر ذو الماضي الأسود تطبيقها سنة 1947 لكنها فشلت فشلا ذريعا واليوم يحاول «ستورا» اجترارها من عمق الماضي الاستعماري الإجرامي وتطبيقها في 2021، وفق منظور قديم جديد عبر عنه الرئيس الفرنسي الحالي، من خلال المراهنة على مرور الوقت وتغير الأجيال. وهنا تناسى الطرف الفرنسي مدى تمسّك الجزائريين بتاريخهم وحقوقهم وعدم نسيانهم للظلم والإجرام، الذي تعرض له أجدادهم من قبل فرنسا الاستعمارية وعلى رأسهم الأمير عبد القادر وعشرات الملايين من الجزائريين لقرن وربع. إذا هذا القرار خال تماما من كل منهج علمي، ويحاول فرض صورة المساواة بين الضحية والجلاد، ويمثل رؤية للدولة الفرنسية تجاه الجزائر ليست مختلفة عن تصور ورؤية فرنسا الاستعمارية. - كحفيدة للأمير عبد القادر، هل ترين أن ملف الذاكرة يمكن أن يطوى وفق ما جاء به التقرير؟ أنا لا أتكلم كحفيدة للأمير عبد القادر ولا كفرد من عائلته، فالأمير عبد القادر يعدّ أحفاده بالملايين وأحفاده هم أربعين مليون نسمة التي تتشكل منها الأمة الجزائرية. بل أتكلّم كمواطنة جزائرية تعتزّ بتاريخها، ورموزها، وذاكرة وطنها المجيدة. أتساءل كيف يمكن أن نتوقع أن هذا التقرير، الذي لم يجمع ولم يحصل على وفاق ضمن الشعب والنخب وأغلبية التيارات السياسية والإيديولوجية الفرنسية، أن يساهم في غلق ملف الذاكرة بدون التطرق للطابع الإجرامي للاستعمار. وشاهدنا من الناحية الجزائرية عبر جرائدنا وشاشاتنا وشبكات التواصل الاجتماعي ردود فعل قوية وارتفاع الأصوات ضد هذا التقرير منذ إصداره. إذن كيف لتقرير مرفوض في فرنسا التي يخدم مصالح دولتها، أن يقبل من طرف أي جزائري واع بنوايا فرنسا التحريفية. كما قلنا في مبادرتنا، لا بد من اتخاذ موقف صارم ضد المغالطة التاريخية التي جاءت بها الدولة الفرنسية، سواء حول الأمير أو باقي الأطروحات التي تضمنها تقرير بنجامين ستورا. كما نطالب بأن يكون هذا التقرير بداية إحياء المطالبات التاريخية باعتراف فرنسا بجرائمها وتصحيح حتى بعض المعطيات التاريخية في العالم، فأول هلوكوسلت في العالم نفذته فرنسا في الجزائر، وأول الإبادات الجماعية في العصر الحديث قامت بها فرنسا في الجزائر وأول استعمال للبشر كفئران تجارب لاختبار القنابل النووية كان في الجزائر وأول احتجاز لجماجم ورفات مقاومين في متاحف دون أي احترام لمعايير الإنسانية، قامت به فرنسا في الجزائر، وأول عملية نصب دولي قامت بها فرنسابالجزائر، من خلال رفضها دفع الديون المستحقة عليها قبل 1830.