وضعت الجزائر وليبيا، معالم شراكة استراتيجية استثنائية، بما يتماشى والفرص والطموحات الثنائية المعلنة من كلا الجانبين. بينما يرتبط تجسيد مخرجات اللقاءات المكثفة لمسؤولي البلدين، خلال اليومين الماضيين، باستمرار التنسيق السياسي وتفعيل قنوات التبادل الاقتصادي كالمعابر البرية وخطوط النقل. قام عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، بأول زيارة للجزائر، منذ تسلمه مهامه في 16 مارس الماضي، رافقه فيها وفد وزاري هام، وحظي باستقبال رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون. وقبل وصول الدبيبة إلى مطار الجزائر الدولي، نظم منتدى اقتصادي «كبير» بين البلدين، عرف مشاركة 400 رجل أعمال من كلا البلدين، وعرض فيه الجانب الليبي خارطة طريق لبلوغ سقف المبادلات 3 مليار دولار، في وقت وجيز، وفي وقت لا يتعدى حاليا 59 مليون دولار. الجانب الجزائري، أكد استعداده للمضي قدما في الذهاب سريعا نحو شراكة اقتصادية استراتيجية، معلنا عن إعادة فتح «وشيك» للمعبر البري الدبداب (إليزي)، وضبط آخر اللمسات لإطلاق خط بحري لنقل السلع والبضائع. ويبدو جليا، أن البلدين يعكفان منذ عدة أسابيع، على ضبط كافة التدابير الإجرائية لتفعيل التبادل الاقتصادي، وإعطاء الأولوية في المعاملات التجارية للجوار الإقليمي، من خلال الاتفاق على تسهيل الإجراءات البنكية، لصالح المتعاملين الاقتصاديين الخواص. ولأوّل مرّة منذ 2011، يأخذ الاقتصاد حيزا كبيرا في العلاقات الجزائرية-الليبية، ما يؤشر على بداية تعافي هذه الجارة الغنية بالنفط، من محنتها الأمنية التي عمقتها الأطماع الغربية والتدخلات الأجنبية. وزير الشؤون الخارجية صبري بوقدوم، أكد أن انعقاد المنتدى الاقتصادي الجزائري-الليبي «يشكل خطوة هامة في سبيل إرساء أسس شراكة اقتصادية استراتيجية وشاملة ترقى إلى مستوى المؤهلات الكبيرة للبلدين وتحقيق طموحات الشعبين الشقيقين». معالم الشراكة الشاملة، تجلّت في اللقاءات الثنائية للوفد الوزاري الليبي، مع أعضاء الحكومة الجزائرية، شملت قطاعات الخارجية، الداخلية، المالية، التجارة، التعليم العالي والصحة. لتتوج الزيارة باستقبال الدبيبة من قبل رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون. مقاربة خاصة وعكس كثير من الدول المتدخلة في الشأن الليبي، لا تنظر الجزائر إلى ليبيا، كورشة بناء كبيرة، في مرحلة إعادة إعمار ما بعد الحرب، وإنما كفضاء ترابط إنساني وتاريخي، طبيعي، بحكم الجوار والمصير المشترك. وفي السياق قال بوقدوم: «كيف لنا ألا نستحضر بكل فخر واعتزاز معركتي إيسين في 3 أكتوبر 1957 و25 سبتمبر 1958، التي اختلط فيهما الدم الليبي بالدم الجزائري، في أسمى صور التضحية وأرقى معاني الإيمان بالمصير المشترك للشعبين». وكانت الجزائر، من أوائل الدول مطالبة، منذ 2011، بإبعاد التدخل الأجنبي، وحصر وترك الحل بيد الليبيين أنفسهم، كما رفضت كل مخططات التقسيم أو العبث بالوحدة الترابية والوطنية لليبيا. وثمنت، أمس، وزيرة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية، نجلاء المنقوش «دور الجزائر الثابت والعمل الدؤوب للحفاظ على السيادة الليبية ووحدتها الترابية وصيانة استقلالها وكذا تضامنها اللامحدود من أجل تحقيق المصالحة الوطنية». وأثبت تطور الأحداث، وصواب مواقف الجزائر وسداد رؤيتها، حيث ترافع الحكومة الليبية الحالية، منذ تنصيبها في مارس الماضي، من أجل خروج كافة القوات الأجنبية، دون شروط مسبقة، والتمهيد للحل السياسي القائم على تنظيم الانتخابات في حدود نهاية السنة. وتدعم الجزائر، المسارات السياسية الجادة لحل الأزمة الليبية، والذهاب إلى الانتخابات في أسرع وقت ممكن لتجاوز المرحلة الانتقالية والشروع في بناء المؤسسات الموحدة، على رأسها مؤسسات الجيش والأمن. وفي محادثته مع نظيره الليبي، خالد التيجاني، أكد وزير الداخلية والجماعات المحلية، كمال بلجود العمل على تعزيز التعاون في مجال اختصاص الوزارتين، ما يعني الاستعداد لمقاسمة الخبرة الجزائرية في بناء المؤسسات الشرطية والإدارة المحلية وإدارة ملفات الأزمات والهجرة غير الشرعية. ولطالما وصفت النخب السياسية الليبية الجزائر، ب «الوسيط النزيه» الذي أبقى دائما على المسافة ذاتها مع جميع الأطراف، دون أدنى حسابات ضيّقة.