يجد الكثير من المصابين بالسكري الذين يتعذّر عليهم صيام شهر رمضان صعوبة في تقبل الأمر، فمنهم من يصرّون على الصوم بالرغم من المضاعفات التي يمكن أن يتعرّضوا لها وتحذيرات الأطباء والمختصّين من خطورة الامتناع عن الأكل وتناول الأدوية لساعات طويلة، خاصة لدى الفئات التي بحاجة إلى جرعات معينة من الأنسولين. يعيش مرضى السكري على أعصابهم، وهم ينتظرون قرار الطبيب المعالج بعد إجراء التحاليل اللازمة لمعرفة ما إذا كان الصيام آمنا بالنسبة لهم أو يشكّل خطرا على صحتهم في حالة عدم التحكم في مستوى السكر في الدم، ما يتسبّب لديهم حالة من الاكتئاب ومعاناة نفسية كبيرة عند إخبارهم بعدم القدرة على الصوم. تتضاعف الصّعوبات التي يواجهها جميع المصابين بالسكري خلال شهر رمضان عن الأيام الأخرى، ولا يقتصر ذلك على الأشخاص الذين لا يمكنهم الصوم ولكن حتى المرضى المسموح لهم بالصيام نظرا لحدوث تغير مفاجئ في النمط الغذائي النشاط الجسدي، فإنهم مطالبون باتباع احتياطات يومية لمنع انخفاض وارتفاع مستوى «الغلوكوز» في الدم خلال ساعات الصيام، وكذا تنظيم مواعيد الأدوية وفقا لأوقات الإفطار والسحور مع الامتناع عن تناول الحلويات لتجنب التعرض لمضاعفات خطيرة. كما يشكّل فيروس كورونا تهديدا لصحة المصابين بداء السكري وأمراض مزمنة أخرى باعتبارهم أكثر عرضة لمضاعفات الفيروس الخطيرة، خاصة وأنّ مرضى السكري يتأثّرون بتغيرات مستوى السكري في الدم ممّا يضعف جهازهم المناعي، ويقلل بالتالي من قدرتهم على التصدي لأي عدوى فيروسية، لهذا فإنهم مطالبون بإتباع نظام غدائي صحي والالتزام بمواعيد أخذ الدواء لتقوية مناعتهم ومواجهة مخاطر الفيروس. وأكّد بعض المصابين بالسكري معاناتهم التي تتكرر مع اقتراب شهر رمضان، بتلقيهم خبر عدم التمكن من الصيام خوفا من الإصابة بأعراض شديدة الخطورة، خاصة لدى الأشخاص الذين تعودوا على صوم رمضان ويتعذر عليهم لأول مرة الصيام بسبب وضعهم الصحي الذي لا يسمح بذلك، وآخرون يواجهون صعوبة لتغير النمط الغذائي وأوقات أخذ الدواء. لعيساوي تركي في الخمسينات من العمر يتعاطى حقن الأنسولين ثلاث مرات في اليوم وحالته الصحية لا تسمح له بالصوم، أكد أنه يعيش معاناة كبيرة منذ 20 سنة بعد اكتشاف إصابته بداء السكري في وقت متأخر، ما تسبّب في مضاعفات مست العين وأدت إلى فقدانه للرؤية. وقال تركي إنّه يجد صعوبة في تقبل عدم القدرة على الصيام بالرغم من أنّها ليست السنة الأولى التي يتلقى فيها خبر عدم الصوم ولكنه يعلّق آمالا مع اقتراب كل شهر رمضان أن تتحسّن حالته ويعود للصوم، مضيفا أنها تبقى مجرد أحلام بالنسبة له نظرا لمرور عدة سنوات دون تمكنه من الصيام. أما السيدة كريمة في الستينات وهي أم لأربعة أبناء، أوضحت بأنها اكتشفت إصابتها بالسكري في مرحلة متأخرة، وبالرغم من أنها كانت تشعر بالتعب الشديد وبعض أعراض السكري، ولكن لم تأخذها بعين الاعتبار إلى غاية فقدانها المفاجئ للبصر، مضيفة أنها أجرت عدة عمليات جراحية داخل الوطن وخارجه كلها أمل أن تسترجع بصرها..لكن دون نتيجة. وفيما يخص قدرتها على صيام شهر رمضان، أجابت أنها ترغب في الصيام، إلا أن جميع الأطباء يحذرونها منذ إصابتها بمضاعفات السكري من مخاطر الصوم على سلامتها وصحتها، مشيرة إلى أن مدة 3 سنوات لم تتمكن من الصيام ومع اقتراب شهر رمضان تتلقى الخبر من الطبيب المعالج بأن حالتها الصحية لا تسمح بأداء واجب الصوم، ورغم الصدمة التي تلقتها لكنها مطالبة بالامتثال لنصائح المختصين وعدم تعريض حياتها إلى الخطر. كما روى لنا المريض «محمد - ش» عواقب عدم تقبله فكرة عدم الصيام خلال السنة الماضية بالرغم من تحذيرات الأطباء له، قائلا: «كنت أشعر بصحة جيدة خاصة وأن جميع التحاليل كانت معتدلة ولم تكن هناك علامة عن وجود خطر، فقرّرت الصيام مع الالتزام بأخذ نظام غذائي صحي وقياس مستوى السكر في الدم بشكل مستمر، ولكن في الأيام الأخيرة من شهر الصيام أصبت بحالة من التعب والإغماء المفاجئ في الشارع ما تسبّب لي في كسر على مستوى الرجل». د - بونقطة: الطبيب يفصل في هذا السياق، حذّر المختص في السكري وأمراض الغدد، الدكتور عبد الرحيم بونقطة، من صيام بعض مرضى السكري دون استشارة الطبيب المعالج، الوحيد الذي يقرر حالة المريض وقدرته على الصيام من عدمها، داعيا إلى الإمتثال لإرشادات الطبيب المختص ومصارحته بجميع التفاصيل لتجنب حدوث كوارث صحية قد تصل إلى حد الوفاة. وأكّد الدكتور بونقطة أنّ داء السكري في ارتفاع محسوس ويمس جميع العائلات الجزائرية، حيث يتم إحصاء أزيد من 4 ملايين مصاب، الكثير منهم تعرضوا لمضاعفات، مشيرا إلى خطورة الصيام لدى بعض الحالات، والتي يمكن أن تؤدي إلى خلل في القلب أو مشكل على مستوى الرئة والأعضاء الأخرى. وأوضح أنّ عدم اتباع الاحتياطات اللازمة بالنسبة لمرضى السكري المسموح لهم بالصوم ينتج عنه مخاطر صحية تتكرر في شهر رمضان، والدليل على ذلك استقبال المستشفيات لعدد كبير من مرضى السكري الذين يتعرضون لهبوط حاد للسكر، والأخطر تعرّض بعض الحالات إلى مضاعفات قد تصيب القلب وتؤدي إلى الإصابة بالضغط الدموي والسكتات الدماغية وجفاف الجسم من الماء. وحسب المختص، فإنّ شعور المريض بأنه بصحة جيدة وقادر على الصوم لا يضمن تمكنه من إتمام الشهر دون التعرض لتعقيدات صحية، موضّحا أنّ بعض مرضى السكري تظهر لديهم مضاعفات بعد شهر رمضان، ولا يقتصر الأمر على الحالات التي تخضع لحقن الأنسولين ولكن حتى الأشخاص الذين يتناولون أدوية على شكل حبوب. 25 بالمائة من المرضى غير مؤمّنين اجتماعيا من جهته، دقّ رئيس الفيدرالية الجزائرية لمرضى السكري، نور الدين بوستة، ناقوس الخطر حول الوضعية الصعبة التي يعيشها الكثير من المصابين بالداء، خاصة أن 25 بالمائة غير مؤمنين اجتماعيا، قائلا إنهم معرضين لمضاعفات السكري وكذا مخاطر الإصابة بفيروس كورونا. ودعا رئيس الفيدرالية الجزائرية لمرضى السكري السلطات المعنية في تصريح ل «الشعب»، إلى إيجاد حلول لمرضى السكري الذي يصل عددهم إلى حد الآن حسب آخر الإحصائيات إلى 6 ملايين مصاب، حيث يتم تسجيل 50 ألف إصابة جديدة على المستوى الوطني، مشيرا إلى أن أزيد من 700 ألف طفل مصاب السكري، أعمارهم تقل عن 18 سنة، وهم بحاجة إلى تكفل جيد. وأضاف بوستة أنّ أسعار الأدوية مرتفعة، ولا يستطيع جميع المرضى غير المؤمنين توفيرها، ما يتسبب في إصابة الكثير منهم بمضاعفات خطيرة تمس القلب والرئة والعين، حيث يتراوح ثمن علبة الأنسولين ما بين 8000 و9000 دج، مبرزا أهمية تفعيل المصانع ورفع الإنتاج الوطني من مادة الأنسولين لتحقيق اكتفاء ذاتي، ولضمان تراجع في أسعار هذا الدواء بنسبة 50 بالمائة. فيما يتعلق بمرضى السكري وشهر رمضان، كشف رئيس الفيدرالية الجزائرية لمرضى السكري عن إطلاق حملات تحسيسية لفائدة جميع المصابين بهذا المرض المزمن لتوعيتهم بضرورة استشارة الطبيب المعالج مهما كان نوع العلاج الذي يتلقاه المريض، فالطبيب وحده من يقرّر إمكانية صوم المصاب بالسكري من عدمها، حسب حالة كل شخص. وحسب بوستة فإنّ 90 بالمائة من المرضى لا يتقبلون عدم صيام شهر رمضان، ويعيشون على أعصابهم بسبب اختلافهم عن الآخرين ويجدون صعوبة في التعايش مع هذا الوضع، والأمر لا يقتصر على الأشخاص الذين لا يسمح لهم بالصوم فقط بل حتى من باستطاعتهم الصوم، فهم مطالبون بتنظيم أوقات أخذ الأدوية، خاصة وأن المدة محدودة بين الافطار والسحور، زيادة على تقليص وجبات الغداء وشرب كميات كبيره من الماء لتجنب جفاف الجسم. ونصح بوستة المرضى بالابتعاد عن السكريات والحلويات التقليدية التي تستهلك بكثرة في شهر رمضان كالزلابية وقلب اللوز لاحتوائها على كميات كبيرة من السكر الذي يعرضهم إلى الخطر، بالإضافة إلى تعويض لحم الخروف بلحم البقر بسبب خطر الكوليسترول مع الالتزام بنمط غذائي صحي غني بالخضر والفواكه، موضحا أن مرضى السكري مناعتهم ضعيفة وبالرغم من اختلاف نوع العلاج المتبع سواء كان عن طريق الأقراص المضادة للسكري أو بأخذ جرعات الأنسولين أو يعتمد على حمية غذائية، فهم مطالبون باستشارة الطبيب المختص وتطبيق إرشاداته.