تحصلت “الشعب” على رأي اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها التي يرأسها الأستاذ فاروق قسنطيني بخصوص الوضع السائد في حالات الحبس الموقت في الجزائر، وانعكاسات ذلك على التمتع بالحقوق الأساسية للأشخاص المحرومين من الحرية. وتعميما للفائدة ننشر النص الكامل للرأي الحقوقي للجنة: ما سوف يسرد من خلال الملاحظات الآتية ليس الغرض منه جنب ما لا يليق لمن لا يشاطر وجهة النظر التي مفادها أن منع شخص من حريته البدنية ولو بصفة مؤقتة يعد أمرا مثمن لكي يترك لقاض وحيد الذي يقرر في سرية ضميره ومكتبه، بل الغرض من ذلك هو جعل من واقع قضائي قابل لفهم وافر، وهو الواقع الذي يشكو منه ما عدا فقط من سلط عليهم وذويهم، بل أيضا المحاكمة الجزائية ذاتها التي تقام فيما بعد لكي يتم الحسم في موضوع القضية وكلها. بتوضيح ما سبق، إن الحبس الاحتياطي هي مسألة تتسم ببالغ الأهمية والاعتبار لكي يتم تقويضها في مجرد فضاء مجادلة يقلل أو يكثر من حدته الأطراف التي يغذونها. ان الحبس الإحتياطي لا يختصر على جدال بحث من حيث الإحصائيات التي يمكن تخفيفها جوهريا تبعا لكيفية حساب المستند فيها على تعريف غير صحيح على ما هو عليه من الناحية القانونية، بل إنه مسألة قضائية قائمة في حد ذاتها، كما أنها أيضا مسألة أخلاقية معقدة وتقوم في آن واحد على نظرية الخير والشر، والتي يصعب الخوض فيها بكل هدوء. وإذا يمثل الضر الضروري كما يليق نعته قاض كبير الذي يحسب ضمن أصدقائي، إلا أن للحبس الاحتياطي آثار شاذة، سامة وغير مرغوب فيها التي تحول قرينة البراءة التي يقرها الدستور إلى قرينة إدانة التي يصبح إزانها المتهم منزوع السلاح ويفرض عليه بذلك تكليفه بتقديم دليل براءته، كما أن الحبس الإحتياطي يفهم من الناحية الإجرائية كعلامة غير صريحة وصامتة عن الإدانة. ويضاف لهذه الصعوبة الأولية، ولكونه يجعل من المتهم سلس وهو يعيشه كتعدي بدني وعقاب مسبق غير مستحق، فإن الحبس الإحتياطي يضعف المتهم ويجعله في وضعية دنيئة لغاية أن القاضي المكلف بمحاكمته تصبح له هيمنة عليه، تمنع المتهم من الدفاع عن نفسه كما يريده خوفا من الذي يقوم بمسائلته، مما ينبعث منه صورة الشخص المذنب وذو النية السيئة. أخيرا وبالأخص في مادة الجنح، فغالبا ما ينطلق الحبس الإحتياطي من تعسف في السلطة ويصبح غير مجدي، لأن بعد تفحصه نتيجة إحالته أمام محكمة الجنح، إن ملف التحقيق لا يعد إلا إستنساخا غير مدعم لملف البحث الإبتدائي للشرطة أو الدرك الوطني المحرر في مهل التوقيف الإحتياطي جد قصيرة. وفي هذه الظروف، وإذا لا يمكن التفكير بجدية في إزالة الحبس الإحتياطي في مادة الجنح بإعتباره ضرا ضروريا إذا تحتم الأمر، فحان الوقت لتغيير الاجراء بانشاء مثلا غرفة الحريات ترافق قضاة التحقيق، والتي يتمثل دورها في إقرار التوقيف الإحتياطي جماعيا في حالة العزم فيه من طرف القاضي المحقق وذلك لحماية جيدة لقرينة البراءة وحماية الذي يستفيد منها. وغرفة الحريات، التي يرأسها قاضي الحكم، تكون مشكلة من محلفين إثنين ذا تكوين جامعي يتم إنتقائهما من قرعة تجرى سنويا مما يترتب عليه رفع عدد المحلفين في تشكيلة محكمة الجنايات إلى ستة أو ثمانية، مما يخول للعدالة الجزائية طابعها الشعبي التي تزحزحت عنه منذ العديد من السنوات على حساب إستقلالها الحر ومصداقيتها المؤسستية. رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها. م.ف.قسنطيني