خلفت الحرائق التي حدثت في غابات ولاية البليدة خلال الأسابيع القليلة الماضية، خسائرَ كبيرة، حيث أتلفت مئات الهكتارات من الثروة الغابية بما فيها أشجار الأرز التي تتميز بها الحظيرة الوطنية الشريعة ذات الطابع السياحي. اندلعت حرائقَ مهولة مع نهاية الأسبوع المنصرم في بلديات الأربعاء، صوحان في الجهة الشرقية، وفي قرواو في الجهة الوسطى، وفي بلدية عين الرمانة بالجهة الغربية لإقليم ولاية البليدة، وبذلت مصالح الحماية المدنية جهودا كبيرة لإخمادها بمساعدة أفراد الجيش الوطني الشعبي. وكانت ولاية البليدة قد شهدت حرائق مماثلة في مناطق متفرقة بالحظيرة الوطنية الشريعة مع نهاية شهر جويلية المنقضي وبداية شهر أوت الجاري، والتي أجمع الكثيرون على اندلاعها بسبب ولوج بعض هواة السياحة الجبلية الى الغابات للاستمتاع بها واستعمالهم لشوايات اللحم، خاصة وأن هذه المادة تكاد تتوفر لدى الجميع بمناسبة عيد الأضحى الذي يشهد نحر المواشي. غير أن النيران الملتهبة التي شبت مع نهاية الأسبوع المنصرم وكادت تصل إلى السكنات الريفية، أكدت بأن استعمال الشوايات ليس العامل الوحيد الذي أدى إلى نشوبها، بل هناك عوامل وأسباب أخرى، بل اقتنع الكثيرون بأنها وقعت بفعل فاعل، كما أن هبوب الرياح ساعد في انتشارها بسرعة. النيران شبّت في نقاط تضاريسها وعرة تقول مُديرة محافظة الغابات لولاية البليدة دليلة بناني: «البؤر الكثيرة للحرائق وبعدها عن بعضها يؤكد بأن النيران مفتعلة وهي فعل إجرامي.. ولعل ما يؤكد ذلك أننا اكتشفنا بأن مواقد النيران تحدث في نقاط صعبة التضاريس في الشعاب والوديان، وهذه الأماكن الوعرة منعزلة ولا يذهب إليها من يريد التنزه (برأت ضمنيا أصحاب الشوايات)». وأضافت مسؤولة القطاع في البليدة: «المُعطيات والمُؤشرات تُوضح بأن جل الحرائق التي وقعت مؤخرا مفتعلة، لكن لا يمكن أن نجزم بذلك، بل سننتظر ما تسفر عنه التحريات التي تقوم بها لجنة أمنية مختصة، ولا يٌكن توجيه الاتهام لأي شخص، خاصة هؤلاء الذين يقطنون في المناطق الجبلية». جدير بالذكر أن محافظة الغابات في البليدة، جندت القاطنين في المناطق الجبلية للقيام بالتدخلات الأولية حين نشوب الحرائق، غير أن بعض الأطراف تساءلت عن حرق بعض الأماكن بالقرب من منازل هؤلاء السكان، وهل ذلك راجع إلى رغبتهم في غرس أشجار مثمرة بالمساحات التي احترقت؟.
«أخمدنا ثلثي الحرائق قبل انتشارها» في سؤال حول ما إذا كان المخطط الذي أعدته محافظة الغابات بالبليدة قبل حلول فصل الصيف لأجل التصدي للحرائق مجديا، ردت السيدة بناني: «مُهمتنا تتمثل في التدخل الأولي والإعلان عن وجود حرائق ثم الإسهام في إخمادها حتى النهاية... وأنا شخصيا أتواجد في الغابة منذ الثامن من شهر أوت الجاري». وأضافت: «الأشخاص الذين يقومون بحرق الغابات يتحينون الفرص ولديهم طرق إجرامية، ونشوب النيران لا يعني بأن مخططنا الذي وضعناه لم يكن مجديا، بل بالعكس، لقد كان ناجعا وسخرنا كل الإمكانات المادية والبشرية، وأخذنا كامل احتياطاتنا ليكون هذا المخطط عملياتيا، وليكن في علمكم أن ثلثي الحرائق التي حدثت تم إخمادها في بدايتها وقبل أن تنتشر». وتضمن المخطط المُشار إليه تهيئة 108 كلم من المسالك الترابية لتسهيل تنقل رجال الإطفاء في الجبال والغابات، وتنصيب 13 برج مراقبة في النقاط السوداء التي تعرف نشوب حرائق باستمرار، وتوظيف فرق أولية تتشكل من المئات العمال المنتدبين والذين يسكنون في الغابات، وكذا 23 فرق متنقلة تتشكل من 144 عون يجوبون الغابة لاكتشاف النيران والأسباب