أحاط أمس السيد كمال بوشامة بمسار عملية الإنتقال من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية في الجزائر من خلال التركيز على مرجعيات توثيقية ونصوص أساسية كانت بمثابة الإطار العام للفعل السياسي المتحكم في كل مرحلة من مراحل العناوين الكبيرة التي شهدتها بلادنا. وكان لابد في مداخلة المحاضر عشية إحياء الذكرى ال 50 لإستعادة السيادة الوطنية أن يضبط أدوات المقاربة المطروحة، وحساسيتها بمعنى من أين تنتهي الشرعية الثورية ومن أين تبدأ الشرعية الدستورية؟ من الصعوبة بمكان الإجابة عن هذه الأسئلة، نظرا لعدة إعتبارات أهمها السرعة الفائقة التي ميزت محطات النظام السياسي في الجزائر، وفي هذا السياق يجب أن نشير إلى أن مفهوم الإصلاحات السياسية والإقتصادية لم يستعمل بشكل جدي إلا في سنة 1988 تبعه مصطلح التغيير، وفي هذه الأثناء فإن الحزب الواحد هو الذي يهيمن على مجرى الأحداث ولم يكن بالإمكان سوى الكلام عن الشرعية الثورية لأن صانع القرار لم يفصل بشكل نهائي في المسألة القائمة.. وإنما انتقل من حالة سياسية إلى أخرى دون إبداء أي حسم في قضية الشرعية الثورية. ونظرا للظروف التي مرت بها البلاد خاصة منها ذات الطابع السياسي فإن الرؤية التي كانت موجودة هي أن تواصل الجزائر الخط النوفمبري الذي يولي الأهمية القصوى لمبدأ الإستمرارية أي الوفاء لعهد الشهداء والتفاعل مع الحركية الدولية التي كانت مساندة للثورة الجزائرية وانطلاقا من ما كان يسمى «بالتصحيح الثوري» طفحت إلى السطح مؤسسات لصيقة بكل ما هو ثورة «كمجلس الثورة» الذي هو في حقيقة الأمر مجلس الوزراء، وبالتوازي مع ذلك كان الحزب مكلفا بتأدية هذه المهمة المتمثلة في الحفاظ على رمزية كل ما يتعلق بالثورة وأدبياتها، هذا هو الانطباع العام لمقاربة الشرعية الثورة كل القرارات كانت تتخذ بإسم «الثورة». وعليه فإن أحداث 5 أكتوبر 1988، كانت القطيعة مع «الشرعية» الثورية وهذا من خلال الشروع في الإعلان عن الإصلاحات كالتعددية الحزبية، والإعلامية ومراجعة عميقة للدستورو من خلال إدخال حيوية جديدة على مبدأ الإنتخابات وإشراك المواطن في صناعة مصيره. وهذا ما يسمى بالشرعية الدستورية أو بالأحرى الشرعية الشعبية بمعنى أن كل القرارات تتخذ بإسم الشعب وليس بإسم الثورة، وقد أعلن الرئيس بوتفليقة إنتهاء عهد الشرعية الثورية أمام المجاهدين في لقاء تاريخي بقصر الأمم.. ومنذ تلك الفترة عمقت الإصلاحات السياسية وكل مسعى يتخذ يتم اللجوء فيه إلى إستفتاء شعبي لبناء الدولة وإقامة المؤسسات.