أكثر من 50 ألف حالة سرطان جديدة كل سنة بالجزائر لا يمكن حصر مكافحة الداء في الأدوية والأجهزة المتطوّرة اتّفق ضيفا «الشعب» كل من المختص في الصحة العمومية، الدكتور فتحي بن أشنهو، ورئيسة جمعية «نور الضحى»، سامية قاسمي، لمساعدة مرضى السرطان، على ضرورة إعطاء الوقاية الأولوية في مكافحة السرطان لأنّها السبيل لترسيخ تربية صحية سليمة عند المواطن، خاصة وأنّ الجزائر تخصّص إمكانات مادية وبشرية كبيرة لمواجهة هذا المرض الفتّاك، ما جعل منظمة الصحة العالمية تعتمد على شعار «الوقاية لتفادي الإصابة بالسرطان»، مع إعطاء مناطق الظل أهمية أكبر، فبالرغم من وجود الوحدات العلاجية، إلاّ أنّ عدم وجود أطباء مختصّين يؤرق يوميات المرضى هناك. ركّز الدكتور فتحي بن أشنهو من منبر «ضيف الشعب»، على التربية الصحية في مجابهة السرطان، حيث اعتبرها القاعدة الأساسية للحد من هذا النوع من الأمراض التي تحوّلت إلى هاجس حقيقي لكل المنظومات الصحية في العالم، فالجزائر تسجل سنويا أكثر من 50 ألف حالة سرطان جديدة، ما جعل الدولة توفر كل الإمكانيات الممكنة للتكفل بهم ووضعهم ضمن أولوياتها. وأعطى الدكتور لكل ما يدخل في إطار الوقاية الأهمية الكبيرة على اعتبار أنّ جوهرها مرتبط بمجموعة من السلوكيات اليومية للشخص من أجل تفادي الإصابة بأي نوع من السرطان. الوقاية..أولا أكّد بن أشنهو أنّ منظمة الصحة العالمية تعطي اليوم الأهمية البالغة للوقاية من السرطان، ما يعني ضرورة منح الشخص الثقافة الصحية اللازمة من أجل احترام نمط معيشي صحي يتوافق وتوصيات المختصّين بغية تحقيق انخفاض في نسبة الإصابات الجدد، كاشفا أنّ المنظّمة تعتمد شعار «الوقاية لتفادي الإصابة بالسرطان»، معتبرا الوقاية أهم عامل في التربية الصحية، وهي مجموعة من السلوكيات الصحية التي تصبح مع مرور الوقت عادة وروتينا يوميا لأي فرد من المجتمع. في ذات السياق، قال بن أشنهو إنّ الدولة وفّرت كل الإمكانيات اللازمة للتكفل بمريض السرطان إمكانيات مادية كانت أو بشرية، لذلك تعتبر الوقاية الحلقة المفقودة في هذه السلسلة لما لها من نجاعة وفعالية في الحد من عدد الإصابات، كاشفا أنّ الوقاية مرتبطة مثلا باتباع نظام غذائي صحي تُشطب منه المشروبات الغازية أو الكحولية، التدخين، الاستمرار في بيئة ملوّثة، وكذا اتباع سلوكيات صحية كالنوم والرياضة، ما يبعد شبح السمنة عن الشخص خاصة وأنها تعتبر من العوامل المحفزة للإصابة بالورم الخبيث. وأعطى ضيف «الشعب» مثالا عن سرطان الرئتين الذي يعتبر التدخين والتلوث أهم مسبباته، لذلك كانت مكافحته مقرونة بسياسة مكافحة التدخين، فقد سنّت منظمة الصحة العالمية يوما عالميا لمكافحة التدخين، سلوك غير صحي يتسبّب أيضا في سرطان المثانة، سد شرايين الرجل أين يكون الحل الوحيد هو البتر، الذي ستكون له آثار نفسية كبيرة ويتطلّب تكفلا كبيرا من طرف الدولة، إلى جانب سرطان عنق الرحم بالنسبة للمرأة المدخنة، وهو ما نستطيع تفاديه بتربية صحية سليمة لا تتطلّب آلات وأجهزة وكبيرة لمحاربته. وأضاف بن أشنهو أنّ حصر مكافحة السرطان