التي تؤدي اليها وأخمادها في بدايتها. «التشاور لإعداد قانون ردعي» وقالت بناني، إن مشروع إعداد قانون ردعي لتسليط العقوبات على المتسببين في الحرائق موكول لأهل الاختصاص، أي رجال القانون، لكن صياغة بنود هذا القانون يقتضي استشارة محافظة الغابات، على حد قولها: «نحن في مرحلة التشاور ومقترحاتنا سيتم تجسديها كإجراء قانوني ثابت... حرق الغابات يؤدي إلى التصحر ولابد أن نفكر هكذا، وله آثار سلبية على البيئة، مثل نقص الأكسجين وانجراف التربة، ونترك أهل الاختصاص يُناقشون القانون الذي من شأنه أن يحُد من ظاهرة الاعتداء على الثروة الغابية». في هذا الصدد يقول مدير البيئة لولاية البليدة وحيد تشاشي: «القوانين الحالية ليست حاسمة بخصوص العقوبات التي تُسلط على المتسببين في الحرائق... نحن في مرحلة تقتضي أن تكون هناك قوانين ردعية وقرارات ولائية.. البارحة تناقشت مع ممثل للغابات وأخبرته بأنه في الأصل هناك مناطق فيها تنوع بيولوجي ونباتي تتطلب قرارات بمنع الدخول اليها في فصل الصيف، مع وضع لافتات تٌحددها وتٌنع الناس من الدخول اليها... بعبارة أخرى، تمنع الناس من الدخول إلى مواقع معينة في تلك الغابات المحمية، وليس مشكلة أن يذهب إليها السُياح في الشتاء، لكن في فصلي الربيع أو الصيف لابد أن نمنعهم ونعاقب من نجده فيها.. وبالمقابل نحدد مناطق في الغابة يزورها الناس متى شاءوا... ولا نقول بأن من تسبب في اشتعال النار بسبب الشواية بأنه أخطأ بل تعمد الحرق». «حملة تشجير كبرى في الأفق» ويقول تشاشي، بخصوص مستقبل غابات البليدة الرائعة: «محافظة الغابات هي التي تقوم بإحصاء المساحات التي احترقت ونحن سنساهم في حملات التشجير حين إطلاقها، ولدينا مشروع راسلنا الوزارة بخصوصه نطلب من خلاله تمويلنا لغرس أشجار الأرز.. وقبل ذلك محافظة الغابات التي هي تقوم بإحصاء المساحات التي تعرضت للتلف ونوعية الأشجار التي أتلفت. وعندهم حتى المعطيات لمعرفة المتسببين في النيران أو الحرائق. سمعت بأنهم اكتشفوا من تسبب في الحرائق الأخيرة التي شهدتها الحظيرة الوطنية بالشريعة في 24 جويلية الماضي». بدورها عبرت مديرة السياحة لولاية البليدة سهام فنيدس، عن أسفها الشديد جراء الضرر الكبير الذي لحق بالحظيرة الوطنية للشريعة، حيث قالت إن المنطقة لديها مقومات سياحية وهي متنفس للعائلات طوال السنة، وحرق مساحات واسعة من أشجار الأرز جريمة لا تغتفر، وأنها تؤيد مقترح تحديد بعض المناطق التي تزخر بالتنوع النباتي والبيولوجي ومنع الدخول إليها في فصل الصيف لتفادي تعرضها للحرق بدون قصد أو بتعمد. ودعا عضو مجلس الأمة المنتخب عن ولاية البليدة إلياس عاشور، إلى القيام بحملة تشجير كبرى لتعويض الأشجار التي احترقت: «حملات التشجير هي أيضا من بين الحلول لتعويض المساحات الواسعة من الغابات التي احترقت ونحن نقوم بها بصفة منتظمة ويُشارك فيها ممثلون عن المجتمع المدني وممثلون عن الدولة». وأضاف بالقول: «أرى بأن تدعيم المناطق الريفية ضروري بمنحهم إعانات لتطوير نشاطهم الفلاحي وتوفير السكن الريفي لهم سيسهم في حماية الغابات، حيث يمكن لمحافظة الغابات الاعتماد عليهم للقيام بالتدخلات الأولية لإخماد النيران قبل انتشارها». جدير بالذكر، أن بعض المناطق الغابية في البليدة عرفت عودة سكان الأرياف في المناطق الجبلية، كما هو الحال بمنطقة مقطع لزرق التابعة إداريا لبلدية حمام ملوان، حيث قام بعض الفلاحين باستصلاح أراضيهم وغرسوا مساحات من الأشجار المثمرة بمختلف أنواعها، كما طوروا نشاطهم في تربية الأبقار والماعز.