قامت ''الشعب'' باستطلاع بعض الأحياء القصديرية بالعاصمة في شهر رمضان للاطلاع على ظروف صيام فئات محرومة اجتماعيا من السكن وأخرى رمت بها الأقدار إلى هذه البناءات الفوضوية، والزائر لحي ''الرملي'' القصديري الذي يعتبر عميد الأحياء القصديرية في بلدية جسر قسنطينةبالجزائر العاصمة يقف على الكثير من القنابل الموقوتة التي قد ينتج عنها عواقب وخيمة إن لم يتم التحرك لحلها، خاصة في ظل التوسع المستمر للحي ودخول أجانب إليه، مثلما تحدث عنه البعض لنا بعين المكان. كانت الساعة الثانية والنصف مساءا عندما وصلنا الحي القصديري المعروف ب ''الرملي'' طلبت من سائق سيارة الجريدة ''عمي الطاهر'' التوقف بعيدا نوعا ما بالنظر لخطورة المكان مثلما سمعته من زملاء من قبل، حيث حذروني من مغبة الدخول لهذا الحي القصديري وهو ما جعلني أترصد عند مداخل. تونسيون ومغاربة وحديث عن ليبيين في الحي كشف ''أحمد'' 45 سنة عن ولوج أجانب للحي القصديري، فبالإبضافة إلى التونسيين الذي يتواجدون منذ أكثر من 20 سنة هنا، يوجد مغاربة وليبيون، وهو ما جعل الحي يتوسع لأكثر من 48 ولاية وتلتف حوله النفايات من كل نوع ومكان. ويخيل للمار قرب الحي القصديري الرملي الذي يقع بمحاذاة السكة الحديدية أنه في ''قيتوهات'' كالتي كنا نراها في نشرات الأخبار في ''سويتو'' بجنوب إفريقيا بالنظر لتشابكها وتعقد انجازها. ويظهر أن حل مشكل هذا الحي القصديري أو على الأقل التأكد من قاطنيه أكثر من ضرورة في ظل التطورات الأمنية وكثرة الوافدين إلى الجزائر من دول الجوار، وخاصة تلك التي تعاني تدهورا أمنيا على غرار ليبيا ودول الساحل ومنه الحذر والحيطة أكثر لتجنب استغلال هؤلاء من قبل التنظيمات الإرهابية. وأضاف ''إسماعيل'' الذي يعاني من مشكل حاد في النظر وكان رفقة أحمد يرتدي قميصا وآثار الصيام بادية عليه ''إن التونسيين من أقدم سكان الحي القصديري ولكم أن تحضروا في الصباح الباكر لتروا نساء مع أولادهم وفرادى يمتهنون التسول منذ زمن بعيد، حيث يعودون في المساء وفي ساعات متأخرة من الليل وهذا حالهم منذ سنوات طويلة''. ودعا محدثنا تحت ''أزيز الطائرات'' المقلعة والهابطة بمطار هواري بومدين وصوت القطار الذي يمر قرب الحي إلى توجيه أسئلة لسيارات ''الكلونديستان'' عن نشاط المتسولات التونسيات، حيث يعتبرن زبونات لهم وهناك من تتنقل يوميا إلى بومرداس والأخضرية ومختلف مناطق العاصم، حيث يقتسمن المناطق حتى لا تؤثر الواحدة على نشاط الأخرى. وبالفعل من ألف دخول العاصمة بالقطار يشاهد عشرات المتسولات يركبنه من محطة جسر قسنطينة ومنهن من تتوقف في الحراش لتحويل الوجهة نحو بومرداس والرويبة ومناطق شرق العاصمة في صورة مؤسفة، خاصة حالة الأطفال الصعبة التي تثير الشفقة. انعدام كلى لأدنى شروط الحياة وقفت ''الشعب'' على الظروف المأساوية لقاطني البيوت الفوضوية بحي ''الرملي'' الذي يضم أكثر من 6000 بيت قصديري بعد أن كان 1300 في 2006، حيث تنعدم قنوات الصرف الصحي، ما جعل المكان يغرق في مستنقعات المياه العكرة التي تعتبر بيئة للناموس ومختلف الحشرات الضارة. وعبر ''علي'' شاب في الثلاثينات من العمر متزوج وأب لطفلين عن المعاناة الكبيرة للأطفال قائلا: ''لاحظوا الأمراض الجلدية المنشرة عند أبنائنا ف ''الحساسية'' و''الربو'' و''القرحات'' لا تكاد تفارق أولادنا مضيفا أنظروا إنهم يلعبون في وسط النفايات والمياه الملوثة بسبب غياب التهيئة وقنوات الصرف الصحي. وقال علي ''تعالوا في الليل وستشاهدون مختلف أنواع الناموس أسرابا أسرابا، وفي ظل ارتفاع درجة الحرارة والرطوبة تزيد معاناة الأطفال أكثر ونرى فلذات أكبادنا يموتون بالأمراض دون أن نستطيع القيام بشيء''. ويفضل الكثير من الأطفال اللعب فوق خطوط السكك الحديدية، وهو ما يشكل خطرا عليهم في ظل السرعة الكبيرة التي تمر بها القطارات، وعلى كثرتها تجعل الموت