في الأدوية والأجهزة المتطورة لن يسمح بإعطاء نجاعة وفعالية للإستراتيجية الوطنية لمكافحة السرطان، مؤكّدا في الوقت نفسه أنّ مخطط مكافحة السرطان الذي يشرف عليه البروفيسور زيتوني يعتمد الوقاية كخيار مهم فيها، لكن الواقع غير ذلك تماما. وتساءل عن جدوى شراء أجهزة متطورة دون وجود من يقوم بصيانتها، وهو السبب وراء بقاء «سكانير» في مصلحة بيار وماري كوري معطلا لمدة ثلاث سنوات، لذلك كان من الضروري ألاّ تأخذ الأدوية أوالأجهزة حصة الأسد من مخطط مكافحة السرطان. في ذات السياق، أثنى البروفيسور على المنظومة الصحية في الجزائر التي أوجدت هياكل الوقاية منذ 50 سنة، حيث ركّز على وضع مصالح الوباء والطب الوقائي الذي اعتبر انغماسه في العمل الإداري سببا في عدم أدائه للدور المنوط به، وقال إنّ التركيبة الهرمية للمنظومة الصحية أعطت الأولوية للوقاية من خلال التقرب إلى المواطن البسيط من أجل منحهم المعلومات اللازمة لوضع قواعد متينة لتربية صحية صحيحة، يستطيع أي شخص إدراك نتائجها الإيجابية على صحته وصحة محيطه والمجتمع ككل. الثّقافة الصحية قال بن أشنهو إن تفادي الإصابة بسرطان عنق الرحم ممكن من خلال مراكز حماية الأمومة والطفولة، باكتساب المرأة لتربية صحية سليمة، وبالذهاب بصفة طوعية لإجراء مسحة عنق الرحم للتأكد من وجود خلايا سرطانية، وصرّح البروفيسور أنّ سرطان عنق الرحم سببه فيروسي والتكفل السيء بالالتهابات المتكررة، إلى جانب التعفنات المنقولة جنسيا حيث تتحوّل مع مرور الوقت إلى ورم خبيث. في الإطار نفسه، قال بن أشنهو إنّ مراكز حماية الأمومة والطفولة في مختلف الهياكل الصحية القاعدية تمنح المرأة التربية الصحية السليمة من اجل تفادي الأمراض السرطانية كسرطاني الثدي وعنق الرحم، مؤكدا ضرورة خلق علاقة بين المريضة والطبيب أساسها الثقة المتبادلة، لأنها السبيل لمصارحة المرأة بأي شيء يحدث لها ولوكان بسيطا في جسمها، ما يسمح بالتشخيص المبكر لأي مرض كان. في ذات السياق، قال المتحدّث إنّ مراكز الأمومة والطفولة توفّر خدمات صحية وطبية في مجال تعزيز الصحة والوقاية للنساء الحوامل والأطفال من سن الولادة إلى 6 سنوات، حيث تعمل على منع الأمراض من خلال حملات التطعيم، والكشف المبكر للمشاكل الصحية بواسطة الفحوصات الدورية، وكذا تقديم الإرشاد والمشورة والتوجيه لفحوصات أخرى وفق ما تتطلبه الحالة المشخصة، إلى جانب إعطاء التوجيهات من اجل تعزيز أسلوب حياة صحي ويمنع الأمراض. كما كشف أنّ العلاج عن بعد أو عن طريق الانترنت لا يضاهي العلاقة المباشرة بين المريض والطبيب، لذلك تعد مراكز حماية الأمومة والطفولة ضرورية من أجل مس أكبر شريحة من النساء في المجتمع الجزائري، لتوعيتهن حول خطر الإصابة بالسرطان وأهمية الوقاية منه. النّظر في سعر التّحاليل طالب بن أشنهو أيضا بإعادة النظر في سعر التحاليل الطبية، حيث أصبحت تساهم في عدم تجاوب المريض مع توصيات الأطباء، فإجراء المسحة مكلف للكثير من السيدات، بالإضافة إلى تحليل الفيتامين «د» الذي يصل سعره إلى 7000 دج، لذلك كان على الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إعادة النظر في قائمة التحاليل الخاضعة للتعويض، مؤكّدا ضرورة أخذ مناطق الظل بعين الاعتبار في كل هذه الإجراءات. وكشف أنّ هذه المناطق بالرغم من وجود المراكز الصحية بها إلا أنها تفتقد للأطباء المختصين، لذلك لا بد من وضع خريطة على مستوى التراب الوطني، حيث يذهب المختصون وفقها في كل مرة لفحص المرضى هناك، وترسل المستشفيات أطباء مختصين للمنطقة التابعة لها جغرافيا، مؤكّدا على ضرورة ان تكون الصحة العمومية الشغل الشاغل للمنظومة الصحية في إطار مبادئ بيان أول نوفمبر. في هذا الصدد، قال البروفيسور بن أشنهو إن مجانية علاج السرطان في الجزائر لا تتصادم مع ضرورة التركيز على التربية الصحية، من خلال إعطاء تلاميذ الثانويات وطلبة الجامعات كل المعلومات اللازمة حول الوظائف الحيوية لأعضاء الجسم، وأهم الاختلالات التي تصيبه كالغدد اللمفاوية، وكذا أهمية التشخيص المبكر للوقاية من مختلف الأورام، لان الطبيب ملزم قانونا بتوضيح كل شيء للمريض، لذلك كان لا بد من تكوين الموارد البشرية للوقاية منه وفق ما توصي به منظمة الصحة العالمية. وأبرز البروفيسور بن أشنهو ضرورة المحافظة على جهاز المناعة في الوقاية من السرطان، من خلال نشر ثقافة صحية توصي بنمط غذاء صحي وعادات اليومية لتقوية السلوكيات الضرورية لتأمين تربية صحية، لأن عمل الفيروسات الأساسي هو تحطيم جهاز المناعة للإنسان، لذلك يعتبر اللقاح الحل الوحيد لها. وأضاف البروفيسور أنّ الجزائر تملك وحدات صحية قاعدية لكن التركيز منصب على المستشفيات، لذلك لا بد من إعطاء مساحة أكبر للمؤسسات الصحية الجوارية، فعوض إعطاء الأولوية في مكافحة السرطان لشراء الآلات والادوية يجب العودة الى هدفه الأول ألا وهو الوقاية، من خلال قيام المؤسسات الصحية القاعدية بالدور المنوط بها، فأمراض مثل السل وشلل الأطفال قضت عليها الجزائر منذ خمسين سنة باعتمادها على حملات التطعيم وتقريب المعلومة الصحية والطبية للمواطن البسيط. في نفس السياق، أشار المتحدث إلى امتلاك الجزائر كنزا حقيقيا في نظامها الصحي هو المعهد الوطني للصحة العمومية، حيث كان المشرف الأول على حملات التلقيحات التي ساهمت في القضاء على شلل الأطفال والسل، موضّحا أن الإصلاح المطلوب ليس في النظام الصحي أو تركيبته، فالمشكل ليس ماديا بل هو مشكل تسيير. الإعلام استراتيجي اعتبر البروفيسور بن أشنهو الاعلام وعلى اختلاف وسائله شريكا استراتيجيا لقطاع الصحة وكذا مخطط الوقاية من الامراض السرطانية لأنه الوسيلة لتقريب وجهات النظر، وكذا هو الوسيط الأساسي بين المواطن والسلطة، من خلال نقل انشغالات المرضى وإعطاء المواطن المعلومات اللازمة عن استراتيجية الدولة ومخططها في مكافحة السرطان، وكذا نشر الثقافة الصحية السليمة للوقاية منه، بوضع آخر المستجدات العلمية، الصحية والطبية بين يدي المواطن وكذا آخر توصيات المنظمة العالمية للصحة العالمية من أجل تحيين معلوماته حول السرطان، ويقتنع بأنّ الوقاية اليوم تشكل جوهر المنظومات الصحية في العالم لمكافحته.