الجزائر بإمكانها تلبية جزءٍ كبيرٍ من احتياجاتها من مصادر متجدّدة يتحدّث المدير العام للوكالة الدولية للطّاقة المتجدّدة، "فرانشيسكو لا كاميرا"، في هذا الحوار الحصري عن آفاق تطوير استغلال الطّاقات المتجدّدة في العالم، ومدى تزايد الطلب العالمي عليها مقارنة بالطّاقات الأحفورية، ويعرّج "فرانشيسكو لا كاميرا" على دور الوكالة الدولية في ترقية مشاريع الطّاقات النظيفة وعلى التحديات المستقبلية التي تواجهها، إضافة إلى آليات الدعم التي يمكن أن تمنحها "آرينا" للجزائر بصفتها عضوا في الوكالة لتطوير برنامجها الخاص بالطاقات المتجدّدة. - الشعب الاقتصادي: إذا كان إنتاج الطّاقات الأحفورية قد تراجع بصفة كبيرة في 2020 بسبب تداعيات فيروس كورونا، فما هو واقع إنتاج الطّاقة من مصادر متجدّدة في نفس الفترة؟ «فرانشيسكو لا كاميرا: لقد أثّر وباء "كوفيد-19" على قطاع الطّاقة بصفة عامة، لكن الطّاقات المتجدّدة أظهرت مرونة وقدرة كبيرة على مقاومة الأزمة مقارنة بالطّاقات الأحفورية، ففي العديد من البلدان، استحوذت مصادر الطاقة المتجدّدة على حصة أكبر في قدرة الإنتاج الإجمالية أكثر من أي وقت مضى، نظرًا لاقتراب التكاليف الهامشية من الصفر في محطات الطاقة المتجدّدة، وفي أوروبا على سبيل المثال، بلغت حصة مصادر الطاقة المتجدّدة في إجمالي الطاقة المنتجة 41 ٪ في الربع الأول من عام 2020، بزيادة قدرها 16 ٪ عن الأشهر الثلاثة الأولى من العام السابق. - ما هي أهم التّحديات التي تواجه قطاع الطّاقات المتجدّدة في العقود القادمة؟ هناك توجّه عالمي نحو الاستغلال المتزايد للطّاقات النظيفة والمستدامة، لكن وتيرة هذا التحوّل تحتاج لتكون أسرع ممّا هي عليه اليوم، من خلال تشجيع يكون أساسه الأطر السياسية الصحيحة، وكذا بمساعدة قرارات استثمارية واعدة. لقد سلّطت الجائحة الضوء على تقلّب وهشاشة نظام الطّاقة الحالي، ممّا خلق قناعة متزايدة بالحاجة الملحّة لتسريع الانتقال نحو أنظمة طاقوية قائمة على مصادر متجدّدة، ولقد وفّر لنا وباء "كوفيد-19" فرصة غير مسبوقة للجمع بين الانتعاش الاقتصادي قصير الأمد والتدابير المتوسّطة وطويلة الأمد لتحقيق أهداف التنمية العالمية وحماية المناخ، غير أنّ المستوى الحالي للاستثمار ما يزال غير كافٍ للحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة العالمية ضمن المسار الآمن للمناخ (عند 1.5 درجة مئوية بحلول منتصف القرن)، ولتحقيق هذا الطموح المناخي، يجب أن يتضاعف حجم الاستثمارات في تقنيات الطاقة المتجددة بنحو ثلاث مرات سنويًا ليصل إلى 800 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2050، إنّ الاستثمار في الطّاقات المتجدّدة لا يعود بالفائدة على المناخ فحسب، بل على سوق الشّغل أيضاً، فكل مليون دولار يُستثمر في مصادر الطّاقات المتجددة من شأنه أن يخلق وظائف أكثر بثلاث مرات مقارنة مع ما توفّره الاستثمارات في الوقود الأحفوري، ويمكن أن تتضاعف مناصب الشّغل في قطاع الطّاقات المتجدّدة ثلاث مرات لتصل إلى 30 مليون وظيفة بحلول عام 2030. - بالرّغم من تسطير عديد بلدان شمال إفريقيا منها الجزائر، لبرامج طموحة تدعّم التّحوّل الطّاقوي، إلاّ أن تكلفة توليد الطاقة من مصادر متجدّدة في المنطقة تبقى عائقاً أمام تحقيق هذا التحوّل، فما هي سبل تجاوز ذلك؟ لم تعد التحديات الرئيسية لترقية إنتاج الطّاقات المتجدّدة اليوم مرتبطة بالتكلفة، فوفقًا للتحليل الذي أجرته الوكالة الدولية للطّاقات المتجدّدة (IRENA)، فإنّ تكاليف إنتاج الطاقة من مصادر متجدّدة أصبحت أقل وأرخص من تلك التي تصرف في توليدها من الوقود الأحفوري، خاصة تكاليف الطاقة الشمسية وطاقة الرياح التي تستمر في الانخفاض، وقد أظهرت الطّاقة الشمسية الكهروضوئية (PV) على سبيل المثال أكبر انخفاض في التكلفة على مدى السنوات العشر الماضية بنسبة بلغت 82 ٪، وانخفضت تكاليف الكهرباء الشّمسية الكهروضوئية على نطاق واسع بنسبة 13 ٪ على أساس سنوي، لتصل إلى ما