نقف على ردود الفعل المختلفة للصحافة الكولونيالية في الجزائر بعد هجومات عشرين أوت 1955، التي انتهجت منذ الوهلة الأولى تجاهل الطرف الأساسي في معادلة هذه الهجومات، خاصة بعدما تطاولت الألسنة وتوجهت جميعها لإتهام أطراف من خارج الجزائر، بحيث كانت الإتهامات موجهة مباشرة نحو القاهرة، وهو ما أكد عليه رئيس الحكومة الفرنسية «إدفار فور» الذي قال في تصريحه أن الحوادث التي وقعت كانت أليمة، وأبدى تعاطفه مع العائلات التي أصابها هذا الإعتداء الذي وصفه بالوحشي، وأكد أيضا أن هذه العمليات الإرهابية كانت بأوامر خارجية، وبين هذا وذاك سنقف على واقعية تدخلات الصحافة الفرنسية من عدمها في تناول قضيته في محاربة الإستعمار. ويؤكد المدير العام لجريدة «ليكو دالجي «آلان دوسيريني» بحسب ما جاء في دراسة للباحث عمر بوضربة بعنوان: «هجمات 20 أوت 1955 بالشمال القسنطيني تمت وخطط لها زيغود يوسف من خلال المصادر الفرنسية ، جريدة «ليكو دالجي»أنموذجا أن ما يحدث في الجزائر منذ الفاتح من نوفمبر 1954 ليست قضية المطالبة بالحرية والإستقلال، وإنما هي أحداث تعود أسبابها إلى الظروف الإجتماعية والإقتصادية التي تعيشها المناطق التي وقعت فيها هذه الأحداث، وهو ما جعلها تهرول لاتخاذ قرارات يراد بها تحسين الظروف المعيشية للسكان، وفي الإطار قال الحاكم العام بالجزائر جاك سوستيل في 08/09/1955 «يعتقد كثيرون أن نشاط المتمردين جاء بإيعاز خارجي، لكن في نفس الوقت نسجل أن هذا النشاط وقع في المناطق التي تتميز بسوء التسيير»، فرغم الهول الذي أحدثته العمليات بكبريائهم لتجاهل الطرف الجزائري الفاعل الوحيد في العمليات. من جهة، فقد اعتبر المعمرون الفرنسيون في الجزائر أن سياسة الإهمال والتخلي التي انتهجتها السلطات الإستعمارية هو سبب هذه الحوادث، وهو ما أشارت إليه «اللجنة المركزية لمقاومة تفكيك فرنسا والإتحاد الفرنسي»، التي أسست قبل الحوادث بيومين فقط 18/08/1955، ونشرت ذلك في بيانها المؤرخ في 25/08/1955. وبالرغم من أن العمليات كانت ضربة موجعة كبيرة للمعمرين، وزلزالا كبيرا للسلطات الفرنسية في الجزائر، فقد انساق الجميع وراء فرضية التدبير الخارجي لهذه العمليات، وهو ما جعلهم يحيدون عن ذكر التنظيمين؛ جبهة التحرير وجيش التحرير الوطني أو بالأصح راحوا يتجاهلونها. وبالرغم من تلقي السلطات الفرنسية شهادات من طرف مواطنين فرنسيين أنهم شاهدوا «الفلاقة، وكانوا يرددون أناشيد حزب الشعب الجزائري، أي أنها إشارة إلى حزب الشعب، أما الإشارة الثانية فكانت نحو منظم هذه العمليات حسب جريدة L écho d'Alger الفرنسية، بذكر إسم زيغود يوسف في اليوم الثاني بعد الأحداث وقالت بأنه حدد تاريخ الهجوم «السبت 20 أوت على الساعة منتصف النهار» قبل ذلك بيوم واحد أي يوم الجمعة صباحا. وبالنسبة لأهداف العمليات ومن خلال رؤية المعمرين فقد استهدفت لفت أنظار المنظمات الدولية للوضع داخل الجزائر، ثم إحداث هوة عميقة بين الأوروبيين والمسلمين عن طريق إراقة الدماء، وهو ما ذهبت إليه تلك الجريدة، وعوض القراءة الصحيحة لهذا الهجوم من طرف السلطات الفرنسية والرد عليها بحكمة، طلقت العنان لهمجيتها وارتكبت مرة أخرى أبشع المجازر في حق الشعب الجزائري، كرد قاس على مرتكبي هذه العمليات ولأنهم متيقنون أنه لا فرق بين الجزائري الذي حمل السلاح في الجبال، والجزائري الذي يعيش في المدينة. حيث أكدت الإحصائيات الرسمية التي قدمها الحاكم العام جاك سوستيل لباريس من 20 إلى 27 أوت، والتي نشرت على صفحات جريدة صدى الجزائر، أن حصيلة الخسائر البشرية للطرفين كانت كالتالي: الضحايا من الفرنسيين: 123 قتيل من قوات الأمن، منهم 21 مسلما و47 جريحا، 31 قتيلا و125 جريحا من العسكريين، و71 قتيلا و51 جريحا من الضحايا من الجزائريين: «المتمردون» : 1273 قتيل، 1024 من الأسرى، 81 جريحا، بحيث سبق للجريدة وبحسب بعض المصادر أن قدمت إحصائيات أخرى وهو عدد : 2300 «متمرد» قتلوا في نفس الفترة، وهو ما يطرح التساؤل حول العدد الحقيقي للضحايا الجزائريين ومصداقية تعامل هذه الجريدة مع العدد. أما الإحصائيات التي قدمتها جبهة التحرير الوطني التي قامت بإجراء إحصاء كبير على مستوى عمالة قسنطينة، فقد أشارت إلى 12000 شهيد بين الرجال والنساء والشيوخ وحتى الأطفال، في عمليات إبادة ودك للقرى والمداشر عن آخرها انتقاما للقتلة الأوروبيين، وهو ما أشار إليه الدكتور محمد العربي الزبيري في كتابه الثورة في عامها الأول وتجاهلته صفحات الجرائد الكولونيالية. وقد أدت عمليات التطهير والقتل من طرف الجيش الفرنسي والمعمرين إلى التأثير السلبي على الإقتصاد في عمالة قسنطينة، هذا بعد غلق التجار لمحلاتهم في المدن وهجرة الفلاحين لأراضيهم بسبب الخوف والرعب. على الصعيد الخارجي فقد حاولت السلطات الفرنسية تلميع نفسها جراء المجازر والقتل الذي مارسته ضد الشعب الجزائري، فقامت بإرسال مبعوثين إلى الدول العربية وأمريكا وبعض الدول، أما في جلسة 22/09/1955 فقد قال ممثل فرنسا لدى الهيئة «هرفي ألفوند» أن «شؤون الجزائر لا تعني إلا الحكومة الفرنسية، فلا الأممالمتحدة ولا الجمعية العامة أسست للتدخل في هذه الشؤون». وبذلك نسجل أن معظم الصحف الإستعمارية ومنها جريدة L écho d'Alger بعد عمليات 20 أوت 1955 قد تناولت ردود فعل السلطات الإستعمارية دون أن تتناول ردود الفعل الداخلية للشعب الجزائري بكل حركاته، وحتى ردود الفعل على مستوى الدول العربية ودول أخرى، خاصة التي احتجت على عمليات القمع من طرف الجيش الفرنسي والمعمرين. وبذلك فالحرب على الشعب الجزائري كانت تنفذ بكل فصولها بداية بالقمع والقتل باستعمال السلاح إلى القمع بالتجاهل لحركية الطرف الجزائري مهما كان نوع تدخله، وبذلك تكون جريمته مع سبق الإصرار والترصد.