يتربص بالبراءة التي يظهر العطلة قد زادت من متاعبها. وتنعدم بالحي القصديري ''الرملي'' المرافق العامة كالأسواق والعيادة الصحية وحتى المتاجر منعدمة ما فتح الباب للتجارة الموازية بقوة. اعتداءات على المنازل والأشخاص يخيم على الحي القصديري ''الرملي'' حالة من اللأمن بفعل انتشار الإعتداءات سواء على الأشخاص أو على المنازل، ففي أول يوم رمضان يقول ''إسماعيل'' تم اقتحام منزل أحد الجيران وتم الإستيلاء على المصوغات الذهبية لزوجته في صورة تحمل معها كل أنواع الأخطار. وأضاف أنه بعد الساعة الخامسة مساء لا أحد يضمن سلامته داخل الحي القصديري، فالسيطرة لأشخاص لا يعرفون الرحمة ولا الشفقة، وقال ''علي'' من سكان الحي أن مسكنه تعرض للسرقة وجدّته هناك، وحمدت اللّه على سلامتها لقد أصيبت برعب وهيستيريا كبيرة خوفا على حياتها، ومنذ ذلك اليوم أصبحت لا أترك البيت وحده خوفا من السرقة أو الاعتداء على أفراد أسرتي. وبالاضافة إلى انعدام الأمن تنتشر الكثير من الآفات كالمخدرات والسرقة والكثير من المحرمات التي يخجل الانسان ذكرها في ظل الفوضى الكبيرة، وتشكل جماعات من المجرمين تتصارع في كل وقت على الغنائم والاعتداءات تتزايد من يوم إلى آخر دون أن يستطيع أحدا وضع حد لهذا الانفلات. سعر ''البرّاكة '' فاق 100 مليون ؟ كشف ''ز/ رشيد'' 50 سنة يعمل كدهان حر عن شرائه لبيت فوضوي بحي الباخرة المحطمة ببرج الكيفان ب 30 مليون سنتيم، وهو عبارة عن غرفة واحدة لا تتجاوز 14 متر مربع، بالإضافة إلى ساحة صغيرة جدا أعيش فيها أنا وأبنائي الأربعة وزوجتي. وأكد أن الظروف المعيشية الصعبة التي عاشها في ولاية داخلية شرقية حدودية هي التي دفعته للمجيء للعاصمة من أجل الاستقرار والبحث عن لقمة العيش التي أصبحت صعبة المنال في ظل التحولات التي تعرفها الساحة الاجتماعية والاقتصادية فالمؤسسات لا توظف، وحتى تدني القدرة الشرائية جعل المواطنين يتخلون عن دهن بيوتهم، وبالتالي قلت فرص العمل كثيرا وحتى أولادي كبروا ولم يجدوا فرصا للعمل، وقررنا التنقل إلى العاصمة والاستقرار في بيت فوضوي حتى نحسن أوضاعنا. وأكد المتحدث وجود سماسرة ووسطاء يجوبون أسواق ومناطق مختلفة في برج الكيفان يعرضون بيع البيوت الفوضوية التي تتراوح أسعارها بين 30 و 80 مليون وهناك من تصل إلى 100 مليون. وأشار ''حسين/ب'' 40 سنة، متزوج وأب لطفلتين كان يقطن في ''لاڤلاسيار'' في بيت متواضع مع أهله، وقال، ''بسبب كثرة المشاكل والضيق قررت شراء بيت فوضوي ببرج الكيفان ''حيث أبلغني زملاء عن الموقع وتفاهمت مع صاحبها وباعها لي ب35 مليون سنتيم، و حتى إن لم تكن حلا فإن تفادي المشاكل مع العائلة يجعلني أحس نفسيا ونوعا ما مرتاحا''. 40 ألف بيت قصديري تحاصر العاصمة أكدت مصالح ولاية الجزائر عن وجود أكثر من 40 ألف بيت قصديري تحاصر العاصمة ومنتشرة عبر اقليم 57 بلدية وهو ما يتسبب في الكثير من المشاكل وخاصة تشويه صورة العاصمة التي فقدت الكثير من بريقها. وحتى وان كان للعشرية الدموية أثرا بالغا في غض الطرف عن انتشار البيوت القصديرية الا أن تحسن الأوضاع الأمنية وتجاوز الحظيرة السكنية 7 ملايين وحدة يجعل من ملف البناء الفوضوي غريبا ويدفعنا للتساؤل حول خلفيات وأسباب انتشارها. فما شيدته الدولة في العشرية الأخيرة قارب 3 ملايين سكن لكن الطلب لازال متزايدا والبيوت القصديرية في توسع مستمر في صورة تؤكد وجود لوبيات ومافيا خفية تعمل على ابقاء هذا المشكل الذي لا يحمل معه سوى الأمراض والانحراف وتهديد الأمن العام والاستقرار وافشال مخططات التنمية وتقليص الاستفادة من العقار لبناء مشاريع المنفعة العمومية. ويبقى القضاء على أزمة البناءات الفوضوية مهمة الجميع من خلال تسيطر استراتيجية تقضي عليها من الجذور من خلال اشراك جميع المعنيين، ووضع عقوبات صارمة ضد كل من يشجع ويتاجر في مآسي المجتمع والبسطاء.