بقلم: بوتبان بسمة تظل هجومات 20 أوت 1955 المنعرج الثاني للثورة الجزائرية وهو الحدث البارز الذي حقق الكثير من الإنجازات للثورة في عامها الأول وقد تم الإعداد لها بناء على رسالة شيهاني بشير الذي وضح فيها أوضاع الأوراس وطلب النجدة من المنطقة الثانية لتخفيف الضغط على المنطقة الأولى. اللقاءات التحضيرية للهجومات كان رد زيغود على رسالة شيهاني سريعا حيث بدأ التحضير والإعداد للخطة بالمكان المسمى (بوساطور) في دوار لكحل الواقع بمنطقة سيدي مزغيش جنوب غرب مدينة سكيكدة لكن اتضح أن المكان لا تتوفر فيه الشروط اللازمة لعقد اجتماع بهذه الأهمية ثم غيروا المكان إلى (براكسبور) ببوشطاطة ورغم الاحتياطات التي اتخذها المسؤولون تم اكتشاف أمرهم يوم 20 جويلية1955 أين وقع اشتباك مع قوات العدو وسقط على إثرها محمد نفير شهيدا بمعية الحاج القسنطيني ومات اثنان من جنود العدو وجرح ثلاثة. واختير المكان النهائي لعقد الاجتماع بكدية الزمان يوم 23 جويلية1955 تحت إشراف زيغود يوسف بحضور مسؤولي الناحية الثانية ثم تبعه اجتماع موسع لجميع جنود وضباط المنطقة الثانية في دوار المجاجدة ومن بين الذين حضروا اجتماع الزمان (عمارة بوقلاز مرفوق بإثنين من ناحية سوق أهراس لخضر بن طوبال عمار بن عودة علي كافي اسماعيل زيقات بوجريو مسعود عمار شطايبي بشير بوقدوم صالح بوبنيدر محمد دخيل المدعو الرواية). أسندت الناحية الأولى للمنطقة المحصورة من سوق الإثنين غربا إلى وادي الرمال شرقا وميلة والقرارم إلى تلاغمة جنوبا لبن طوبال أما زيغود فقد تولى الناحية التي تراسم ناحية بن طوبال شرقا من قالمة إلى الساحل إلى الحدود التونسية وقد سلمت التعليمات في بيت رابح يونس المدعو رمضان الذي اعتاد زيغود يوسف الإقامة عنده أثناء تواجده بالمنطقة ويوجد في هذا المنزل مخبأ تحت أرضية مبني بالإسمنت والآجر مربع الشكل مساحته 16 مترا تقريبا خصص للاختباء. وأثناء الاجتماع أعدت قائمة جميع العملاء والخونة كان من بينهم علاوة عباس ابن أخ فرحات عباس وعباس بن الشيخ الحسين وقبل حوالي أسبوع من 20 أوت كانت الوحدات والكومندوات قد تمركزت في مواقعها المحددة. واختير يوم السبت 20 أوت 1955 كونه نهاية الأسبوع وبداية العطل والإجازات للعساكر الفرنسيين والشرطة والدرك ويوم سوق بالمدينة ما سهل على جنود جيش التحرير الدخول إلى المدينة وهم متنكرون في الزي المدني الذي يخفي اللباس العسكري والسلاح. وحدد توقيت العمليات على الساعة 12 زوالا وهو وقت خروج الأوربيين من عملهم لتناول الغداء بالتالي يسهل إلحاق خسائر مادية وبشرية في صفوف الاستعمار الفرنسي كما نوقش أيضا في الاجتماع مشاكل تزويد المجاهدين والمشاركين في العمليات بالسلاح. وضع زيغود يوسف جملة من الأهداف للهجومات: * فتح أبواب الثورة على مصرعيها أمام جميع المواطنين الجزائريين لدخول المعركة. * الضغط على القوات الفرنسية التي تضرب طوقا محكما على منطقة الأوراس وإجبارها على الانسحاب. * التعبير عن التضامن مع الشعب المغربي على أثر نفي الملك محمد الخامس. * أما الهدف الأسمى هو تسجيل القضية في جدول أعمال الجمعية العامة لهيئة الأممالمتحدة. وقد بدأت التعبئة البشرية قبل الموعد بحوالي أسبوع وهو آخر التحضيرات التي جاءت بعد تعبئة المجاهدين وتوعية الجماهير حيث وقعت تجمعاتهم في عدة أماكن: * جبل العالية ونواحيه ويقدر عدد المتجمعين فيه حوالي 3000 فرد. * كاريار رومان. * سيدي أحمد الواقع غرب سكيكدة تم تجميع حوالي 800 فرد أشرف على عملية التنظيم اسماعيل زيقات وعمر بوالركايب ومحمد مهري. * القل أشرف عمار شطايبي على التعبئة الجماهرية يوم 19 أوت 1955 وجمعهم في دوار بني زيد حيث جمع حوالي 218 فرد. وعموما فإن عملية التحضير قد جرت في ظروف تتسم بالجدية والروح العالية من الوعي وفي سرية تامة الأمر الذي سمح بتنظيم الهجوم والقيام به حسب المخطط الموضوع في اجتماع الزمان. وكانت استجابة الجماهير والتفافها حول الثورة والمجاهدين الذين كان عددهم لا يتجاوز الثلاثمائة عاملا أساسيا في نجاح عملية الهجوم وزرع الفزع والخوف في صفوف العدو. وكما كان مقررا في مخطط الهجوم وبعد أن