كل يوم تأتينا أخبار الموت من سوريا، بأرقام تتزايد مع تصاعد أعمال العنف في مناطق مختلفة من البلاد.. أما الجرحى فيعدون بالآلاف، من القوات النظامية وقوى المعارضة. هذا جناه ''الربيع العربي'' على الأمة العربية، الذي امتدت عدواه إلى كثير من الدول العربية التي يبحث شعبها عن الديمقراطية المستوردة على ظهر الآلة الحربية الغربية وهما أمران متناقضان، لأن الديمقراطية الحقة ترفض استعمال القوة والعنف والسلاح لاسقاط الأنظمة والحكام، وتنبذ التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للبلدان. نجح التدخل الأجنبي في إسقاط نظام القذافي وقتله بطريقة ترفضها القوانين الدولية، ونجح في إسقاط نظامي بن علي في تونس ومبارك في مصر، بدعم المتمردين والمعارضين ماديا ومعنويا وإعلاميا ودعائيا، في فترة وجيزة تاركين هذه البلدان خرابا ورمادا، من المستبعد أن تستعيد عافيتها على المدى القريب. بعد أن عمت الفوضى وساد اللاأمن وانهارت البنى التحتية لاقتصادياتها. فكيف يسعد الذين استولوا على الحكم وقد خربوا بيوتهم بأيديهم وأيدي الأعداء، الذين جاءوا بهم على ظهر دبابة أو في إطار صفقة أو مؤامرة دبرت في الصالونات؟. كيف ينامون ويهنأون وقد سقطت مئات الأرواح أمام أعينهم، وأمهات بكت أبناءهن وثكالى فقدن أزواجهن وأطفال يُتِّموا وشُرِّدوا وغرقوا في دماء الضحايا التي سالت من أجل الاستيلاء على كرسي الحكم وليأت الطوفان..! اليوم أرادوا أن يفعلوها ويكرروها في سوريا الشقيقة، وبالفعل انطلت «الحيلة» على الشعب السوري، الذي انقسم بين مؤيد للرئيس والنظام ومعارض يريد اسقاط النظام، ولو على حساب آلاف الضحايا وخراب الاقتصاد، وهروب آلاف المواطنين من نار الحرب والدمار إلى حدود دول الجوار. الكل يتساءل كيف انساق المسؤولون السوريون والشعب وراء هذه المؤامرة المفضوحة، رغم أنهم عاشوا أحداث الدول العربية التي أصابها ''الوباء'' وكيف حالها اليوم لما تعانيه من أزمات معقدة ومتعددة. إن الأزمة السورية أريد لها أن تستمر وتطول وتتعقد أكثر بفعل التدخل الأجنبي، وإلا كيف يفشل المبعوث الأممي السيد كوفي عنان، الحاصل على جائزة «نوبل للسلام» في تطبيق خطته لتحقيق السلم والسلام في دويلة مثل سوريا، ويقدم استقالته لعوامل كثيرة حسبه وحسب العارفين بأغوار القضية. وهاهي الأممالمتحدة والجامعة العربية تستنجدان بالدبلوماسي الجزائري الأخضر ابراهيمي الخبير الدولي المحنك في فض النزاعات.. الذي نال رضا النظام السوري والمعارضة، ومن المتوقع أن ينجح في مهمته الصعبة والشائكة، لأنه متفهم الوضع جيدا، ويرفض أن يخضع لأية ضغوط دولية مهما كان مصدرها وقبل ذلك المطلوب من السيد الابراهيمي تحديد وتحييد الأطراف التي لا تريد حلا للأزمة السورية ثم ينطلق في تطبيق خطته، كما طبقها أثناء الأزمة اللبنانية رغم تعقيداتها آنذاك. إن أزمة سوريا أرادوها أن تكون «مُؤزَّمة» ومزمنة !