يقرب من سبع سنتات دولار أمريكي لكل كيلوواط / ساعة في عام 2019، ومن المتوقّع أن يستمر متوسط التكلفة العالمية للطاقة الشمسية الكهروضوئية في اتجاهه التنازلي نحو أربع سنتات لكل كيلوواط / ساعة بحلول عام 2030، أي بانخفاض 58 ٪ مقارنة بعام 2018. - جاء في نشرية "توقّعات النّفط العالمية 2045" (Woo 2045) الصّادرة عن منظمة الدول المصدّرة للبترول "أوبك" في شقّها المتعلّق بالشّكوك والتّخوّفات، أنّ السياسات العالمية والمسار الطّاقوي العالمي يتجّه نحو تكثيف اعتماده على الطاقات المتجدّدة، وهو ما يمكن أن يقلّل من الطّلب العالمي على المحروقات مستقبلاً، فإلى أيّ مدى يتزايد الطّلب على الطّاقات المتجدّدة؟ من المؤكّد أنّ الطّلب على الطّاقة المتجدّدة سوف ينمو بشكل معتبر مستقبلاً، لا سيما مع الانخفاض السريع في أسعار المعدّات والتقنيات، وكذا تكاليف الإنتاج. وقد أصبحت الطّاقة المتجدّدة في مناطق كثيرة من العالم، أرخص مصدر للكهرباء الجديدة، حيث تقدّم عوائد ثابتة ويمكن التنبؤ بالفوائد التي توفّرها للاقتصاد بشكل عام. من جانب آخر، تظهر "التّوقّعات العالمية للطّاقة المتجدّدة" الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) أنّه لتحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ، يجب إنتاج 86 ٪ من الكهرباء العالمي من مصادر متجدّدة بحلول عام 2050، مع العلم أن العديد من البلدان قد تصل إلى حصص تتجاوز 95 ٪ بحلول عام 2050، وبعضها إلى 100 ٪، ما سيؤدّي إلى ارتفاع إجمالي استهلاك الكهرباء المُنتجَة من مصادر متجدّدة من 20 ٪ إلى ما يقارب 50 ٪. - الجزائر بلد الغاز والبترول، لكنّها تحوز أيضا على إمكانات كبيرة من الطّاقات المتجدّدة، هل تعتقد أنّه بإمكانها ضمان حاجياتها وأمنها الطّاقوي من مصادر متجدّدة؟ بالنظر إلى إمكانات الطّاقة المتجدّدة في الجزائر وخبرتها في إدارة المشاريع الطاقوية، فإن البلاد لديها القدرة على تلبية جزءٍ كبيرٍ جدًا من احتياجاتها من مصادر متجدّدة. لدى الجزائر أهداف طموحة للغاية من أجل تطوير هذا القطاع، ولتحقيقها سيتعيّن عليها تبسيط العمليات الإدارية عند إعداد العروض وإطلاق المشاريع، ومن المهم أيضًا وضع الأدوات المالية اللازمة التي يمكن أن تساعد في توسيع نطاق انتشار مصادر الطّاقة المتجدّدة، وفي الأخير، هناك حاجة ملحّة لوضع مسألة توسيع استغلال الطّاقة المتجدّدة في إطار أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، وجدول أعمال اتفاق باريس. - للجزائر مشروع طموح يهدف لإنجاز محطّات شمسية كهروضوئية بقدرة إنتاج إجمالية تبلغ 4000 ميغاواط خلال الفترة 2020 2024، كيف تجد هذه الخطوة؟ وهل تعتقد أن المشروع سيغيّر توجّهات الجزائر الطّاقوية؟ أنا متأكّد بأنّ هذا الهدف يأخذ في الاعتبار الموارد البشرية والسياسية والتقنية والمالية الموجودة في البلاد. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ تحقيق هذا المسعى سيخلق الزّخم لتحقيق أهداف أكثر طموحًا في المستقبل. - الجزائر عضو في الوكالة الدولية للطّاقات المتجدّدة، وللوكالة برامج دعم لتنمية استغلال الطّاقات المتجدّدة، فهل هي مستعدّة لدعم الجزائر في برامجها؟ الوكالة الدولية للطّاقات المتجدّدة على استعداد لدعم الجزائر في جهودها لترقية اعتمادها على مصادر طاقة متجدّدة، من خلال عدد من البرامج والأدوات، نحن نعمل مع البلدان الأعضاء على دراسة وتقييم جاهزية استغلال مصادر الطاقة المتجددة من خلال تحسين سياسات التمكين والأطر التنظيمية المتعلقة بالأنشطة الاستثمارية في مشاريع الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى ذلك، نقوم بتوفير رؤية واضحة عن التقنيات والفوائد الاجتماعية والاقتصادية. في الأخير، الوكالة الدولية للطّاقات المتجدّدة على أهبة الاستعداد للعمل على تعزيز التعاون الإقليمي والدولي بين الجزائر والدول الأعضاء الأخرى في الوكالة. صدر في: العدد 06 من مجلة "الشعب الاقتصادي" - ماي-جوان 2021