تمت التحضيرات المذكورة سابقا أطلق المجاهدون هجوما شرسا بمختلف الأسلحة والشواقير على مراكز العدو في جميع مناطق الشمال القسنطيني ولتدعيم هذا الهجوم قاموا بعمليات تخريبية ضد مرافق العدو ومنشآته الاقتصادية والإستراتيجية وذلك في المدن ومختلف القرى. في مدينة سكيكدة وقع الهجوم من عدة جهات باستثناء الناحية الشمالية حيث البحر الأبيض المتوسط عرفت فيها المدينة منذ منتصف النهار أصعب الحالات حسب تعبير جريدة لوموند الفرنسية تقول إنه لولا وحدات الدرك وفرق الحرس المتنقل في حالة طوارئ لإحداث العصيان المدني. لم تقتصر عمليات 20 أوت على يوم واحد بل تواصلت في الأيام الموالية في عدة أماكن من منطقة الشمال القسنطيني بنصب كمائن للعدو وقطع أسلاك وأعمدة الهاتف والكهرباء وسد الطرق بالأشجار وتخريب الطرق والجسور بهدف ضرب اقتصاد المعمرين وعرقلة التحركات العسكرية وشل نشاطات العدو زيادة على حرق مزارع الفرنسيين وإتلاف أرزاقهم. ومن خلال هذه الإحصائيات للخسائر الفرنسية فإن مجموع القتلى بلغ (266) أوروبيا بين مدنيين وعسكريين وهو عدد يقارب ضعف عدد القتلى المعلن عنه من طرف الدوائر الرسمية الفرنسية للفترة مابين 20 و 27 من شهر أوت 1955 وهو كما يلي: 123 قتيل و223 جريح في صفوف القوات الاستعمارية ومفصلة كما يلي: حسب جريدة لوموند الصادرة يوم 2 سبتمبر 1955 قدرت العدد ب 21 قتيلا و 47 جريحا أما الأروبيين المدنيين 71 قتيلا و 51 جريحا والعسكريين 31 قتيلا و 125 جريحا. إن هذه الأرقام سواء منها الواردة في المصادر الجزائرية أو الفرنسية تعتبر تقديرية فقط لأن الطرفين في حالة حرب لذلك لم يذكرا الحقائق كاملة باعتبارها من أسرار الحرب. كانت ردود الفعل من طرف القوات الاستعمارية من مدنيين وعسكريين تميزت بقساوة ووحشية ضد المدنيين الجزائريين العزل وذلك بمساهمة جميع القوات النظامية والمستوطنين الأروبيين المسلحين بالمدينة حيث أطلقوا النار من شرفاتهم على المارة الجزائريين وخرجت القوات الفرنسية مدججة بالسلاح إلى الشوارع وأخذت تطلق النار على كل جزائري تعثر عليه مع العلم أن هناك عددا كبيرا من الجزائريين كانوا خارج منازلهم أثناء الهجوم لجأوا إلى المقاهي بعدم أن لحقتهم القوات الفرنسية هذا بالإضافة إلى مداهمة العسكر للمنازل خاصة تلك الواقعة في مشتة الزفزاف حيث أبادوا كل سكانها حرقا. وقد تزامن هذا اليوم رسو باخرة ركاب بميناء سكيكدة قادمة من مرسيليا على متنها العديد من الجزائريين وقعوا في قبضة العدو وراحوا ضحايا الغدر والقمع. إضافة إلى ذلك قامت أيادي الغدر بتجميع عدد كبير من المواطنين في الملعب البلدي لمدينة سكيكدة قدر عددهم بحوالي ألف وخمسمائة رجل قتلوا ودفنوا جماعيا في خنادق حفرت بواسطة جرافة ما تزال محفوظة في نفس المكان كشاهد على ذلك. وقد أشرف بعض رؤساء البلديات الذين اشتهروا بالعنف والتقتيل على هذه الحملات نذكر منهم (كروفو) رئيس بلدية سكيكدة و (ديبلي) رئيس بلدية رمضان جمال ما يزالان في ذاكرة الذين عاشوا هذه المحن. أما بخصوص إحصائيات الخسائر البشرية الناجمة عن هذا القمع فإنه من الصعب حصرها بدقة لأنه دام هذا أكثر من أسبوع عبر كل الشمال القسنطيني نجد علي كافي يقدرها بين اثني عشر وثلاثة عشر ألف ضحية (13000). وعلى ضوء النتائج السلبية والإيجابية التي حققها هذا الهجوم أكد زيغود يوسف في اجتماع تقييمي للهجومات أنه تم تنفيذ 39 عملية عبر كل الشمال القسنطيني وهذا ما أثبت أن الثوار الجزائريين وطنيون يدافعون عن وطنهم. إن القمع والإبادة التي استخدمتها القوات الفرنسية أدت لا محال لالتحاق الثوار بالجبل بعد أحداث 20 أوت 1955. ونستخلص مما سبق أن عمليات هجوم 20 أوت 1955 حققت العديد من الأهداف التي سطرت من أجلها هذا الهجوم إذ تعد نقطة تحول كبيرة في الثورة الجزائرية حيث انتقلت من الجبال إلى المدن ومن الليل إلى النهار فهذا يعني أكثر من دلالة بحيث أعطت روحا جديدة للثورة الجزائرية وكانت لها تأثيرات كبيرة على الصعيد الداخلي والخارجي مما جعل الثورة تتوسع وتفرض نفسها بقوة ضاربين بذلك أروع الأمثلة للتضحية في سبيل الوطن. المجد والخلود للشهداء الأبرار